جاء خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، كداعم لاتفاقية الشاطئ التي أعادت سريان الماء الوطني العذب إلى الجسد الفلسطيني، بإعلان البدء الفعلي في تطبيق كافة الاتفاقيات السابقة بين حركتي فتح وحماس، ولقد كانت ردود أفعال الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتهم حركة حماس حول الخطاب إيجابية ، وقد أبدت المجموعة الدولية ترحيبها باتفاق المصالحة الفلسطيني، وعدَّته خطوة مهمة لتحقيق السلام في المنطقة، وأشاد الاتحاد الأوروبي بموقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس والذي أعلنه في خطابه أما المجلس المركزي الفلسطيني، ولقد ظهر الإرباك الأمريكي في ردود فعله حول خطاب الرئيس أبو مازن، فقد تم الترحيب به، والإعلان أن ما يمر بالمنطقة الآن هو مرحلة انتقالية وانتظار وأن المفاوضات ستدخل في فترة استراحة "تجميد".
أما الكيان المحتل "إسرائيل" فقد هاجمت الرئيس الفلسطيني، قائلة "لقد وجه رصاصة الرحمة إلى عملية السلام"، وربطت بين قولها أن حماس لا تعترف بإسرائيل وتعمل على تدميرها، وبين تأكيد الرئيس أبو مازن أن حماس جزء من النسيج الفلسطيني وانه لا دولة بدون غزة وان المصالحة مستمرة ولا تراجع للخلف.
الموقف الإسرائيلي والانحياز الأمريكي ليس بجديد، (فإسرائيل) التي تحتل الأرض وتشرد السكان الأصليين، وصانعة العدوان والحروب والتدمير في المنطقة، ومصدر المشاكل، والانتكاسات في التوصل إلى أي عملية سلام، تطلب من الرئيس أبو مازن أن يختار بين الاحتلال وبين حماس، بين الاستمرار في مفاوضات بشروط إسرائيلية ودون أن تقدم أي شيء، وبين المصالحة الفلسطينية الفلسطينية و التي يجمع الكثيرون أن نتائجها ستكون إيجابية ليس على المستوى الفلسطيني فحسب، بل على صعيد المنطقة كلها.
لقد اختار الرئيس أبو مازن أن يوحد الكل الفلسطيني وان يقود مصالحة وطنية شاملة وان يتم تشكيل حكومة واحدة وصولا الى انتخابات فلسطينية وإعادة الحياة البرلمانية والمدنية والمؤسساتية الى المجتمع الفلسطيني، لأن هذا هو الأساس الحقيقي لترجمة ما قاله : "لا دولة بدون غزة، ولا دولة بدون القدس عاصمة لها" .
ولقد اختار أيضا الهجوم الدبلوماسي والواقعي على دولة الاحتلال حين قال أنه على (إسرائيل) أن تتخذ قراراً واضحا وحاسما في مستقبل احتلالها للأرض الفلسطينية، وهل هي مازالت تصنف نفسها كحكومة احتلال..؟! وكان واضحا أن هذا السؤال يرتبط بالمرجعيات والاتفاقيات الدولية والقانون الدولي .
إن (إسرائيل) غير مستعدة لأي تسوية نهائية وتتمسك باستمرار الاستيطان وتمدده وتوافق على العطاءات الاستيطانية الكبيرة التي يراد بها تغيير الواقع الديمغرافي للأرض الفلسطينية، وفي نفس الوقت تطالب باستمرار المفاوضات وبشروط إعتراف الفلسطينيين (بالدولة اليهودية) والتخلي عن حق العودة واللاجئين، ولا تعرف بأن فلسطين أصبحت دولة تحت الاحتلال، وعضوا مراقباً في الأمم المتحدة، ومن حق القيادة الفلسطينية والرئيس الفلسطيني التوقيع على أي اتفاقيات للدخول في أي منظمات أو معاهدات تخص القانون الدولي والذي ينظم العلاقة بين فلسطين الدولة التي تخضع أراضيها للاحتلال، وبين محاكمة الاحتلال على جرائمه واستمرار احتلاله وبل وجوب قيامه بالاعتراف عن كل ما يصيب أي فلسطيني في أي بقعة في العالم وان يتحمل مسؤولياته المختلفة جرَاء النكبات والتغريب الفلسطيني .
لهذا كله فإن المصالحة الفلسطينية تعتبر عامل نجاح وإضافة مميزة وضرورية للإستراتيجية الفلسطينية وداعم قوي للمطالب والحقوق الفلسطينية، وهي ليست بديلاً عن أي جهود فلسطينية، بل هي رسالة واضحة المعالم لكل الدول التي تعتبر "الانقسام" معيق لمسيرة فلسطين نحو الدولة الفلسطينية وتطبيق القرار الدولي 194 .