كلما تراجعت فرص التسوية العادلة وتأكد مأزق مشروع الإسلام السياسي الذي تراهن عليه حركة حماس ،وتزايد الوضع العربي والإقليمي تفككا وتدهورا ...كلما استشعرنا أهمية وضرورة الحاجة لمنظمة التحرير الفلسطينية و في قلبها حركة فتح الحزب الأكبر لحماية المشروع الوطني من خطر الزوال والشعب من حالة ضياع وتيه لا ندري إلى متى ستستمر .
فبالرغم من خطورة المرحلة إلا أن الحراك المؤسَس على استيعاب هذه الحقائق والتخوفات لا ترق إلى مستوى الحدث ،وخصوصا انه لم يبق إلا أربعة أشهر على موعد المؤتمر السابع لحركة فتح ، بل نستشعر أحيانا وكأن هناك من يعمل على الهروب من استحقاقات استنهاض منظمة التحرير وحركة فتح بمزيد من إغراق الشعب في متاهة المفاوضات والانقسام وقضية الأسرى،وبالتالي يعمل على إضعاف حركة فتح وإخراجها من ساحة المواجهة ومن دورها الطليعي كحركة تحرر وطني لكل الشعب في الداخل والخارج ، كما تم مع منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني .
إن كانت السلطة الوطنية نتاج لتسوية مفروضة فإن حركة فتح ومنظمة التحرير ليستا نتاجا للتسوية ولا يجوز إخضاعهما لاستحقاقاتها وخصوصا بعد أن خرجت التسوية عن مسارها وأهدافها الأولى. القوى الداخلية والخارجية التي تعمل على إفشال التوصل لتسوية عادلة تحقق الأهداف المشروع للشعب ولو في حدود القرارات الدولية بقيام دولة مستقلة في الضفة وغزة عاصمتها القدس الشرقية مع عودة اللاجئين الفلسطينيين ، هذه القوى نفسها تعمل على إعاقة استنهاض منظمة التحرير وحركة فتح كحركة تحرر وطني تعبر عن الثقافة والهوية الوطنية وكإنجاز وطني يشكل ضمانة لمواجهة التحديات المستقبلية .
صحيح أن كل الأحزاب والجماعات الفلسطينية تُعتَبر عدوا لإسرائيل وإسرائيل تعتبرها كذلك ، ولا شك أن هذه القوى قاتلت وناضلت ضد الاحتلال ،إلا أن إسرائيل ومنذ تأسيس حركة فتح وحتى اللحظة الراهنة تعمل كل ما تستطيع لتدمير وتفكيك حركة فتح تحديدا لأنها تحمل الفكرة الوطنية الفلسطينية النقيض للفكرة الصهيونية ولأنها الحزب الأكبر في فلسطين ، ولأن تدمير أو إضعاف حركة فتح معناه بقاء منظمة التحرير عاجزة ومشلولة .
ولكن ليست إسرائيل وحدها مًن يعمل على إضعاف حركة فتح ، ولا حركة حماس المنافس الأول لها وخصوصا في قطاع غزة .إن الآفة الأخطر التي تهدد حركة فتح تكمن في داخلها ،في البعض من نخبتها وقادتها الذين ابتعدوا عن فكر ومبادئ وقيم فتح وباتوا يتعاملون مع الحركة كمريض تغالبه سكرات الموت وهم ورثته والكل يريد أن يحوز أكبر قدر ممكن من المنافع والمواقع قبل وفاة المريض ،المشكلة تكمن في أن تنظيم فتح بات يتحول من حركة شعبية لكل الشعب ولملايين اللاجئين إلى حزب نخب عائلية ومناطقية انسلخت عن قاعدتها الشعبية وعن المخيمات واللاجئين ومعاناتهم ، كما تكمن المشكلة في بعض القيادات التي تريد التغطية على ماضيها الأسود وتواطؤها على القضية الوطنية بتعجل فتح معركة الرئاسة والسعي لها بأي ثمن ولو على حساب حركة فتح والقضية الوطنية، قيادات لا تطرح رؤية سياسية أو برنامجا بسقف وطني أعلى كبديل عن المأزق الراهن للمفاوضات ولمجمل المشروع الوطني .
إن حركة فتح النقيض للمشروع الصهيوني والتي يراهن عليها الفتحاويون والقوى الوطنية لاستنهاض الحالة الوطنية وإنقاذ المشروع الوطني من الدمار النهائي، ليست فقط تاريخ أو قيادات تاريخية أو مشاريع إغاثة ورواتب، بل الحركة و القيادة التي تلتزم باستحقاقات المشروع الوطني التحرري وهو المشروع الذي انطلقت فكرته من مخيمات اللاجئين ومن الفلسطينيين في الشتات الذي عاصروا النكبة واللجوء فرفعوا شعار العودة كأبرز عناوين الحركة الوطنية والمشروع الوطني .
