يجتهد رمضان في عمله ويبذل جهدا مضنيا في الانتاج وهو يضرب الصخور والحجارة، لإعادة صناعتها من جديد في اجواء قاسية، حيث يعمل 8 ساعات يوميا من انتصاف ساعات الفجر الى اقصى غروب الشمس، في ايام اقرب ما تكون الى صيف حارق يحرق ارض قوية، فما بالك برمضان الذين فطم على البحث عن لقمة عيش هي ايسر ما تكون لكثير غيره، واخر الامر يجني ما يعادل ( 7 دولارات) امريكية يوميا.
رمضان ليس شابا مفتول العضلات قوي البنية، ولا برجل له باع طويل في هذا العمل القاسي، انما هو طفل صغير لا يبلغ الـ(10 اعوام) بعد، ومشهد عمله لا يعبر الا عن قسوة الظروف المعيشية في قطاع غزة الذي يشهد اوقات عصيبة بسبب الحصار والتضيق الاقتصادي والمالي.
بلد تعبانة..
رمضان يتصبب عرقا في العمل ومن يشاهده يخرج متأثرا بصورة عاجلة لصعوبة انجاز عمله ذا الطبيعة القاسية، والذي يتطلب جهد الكبار، وهو ما زال صغير على جلب الصخور والحجارة الكبيرة ثم تكسيرها، لإعادة انتاجها لتصبح حجارة جديدة في ظل منع اسرائيل دخول مواد البناء الى قطاع غزة.
يقول رمضان مبتسما وهو في ربيعه التاسع " انا مبسوط، صح الشغل صعب بس بشتغل على قدر قوتي، الشباب هان بساعدوني".
يتحدث رمضان لمراسل "وكالة قدس نت للأنباء" الذي زار مكان عمله شرق مخيم جباليا شمال قطاع غزة، وهو متشحم الوجه متسخ الثياب ويقول " انا بجيب 20 شيقل(اسرائيلي) في اليوم، بيجوا تعين وزارة العمل بشرد منهم، عشان انا بدي اشتغل واجيب مصاري للدار، ما حدا بقدر يجيب غيري احنا في بلد تعبانة لازم اشتغل".
يهرب منهم..
وتحدث ابو احمد رب عمله لمراسلنا وبدا مرتبكا خشية من تعرضه للمسؤولية فقال " احنا هان ما بنضغط عليه ابدا، يقوم بعمل مناسب لسنه من خلال جمع الحجارة الصغيرة، ووضعها في الكسارة حتى تخرج لنا، حجارة جديدة تستخدم في البناء لان المعابر لا تدخل اسمنت والجميع يريد ان يبني".
ابو احمد والذي برر عمل رمضان بان احد اصدقائه اصر عليه تشغيله لان عائلته ليس لها معيل، قال "عند زيارة احدى الوزارات رمضان يقوم بالهرب منهم لانه ليس في السن القانوني للعمل".
يتجرع الطفل رمضان مرارة كبيرة لانه فاقد الاب وامه تعاني امراض مزمنة ولا يوجد من يعيلها، كما الفتاة ريما (13 عاما) التي تبيع "النعنع" في سوق مخيم جباليا المركزي .
وتقول ريما التي يعاني والدها من مرض مزمن لمراسل "وكالة قدس نت للأنباء"،" ابوي لا يستطيع تحريك اصابع يده بسبب الغضروف في الظهر والرقبة(..) وآتي صباحا الى السوق قادمة من بيت لاهيا لابيع الخضروات متجولة واحيانا اجلس في مكان لا يوجد فيه احد حتى لا يطردنا اصحاب المحلات او شرطة البلدية" من كلامها.
انظر حولك..
ريما التي بدا وجهها مصفرا من شدة التعب والوقوف في وجه الشمس 4 ساعات متواصلة، اكملت حديثها بالقول " اخي يأتي ليريحني في الفترة المسائية بعد ان يعود من المدرسة، وانا اذهب الى المدرسة لاننا ندرس في فترة زمنية مختلفة مما يساعد على بيع اكبر قمية (..) نبيع فجل وجرجير وبقدونس ونعنع، نحصل على 40 الى 25 شيكل يوميا"، أي ما يعادل( 10 الى 15 دولار) امريكي.
