تعجز الكلمات عند الحديث عن الأسرى في يوم الأسير الفلسطيني والعربي، ، لأن كل الكلمات تقف حائرة ونحن نعبر عن معنى السجن وعذاب السجان، وتعجز أكثر عندما تريد التعبير عن بطولات الأسرى وصمودهم وتحديهم، بمواجهة إدارة السجون التي لم تميز يوماً في تعاملها وقمعها بين معتقل وآخر ، فالكل مستهدف ، وهم اليوم يستكملون مسيرة الدفاع عن كرامة وشموخ وكبرياء الشعب الفلسطيني والعربي خلف القضبان.
ونحن نفتخر بلا حدود بهؤلاء الأبطال في يوم الأسير الفلسطيني والعربي، ونقول لا بد للقيد ان ينكسر ،رغم أنف السجان والاحتلال وغطرسته، ومن هنا يقف القادة المناضلين عنفوان فلسطين احمد سعدات الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وفارس الانتفاضة مروان البرغوثي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ورموز النضال وائل سمارة ورفاقه وباسم الخندقجي وعباس السيد والقادة وأعضاء المجلس التشريعي وكافة الاسرى والاسيرات بمواجهة الواقع المرير ، رغم تصاعد تلك الإجراءات بحقهم لتصل في مرحلة متقدمة إلى التصفية الجسدية ، ولهذا نقول بأن هناك خطر حقيقي على حياتهم.
ان عزل المناضلين واتخاذ اجراءات عقابية بأشكال جديدة بحقهم ، يجب ان ينقلنا من ردات الفعل الى العمل الممنهج المتواصل والمتراكم من أجل حرية كل الاسرى والاسيرات ، لأن هذا الإحتلال لا يميز في تعامله ما بين أسير وآخر ، فالكل مستهدف ، والكل يتعرض لصنوف مختلفة من التعذيب النفسي والمعنوي والجسدي ، وحقوقهم الأساسية تُنتهك وتُسلب على مدار اللحظة ، بدءاً من أشكال الاعتقال ومروراً بالتعذيب واستخدام القوة المفرطة وليس انتهاء بالحرمان من الزيارات والعزل الإنفرادي والتنصل من توفير الإحتياجات الأساسية للأسير من مأكل ومشرب وعلاج ، وهذا بفضح تلك الإنتهاكات ،باعتبارها ترتقي إلى مصاف جرائم حرب ، وليس هناك من تشابه على الإطلاق ما بين الواقع المرير للسجون والمعتقلات الإسرائيلية من كافة النواحي وما بين نصوص المواثيق والإتفاقيات الدولية.
وإذا كانت القاعدة هي احترام حقوق الإنسان مع انتهاكات محدودة هنا وهناك تتنصل منها الدولة الحاجزة ، فان القاعدة في سجون الاحتلال عكس ذلك تماماً ، فهي انتهاكات لا حدود لها ، مما يتطلب تدويل هذه القضية ، بما فيها استخدام آليات جديدة وأدوات نضالية ، فهؤلاء اعتقلوا وأفنوا زهرات شبابهم في سجون الاحتلال، ومنهم من تحرروا بعد مضى عقود وسنوات من أعمارهم ، فيما لا يزال الالاف منهم قابعين في غياهب سجون الاحتلال.
ان هؤلاء المناضلين والمناضلات يشكلون بصمودهم عنوان القضية الفلسطينية ، وهم مفخرة لكل فلسطيني وعربي ، كيف لا وان فلسطين أنجبتهم ، ليثأروا بنضالهم لكل من هو فلسطيني وعربي عانى من الإحتلال وبطشه وبالتالي ان النضال من أجل حرية الاسرى ، هو واجب وطني وعلى الجميع العمل بهذا الإتجاه .
وامام هذا اليوم العظيم نتوجه بتحية الإكبار والإجلال والتقدير للحركة الأسيرة وشهدائها وقادتها وفي مقدمتهم الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية القائد الشهيد الكبير الاسير محمد عباس " ابو العباس " الذي استشهد في أقبية التحقيق ومعسكرات الاعتقال وهو يواجه الجلاد المحتل الامريكي الصهيوني الذي لم يتمكن من كسر إرادته حيث شكل باستشهاده شاهداً على حقيقته العنصرية الإجرامية ، والقادة الشهداء عمر القاسم ووليد الغول وقاسم ابو عكر وابراهيم الراعي والعديد من الشهداء الذين رسموا لنا الطريق من اجل استعادة كافة حقوقنا بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس رغم كل الظروف المؤلمة التي نمر بها.
وغني عن القول نقول بكل وضوح ان هناك امانة يجب ان نمضي فيها من اجل الحفاظ على دور الحركة الاسيرة بكافة هيئاتها ومؤسساتها ولجانها باعتبارها تشكل من خلال تمسكها بارثها النضالي العريق ومسيرتها الرائدة نقطة تحول مضيئة بحمل الامانة في الدفاع عن كل الاسرى والمعتقلين.
