بدا الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن)أكثر تفاؤلا في كلمته الثانية "غير المذاعة" التي ألقاها مساء الأحد الماضي في ختام أعمال المجلس المركزي في رام الله، تجاه تحقيق المصالحة وقدرته على تشكيل حكومة توافق قبل انتهاء المدة المحددة، وكذلك تجاه قدرته على "تفكيك" عقوبات إسرائيل التي اتخذت ضد السلطة قبل أيام، بعد أن أبلغ المجتمعين أن تل أبيب حولت على خلاف قرارها أموال عوائد الضرائب الفلسطينية، لكنه لام كثيرا الفصائل الفلسطينية على عدم مشاركتها في "المقاومة الشعبية"، رغم تشدقها بـ "المقاومة" والإكتفاء فعلا بـ"البيانات".
ومن مصادر خاصة حضرت الجلسة الختامية علمت صحيفة "القدس العربي" اللندنية أن "أجواء التفاؤل" كانت سائدة أكثر في خطاب عباس، عن ذلك الخطاب الأول المطول الذي سمح بإذاعته، فالرجل كما يقول أحد الحاضرين بدا واثقا من قدرته على التملص من الضغط الإسرائيلي المتمثل في التضييق الإقتصادي. فأبلغ عباس الحضور في رسالة أظهر خلالها مدى قوته أن إسرائيل ستبدأ في تفكيك عقوباتها التي اتخذتها ضد السلطة واحد تلو الآخر، بعد أن كشف لهم أن حكومة إسرائيل حولت لصالح الخزينة الفلسطينية أموال الضرائب التي تجبيها من البضائع الفلسطينية التي تمر من موانئها.
وكان ذلك بعد أن اتخذت حكومة إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو قرارا عقب اتفاق المصالحة الأخير بين فتح وحماس، بوقف تحويل عوائد الضرائب وتقدر بـ 100 مليون دولار، إضافة إلى وقف التعامل مع البنوك الفلسطينية، وهو ما من شأنه أن يخلق أزمة مالية كبيرة في المناطق الفلسطينية.
لكن الرئيس الفلسطيني أيضا كشف عن عدم تطبيق إسرائيل للعقاب الثاني المتمثل بوقف التعامل مع البنوك الفلسطينية.
وكان الرئيس الفلسطيني قد ألمح لإمكانية انهيار السلطة الفلسطينية ومؤسساتها، بسبب العقوبات الإسرائيلية وتعقيدات العملية السلمية، وأن الأمر قد يؤدي إلى تسليم مسؤولية المناطق الفلسطينية للإحتلال.
الرئيس الذي داوم مؤخرا على تبني خيار "المقاومة الشعبية" غمز من تلك القناة من خلال، توجيه اللوم لخصومه وللمعارضة في أروقة منظمة التحرير وخارجها، التي غالبا ما تتهمه بالخضوع لمطالب إسرائيل، فلام كثيرا على من يتحدثون عن المقاومة في "البيانات الصحافية"، دون أن تجد تطبيقا منهم على أرض الواقع.
فعباس حسب المعلومات المتوفرة لـ "القدس العربي" الذي تحدث وهو يؤنب الخصوم السياسيين، أثنى كثيرا على عشرات الشبان الذين يخرجون أسبوعيا في مناطق الإحتجاج على الجدار الفاصل في الضفة الغربية، وعلى المنطقة العازلة في قطاع غزة، عبر مسيرات تحمل طابع "المقاومة الشعبية"، حاثا قادة الفصائل الحاضرة للإجماع على المشاركة.
الأهم في خطابه انه لم يكتف بالغمز، فوسع من رقعة الإنتقاد، بالقول "بكفي حكي وبيانات".
من الحضور من فهم أن الرسالة الموجهة في النقد كانت للجبهة الشعبية التي انسحب ممثلوها من المجلس المركزي، بقيادة النائبة خالدة جرار، لعدم تضمن البيان الختامي بندا ينص على الإنسحاب من المفاوضات مع إسرائيل بشكل واضح.
كذلك خرج الغالبية من الحضور بتقدير موقف بعدما تحدث الرجل بشيء مما يدور في الكواليس، بأن المفاوضات التي ينتهي أجلها اليوم ربما لا تشهد تمديدا في الأيام المقبلة، لسواد المشهد السياسي العام في إسرائيل.
