الطبقة العاملة الفلسطينية كانت ولا زالت هي وقود الثورة وزادها الحقيقي ، وعماد المجتمع الفلسطيني ، وبناة الدولة الفلسطينية ، وهي الأكثر تميزاً بنضالاتها وعطائها وتضحياتها . وشكَّلت على مدار العقود الماضية طليعة متقدمة في خضم النضال الوطني الفلسطيني ضد الاحتلال وأدواته وافرازاته المختلفة من أجل الحرية والاستقلال .
ولقد رفدت الثورة بصورة عامة والانتفاضتان بصورة خاصة برموز بارزين وقادة مميزين، وجنود رائعين ، وقدمت من بين صفوفها مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى ، فيما لا يزال الآلاف ممن ينتمون للطبقة العاملة يقبعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي .
ووفقا للإحصائيات الرسمية فان غالبية المواطنين الذين مروا بتجربة الاعتقال كانوا ينتمون لطبقة العمال والكادحين، وأن أكثرية من لا يزالوا يقبعون في السجون الإسرائيلية هم أيضا من العمال والكادحين .
فالاعتقالات لم تقتصر على من انخرط من العمال والكادحين في النضال مباشرة ، بل امتد وطال الآلاف منهم وهم في طريقهم لكسب رزق عائلاتهم وقوت أطفالهم ، ولا تزال قوات الاحتلال تعتقل العشرات منهم شهرياً بحجة العمل دون تصريح ، وتصدر بحقهم أحكاما مختلفة لبضعة شهور أو تفرض عليهم غرامات مالية باهظة ، أو الاثنين معاً ، وفي أحيانٍ كثيرة يتم ابتزازهم و مساومتهم بالعمل لصالح سلطات الاحتلال مقابل تصريح للعمل ..!
ان الطبقة العاملة الفلسطينية لاسيما في قطاع غزة هي الأكثر تضرراً وبؤساً وأوضاعها الإنسانية هي الأكثر تدهوراً ، جراء الحصار الخانق منذ سنوات ومنع استيراد المواد الخام و مواد الصيانة ، وانعدام المشاريع التشغيلية وفرص العمل ، وتدمير مئات المصانع ، واستشراء البطالة ، وتفكك النسيج الاجتماعي جراء "الانقسام"، وأن نسبة كبيرة منهم يعيشون تحت خط الفقر في أوضاع مزرية يرثى لها، في ظل مستقبل مجهول . وأن من بين " جيش البطالة " هناك آلاف من الأسرى السابقين وممن أمضوا فترات مختلفة في الأسر بعضهم فقد القدرة على مزاولة أي عمل بسبب السجن وآثاره المدمرة وما ألحق بهم من أضرار جسدية .
وتحل علينا هذه المناسبة هذا العام وأوضاع الطبقة العاملة الفلسطينية تزداد بؤساً ومعاناة ، في ظل استمرار قوات الاحتلال ومستوطنيه بالتضييق والاعتداء على العمال والعاملات وهم في طريقهم لكسب رزق عائلاتهم وقوت أطفالهم، فيسقطون ما بين شهداء و جرحى على حواجز جيش الاحتلال الإسرائيلي المنتشرة على طول الوطن وعرضه ، أو يقتادوا الى السجون .
والعامل الفلسطيني يعيش في كابوس من الظلم والقهر يتطلب تدخل عاجل من المجتمع الدولي ومؤسساته المختلفة لتحمل مسؤولياتهم الإنسانية والإغاثية وتفعيل دورهم تجاه العمال بما يتناسب وحجم الكارثة التي يعيشها العمال الفلسطينيون عموماً وفي قطاع غزة خصوصاً.
فمن حق الطبقة العاملة الفلسطينية أن تحتفي بهذه المناسبة كباقي عمال العالم ، وأن تحيا حياة آمنة بعيدة عن الظلم والاضطهاد والاستبداد ، في وطن حر بلا سجون وقضبان ، بلا حواجز وجدار الفصل العنصري ، بلا استيطان وحصار ، وبلا " انقسام " أيضاً . حياة تسودها الحرية الحقيقة والعدالة الاجتماعية ويُكفل فيها العمل بحرية وكرامة دون حرمان أو ابتزاز .
ونذكر هنا بأن الأول من آيار من كل عام ، هو اليوم العالمي الذي تحتفي به الطبقة العاملة في كافة أنحاء العالم وتحييه بطريقتها الخاصة ، تحتفي بانتصاراتها وانجازاتها ، بتدشين مؤسساتها و مصانعها ، وتعتز بمساهماتها في تحرر أوطانها وازدهار مجتمعاتها ، وتفخر بما حققته لضمان مستقبل زاهر لأطفالها .
ولقد أثبتت تجارب الشعوب أن لا انتصار لثورة ، و لا حرية وازدهار لوطن ، ولا تقدم للشعوب دون نضال وعرق طبقة العمال والكادحين .
وفي الختام لا يسعني إلا أن أهنئ عاملات وعمال فلسطين في يومهم " يوم العمال العالمي " والذي يصادف الأول من مايو/آيار من كل عام .
والاحتلال زائل لا محالة ، والنصر آتٍ آتٍ آتٍ لا محالة .
عبد الناصر فروانة
أسير سابق ، وباحث مختص في شؤون الأسرى
مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في دولة فلسطين