اليوم يبعث الفلسطينيون رسالة إلى العالم أجمع الذي يدعي الحرية بصفة عامة وإلى أبناء جلدته وأشقائه بصفة خاصة، مخاطبين من خلال رسالتهم الإنسانية الضمائر التي تتبلد بل وتموت حين يتعلق الأمر بالوضع الإنساني للشعب الفلسطيني ولأسراه، متسائلين في الوقت ذاته: إلى متى يتهرب المجتمع الدولي من مسؤولياته تجاه قضيتنا العادلة، وإلى متى سيبقى الوضع العربي مرتميا في أحضان أعداء المنطقة من ذوي المشاريع الهدامة والمدمرة، وهل سيطول بقاء العرب على مركب الأعداء، ألم يقتنعوا بعد بأن الديمقراطية الغربية والمزاعم عن احترام الحريات والدفاع عن حقوق الإنسان لم تكن سوى وسائل لتسويغ التدخلات في الشؤون الداخلية لدول المنطقة بهدف استعمارها وإضعافها وتمزيقها.
إذن، كثيرة هي الأسئلة التي يطرحها الوضع العربي الواهن، والتمادي الإسرائيلي في العدوان على الشعب الفلسطيني، والدور المريب الذي تمارسه ما يسمى قوى المجتمع الدولي الحليفة لكيان الاحتلال الإسرائيلي الذي لم يتورع عن أي شيء في سبيل إلحاق الأذى والظلم والعدوان ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وفي سبيل مساعيه نحو تصفية القضية الفلسطينية برمتها والتخلص من أعباء ضخمة ظل يراكمها منذ اغتصاب الصهاينة أرض فلسطين وإلى اليوم، متسلحًا في المضي في عدوانه بالدعم غير المحدود الذي توفره له القوى ذات السياسة الممانعة لإنصاف الشعوب العربية تحديدًا واحترام قضاياها العادلة، قوى حليفة للاحتلال أدمنت سياستها المتاجرة بحقوق الإنسان وبالديمقراطية والحريات وحماية المدنيين، ولكن على الرغم من انكشاف كل ذلك لدرجة الافتضاح، يظل السؤال الذي يطارد الشعب الفلسطيني وكل مواطن عربي غيور باحثا عن إجابة مقنعة وواقعية ومنطقية، لماذا معظم العرب لا يزالون مغرمين بشعارات الأعداء والبقاء في مراكب فوضاهم وخداعهم ومخططاتهم.
ومن هذا الموقع نتوجه بالتحية لرفاقنا الاسرى وفي مقدمتهم القادة وائل سمارة ومعتز الهيموني ووائل ابو شخيدم وشادي ابو شخيدم وبقية رفاقهم والبحث عن آلية والعمل وفق خطة ممنهجة للتضامن معهم ومع كافة اسرى واسيرات الحرية هؤلاء الابطال الذين أمنو بأن النضال داخل قلاع الأسر ليس بأقل من خارجه وهم يخوضون معركة الحرية ، ويتطلعون الى تحريرهم وعدم ابقائهم رهينة في قبضة الإحتلال لعقود قادمة.
وامام كل ذلك ونحن نقف وقفة شموخ امام هؤلاء الأبطال الأسرى والاسيرات في سجون الإحتلال ،الذين هم بحاجة ماسة لوحدتنا وللعمل الجدي من أجل اعادة الإعتبار لقضيتهم على كافة المستويات وتجنيبهم آثار الإنقسام وتداعياته الخطيرة ، وتفعيل الأنشطة المساندة لهم ولقضاياهم العادلة وفق خطة استراتيجية متكاملة تعتمد على العمل التراكمي في الفعل ، وبالإستعانة بمؤسسات حقوق الإنسان وهي كثيرة ورائدة في فلسطين ، ففعلنا ضعيف لا يوازي حجم الجرائم التي ترتكب بحق أسرانا ، فلننفض غبار الكسل ولننطلق صوب الفعل المؤثر لدعم الأسرى البواسل الذين يتعرضون للقتل البطيئ من خلال منظومة من الإنتهاكات الجسيمة والقوانين التعسفية والجرائم متعددة الأشكال .
تحية وفاء وتقدير واعتزاز إلى الأسرى المعتقلين في سجون الاحتلال في فلسطين والجولان، تحية إلى كل أسير والى ذوي هؤلاء الأسرى فردا فردا، وهم لن يكونوا بالنسبة لنا مجرد أرقام بل هم مناضلون كل له مكانته واسمه وشخصيته ولكل معاناته.
آن الوفاء لهؤلاء الأسرى هو متابعة الدرب الذي ساروا عليه وحملوا القضية التي اعتقلوا من اجلها، إن هؤلاء ليسوا مظلومين نطالب بحريتهم أنهم مناضلون عرفوا مسبقا الثمن الذي يمكن آن يدفع في سبيل الأهداف التي امنوا بها وهي تحرير الارض والانسان،وليس تقديم التنازلات،فلسطين كلها أسيرة ولا مخرج إلا بمواصلة النضال.
ختاما : لا بد من القول أن أسرى الحرية يصنعون الملحمة الحقيقة بصمودهم وإرادتهم وان الاستجابة لصرخات الأسرى المدوية والمنبعثة من خلف قضبان سجون الاحتلال والتضامن مع الحركة الأسيرة والأسرى المرضى، وخاصة الأسرى القدامى وذوي الأحكام العالية والمرضى،هو واجب كل فلسطيني وعربي وما يتطلبه من عمل وطني فاعل وهام لفضح جرائم الاحتلال وكشفها والتصدي لها بشكل يومي، فالمعركة هي معركة الأسرى الآبطال.
كاتب سياسي