فلم يعط الرئيس الفلسطيني أملا كبيرا في تجديدها، وفق المشهد السياسي العام، وأعاد تأكيد شروط الجانب الفلسطيني السابقة للتمديد، المتمثلة في إطلاق سراح الأسرى، وكذلك وقف الإستيطان، وترسيم حدود الدولة الفلسطينية على حدود العام 67، ورفض الإعتراف بإسرائيل كـ"دولة يهودية".
وفي إشارة على صعوبة الوضع لم يتطرق عباس كثيرا في التعقيب على تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، التي قال فيها إنه ربما يلجأ إلى فرض رزمة حل على الطرفين.
الحضور في المجلس المركزي، كانوا يشيرون إلى "أريحية" الجلسات، أكثر من السابقة التي عقدت في العام 2012، باعتبار أن اتفاق المصالحة الأخير كان حاضرا بقوة في الإجتماع، ومنه أكد عباس أنه سيشكل الحكومة في أقل من المدة المحددة لها، حسب ما قال في الجلسة الخاصة، وأنه سيبدأ في ذلك فور انتهائه من جولة خارجية سيبدؤها خلال الأيام القليلة القادمة.
وكان المجلس المركزي وفق بيان أصدره عقب انتهاء جلسته التي استمرت يومي السبت والأحد الماضيين، قرر تشكيل لجنة من أعضائه بشأن تكريس المركز القانوني لدولة فلسطين، تقدم توصياتها إلى اللجنة التنفيذية والمجلس خلال مدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر من أجل مواصلة الخطوات الضرورية التي تضمن تكريس هذا المركز داخليا وخارجيا.
وشدد المجس في بيانه الختامي لدورته ال 26 (دورة الأسرى وإنهاء الإنقسام)، التي انعقدت على مدار يومين في مقر الرئاسة في رام الله، على أهمية إعادة بناء العملية السياسية من خلال مجلس الأمن أو عقد مؤتمر دولي للسلام بما يقود إلى تنفيذ قرارات الأمم المتحدة بوقف استمرار تلاعب إسرائيل بالمجتمع الدولي وبكل مساعي السلام. وأكد رفضه المطلق لمطلب حكومة إسرائيل الإعتراف بها كـ "دولة يهودية"، كما أكد رفضه القبول باستمرار واقع فلسطين كدولة تحت الإحتلال.
ودعا الدول السامية المتعاقدة على اتفاقيات جنيف الأربعة لاتخاذ الإجراءات الضرورية لإلزام إسرائيل بتحمل مسؤولياتها كافة وفقا لهذه الإتفاقيات والبروتوكولات الإضافية.
وشدد المجلس في بيانه الختامي على أن أي استئناف للمفاوضات والعملية السياسية يتطلب التزام إسرائيل الواضح بمرجعية حدود عام 1967 وقرارات الأمم المتحدة وبالوقف الشامل للإستيطان بما في ذلك القدس الشرقية، وبتنفيذ الإلتزامات والإتفاقات السابقة.
كما رفض أي اتفاق إطار يشكل بديلا عن المرجعيات المعتمدة دوليا، مؤكدا تمسكه بإنهاء الإحتلال بصورة شاملة عن أراضي الدولة الفلسطينية، وعدم شرعية الإستيطان بكل مسمياته ورفض تبادل الأراضي. وقرر المجلس التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن من أجل رفض وإدانة الإستيطان وكافة إجراءات تهويد القدس والإعتداءات على الكنائس والمساجد وخاصة المسجد الأقصى، مؤكدا إصراره على إطلاق سراح دفعة الأسرى القدامى والبالغ عددهم 30 أسيرا واستمرار العمل على إطلاق سراح بقية الأسرى. وندد بالحملة التي تشنها حكومة إسرائيل ضد اتفاق المصالحة الفلسطينية، والتي أكد أنها "تعكس مدى تعويل إسرائيل على الإنقسام في ضرب مشروع التحرر الوطني وإجهاض قيام الدولة الفلسطينية".
وأكد المجلس المركزي على ضرورة الإسراع في تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها، من خلال إعادة تشكيل المجلس الوطني، واعتماد الإنتخابات لعضويته حيثما أمكن، مع المحافظة على طابعة التمثيلي والجبهوي بوصفه عنوان وحدة وتمثيل لشعبنا، وإعادة تشكيل المجلس المركزي وانتخاب لجنة تنفيذية جديدة مع المحافظة على انتظام ودورية اجتماعات مؤسساته.