حركة فتح كحركة تحرر وطني إن كانت غير قادرة الآن على ممارسة منطلقاتها الأولى كحركة مقاومة للاحتلال فعليها على الأقل أن تملك رؤية سياسية وفكر واضح ،ففي ساحة كالساحة الفلسطينية التي تعج بكل الأيديولوجيات الوطنية وغير الوطنية،وحيث التدخلات والمشاريع والمؤامرات الخارجية ،حتى من أشقاء عرب، لا حصر لها ، فإن على حركة فتح امتلاك رؤية سياسية واضحة تُمكن أبناء فتح من تمييز أنفسهم عن غيرهم من الجماعات والأحزاب وتمكنهم من مقارعة خصومهم السياسيين وهم على ثقة وإيمان بالأفكار التي يتبنوها ،وأن تكون مواكبة وقريبة من الحدث العربي والإقليمي.
بات استنهاض حركة فتح كحركة تحرر وطني واستنهاض منظمة التحرير الفلسطينية كإطار جامع لكل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج ضرورة وطنية اليوم وخصوصا مع مأزق السلطة الوطنية وما تتعرض له من محاولات لتجريدها من أي دور وطني ،وضرورة وطنية في ظل اتضاح خطورة ما تطرحه الإدارة الأمريكية من رؤية لتسوية متساوقة مع السياسة الصهيونية . لا يمكن الاستمرار في إماتة منظمة التحرير وحركة فتح في مراهنة على التسوية وما قد تمنحنا من فائض بشر وفائض ارض لنقيم (دولة) بدون سيادة يريدها الإسرائيليون للتخلص من الكثافة السكانية الفلسطينية ،ومناورة لامتصاص المواقف الدولية المؤيدة للفلسطينيين ،وتمهيدا للإجهاض لاحقا على هذه الدولة التي لن تتوفر على مقومات البقاء أو الدفاع عن نفسها.
يجب توضيح موقف حركة فتح من التسوية والمفاوضات والشرعية الدولية والمقاومة واللاجئين والمصالحة ومع دول الجوار على قاعدة الالتزام بالثوابت والحقوق الوطنية وليس على حسابها أو باللعب على الحدود الحمراء لهذه الثوابت والحقوق والمساومة عليها حتى كتكتيك ومناورة ،كما لا يجوز دفن الرأس بالرمال كما جرى خلال عشرين سنة أو أكثر حيث تتباين تصورات ورؤى أبناء فتح من كل هذه القضايا، وعندما تتأزم الأمور يحاول كل منهم الهرب من المسؤولية والزعم بأنه لم يوافق على كذا أو كان ضد كذا. غياب الرؤية السياسية والفكرية عند القيادة العليا ينعكس سلبا على القاعدة حيث تتخبط القاعدة الفتحاوية سياسيا وفكريا ولا تستطيع أن تدافع عن نفسها في مواجهة خصوم فتح لأنها لا تعرف ما يجري وبالتالي يعتمد كل فتحاوي على اجتهاده الخاص .
من الضروري التفكير بفصل حركة فتح عن السلطة واستحقاقاتها والتزاماتها لأن إخضاع حركة فتح للسلطة والتزاماتها يُخرج حركة فتح من كينونتها ويتعارض من مبادئها . التداخل بين السلطة وحركة فتح وهيمنة الأولى على الثانية يشكل سببا مهما في إعاقة استنهاض حركة فتح وفي ضبابية الرؤية عند أبناء الحركة وفي فقدان الحركة مصداقيتها عند الجماهير العربية والإسلامية ،بل إن الصراع على السلطة ورئاستها بين قيادات فتح بات من أهم الأخطار المهَدِدة لوحدة الحركة بل لبقائها اليوم .و نتمنى قبل أن يفوت الوقت أن يتم الفصل بين رئاسة حركة فتح ورئاسة السلطة الوطنية لأن الصراع على السلطة يدمر حركة فتح ،وأن تعود حركة فتح حركة الجماهير الشعبية في كل مكان وخصوصا في المخيمات وفي الشتات وان يكون للاجئين دور الريادة في الحركة حتى لا يتم ضياع حق العودة في دهاليز المفاوضات دون الحصول على مقابل وطني .
وأخيرا يجب التأكيد على أن الانشغال والاشتغال على المصالحة الوطنية والتسوية السياسية وقضية الأسرى لا يُغني عن الاشتغال على استنهاض وتفعيل تنظيم فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية،ويقدر ما تنجح حركة فتح في التقدم على المسار الثاني تنجح على المسار الأول ،بل إن نجاحها في مسار استنهاض المنظمة وتنظيم فتح مؤشر على نجاحها
على مسار المصالحة والتسوية السياسية وإطلاق سراح الأسرى القدامى.