الجزائر تحكي حال الملوك والرؤساء في بلاد العرب، الجزائر أمة عربية عجزت عن الحركة طالما ارتضت فوقها رئيساً غير قادر على الحركة، أمة عربية شاخت بقيادتها حتى باتت تتنقل على كرسي متحرك، أمة ليس لها إلا أن تختار بين ملك من المهد إلى اللحد، أو رئيس لا يلتزم بقسم، ولا يفي بعهد، الجزائر عنوان امة العرب التي تجثو على ركبيتها، بعد أن فقدت الأهلية في مجاراة الأمم، وعجزت عن الارتقاء بالأنفس إلى رفيع الهمم.
إن حال مصر العروبة لا يختلف كثيراً عن حال الجزائر، فالقاسم المشترك بينهما هو الانتخابات التي يشرف عليها العسكر، ويحدد نتائجها مسبقاً رجال العسكر، وهذا ما ينطبق على سوريا، التي ستجري فيها انتخابات ديمقراطية سيفوز فيها بشار الأسد، بعد أن أقسم بالقذائف أنه المرشح الرئاسي الوحيد الذي تقطر يداه عدلاً وحكمة ورحمة بالشعب السوري.
الجزائر عنوان العرب، فقد تفاخرت قبل واحد وخمسين عاماً بوزير خارجيتها عبد العزيز بوتفليقة الذي اعتبر أصغر وزير خارجية على مستوى العالم سنة 1963، وتتفاخر الجزائر بعد أربعين عاماً برئيسها الذي صدر بحقه حكماً قضائياً بتهمة الاختلاس، سنة 81، ليظل مطروداً من الجزائر حتى صدر عنه العفو من الرئيس الشاذلي بن جديد سنة 87.
إن بلاد العرب التي يدلي فيها الرئيس بصوته وهو على كرسي متحرك هي بلاد تتنفس صناعياً، وتنازع الروح في غرفة الإنعاش، إنها بلاد عربية لا يقطنها إلا شعب عاجز، بعد أن جف فيها رحم النساء، وما عاد يقدر على انجاب الرجال، ومثلها في ذلك مثل مصر العروبة التي تنام مرغمة في أحضان المرشح الرئاسي الفائز مسبقاً عبد الفتاح السيسيي، المرشح الذي يتوسل إليه الناخبون أن يصير رئيساً، ويطوفون حول مقره مبايعين، ويحجون إليه طائعين، مؤكدين نتائج الانتخابات قد قبل أن تبدأ.
إنها ديمقراطية العرب التي ترقص للرئيس قبل أن ينتخب على أنغام: بالروح والدم نفديك يا زعيم، إنها ديمقراطية العرب التي لا يمتلك مفاتيحها إلا العسكر، الذي يرعى الفساد، وينشر التخلف، ويؤسس الزنازين، ويذبح الحريات، ويسخر من قدرات الإنسان.
إن أحوال العرب لتؤكد أن انتخابات الجزائر ليست شأن جزائرياً كما يدعي البعض، والانتخابات في مصر ليست شأن مصرياً، والمذابح التي تجري في سوريا ليست شأن سورياً، وما يجري على أرض العراق من إقصاء لا يخص العراقيين وحدهم، وما يدور على أرض اليمن من تناحر يتجاوز حدود اليمن الجغرافية، وما تخبؤه الأقدار للسعودية لا يخص سكان الجزيرة العربية، فنحن أمة واحدة مزقت شملها اتفاقية "سايكس بيكو"؛ الاتفاقية الخبيثة التي ما زال الحكام العرب يستمدون منها شرعيتهم وقوتهم وبقاءهم.
إن مهزلة الديمقراطية في بلاد العرب لتؤكد أن هذه الأمة بحاجة إلى قيادة شابة، قيادة تتوافق على تنظيم انتخابات ديمقراطية موحدة في كل بلاد العرب، ينتخب من خلالها برلمان عربي موحد، تتمثل فيه كل البلاد العربية، برلمان عربي موحد يفرز من داخلة قيادة عربية موحدة، لها برنامج عمل عربي واحد، ولها رئيس وزراء عربي واحد.
إنه الأمل المعقود على الشباب الغاضب في بلاد العرب، الشباب الذي نتطلع من خلاله إلى بناء أمة تتدفق في عروقها الكبرياء، ويتفتح على روابيها النقاء.