وتضيف ريما التي رفضت التكلم مع مراسلنا الا بعد شراء ضمة من النعنع "امي تقوم بقطف الارض وحصادها مع اقربائها ونحن نبيع في السوق، الحياة صعبة يجب ان نعمل(..) انظر حولك الكل يتعامل بالمصاري، الوضع مش كويس كثير بسبب الحصار وفش قبضات".
يبدو ان ريما تجد اشياء قاسية في حياتها وهي اكبر اشقاءها سمير واماني ومحمد ورامز وبلال بفعل والدها طريح الفراش بعد ان عمل 13 عاما في اسرائيل، ولم يقوى على مواصلة العمل الفاتر في غزة لإصابته بمرض افقده القدرة على الحركة.
جيب مصاري..
ربيع (11 عاما) طفل يبيع الحلوى على مفترق الجامعات وسط مدينة غزة، ايضا رفض الحديث مع مراسل "وكالة قدس نت للأنباء" قبل ان يشتري منه بعض العلكة قال" انت بدك تربح مصاري من وراي لازم تعطيني عشان احكي معك".
يأتي هذا الطفل كل صباح من مخيم جباليا ليبيع بعض الحلوى للطلاب والطالبات في جامعتي الاقصى والازهر بالاضافة للجامعة الاسلامية وهي منطقة حيوية في مدينة غزة يقصدها فئة البائعون المتجولون.
ويقول ربيع لمراسل "وكالة قدس نت للأنباء"، الذي رفض التقاط صورة له قبل ان يتمكن من تصويب عدسة الكاميرا اليه خلسة " لقد خرجت من المدرسة لانني فاشل، انا هنا لان ابي قال لي روح جيب مصاري، ابي لا يعمل كان يروح على اسرائيل وبطل وهو دائما قاعد في الدار، فقررت ان اذهب للبيع لان والدي كبر في السن."
وعن اشقاءه يقول ربيع وهو مطمئن في الحديث " اخي الكبير يشرب مواد مخدرة ( ترامادول) وابي لا يتحدث معه كثيرا، انا بجيب 20شقيل في اليوم (..)عارف في بنات وشباب كويسين لحالهم بجيوا بيعطوني شيقل وما بشتروا".
لا يحب العمل..
واما الطفل رامي والذي يلف لجمع البلاستيك من حاويات القمامة في حواري وشوارع وازقة غزة الضيقة، الذي لا يحب هذا العمل، ولكنه اندفع اليه مجبرا بعد ان اصاب والده مرض سرطان الجلد، ولم يعد يستطيع العمل .
رامي فاجأ مراسل "وكالة قدس نت للأنباء" بقوله" انت جاي تعمل معي مقابلة عشان يوم العمل، ابوي حكالي امبارح، العمال وضعهم كرب، الهم الله".
ما سبق من مشاهد هي قصص من وحي واقع الحياة الصعبة التي يعيشها سكان قطاع غزة رصدها مراسل "وكالة قدس نت للأنباء" فيما يحتفل العالم بيوم العمال العالمي (الأول من أيار/ مايو) من كل عام، علما بان القطاع دخل مرحلة قاسية من سوء الوضع الاقتصادي بسبب الحصار الذي تفرضه اسرائيل على سكانه منذ سبع سنوات.
ويقول مسئول في الجمعية الاسلامية التابعة لحركة حماس الحاكمة في غزة بعد رفض الكشف عن مسماه " نحن نكفل الالاف من الايتام الى جانب جمعيات اخرى ، ولكن بنك فلسطين المحدود يرفض استقبال اموال للجمعية".
منظمات ارهابية..
بنك فلسطين رفض التعليق لمراسلنا بالقول " البنك لا يعلق على مثل هذه الاحداث"، بيد ان خبير اقتصادي همس في اذن مراسل "وكالة قدس نت للأنباء"، ان البنك يرفض استقبال الاموال حتى لا يقع في بند دعم المنظمات الارهابية"، وهذا الوصف الذي ينطبق على حركتي حماس والجهاد الاسلامي وغيرها من الفصائل الفلسطينية المصنفة على انها منظمات ارهابية وفق الخارجية الامريكية.
وتشهد الاراضي الفلسطينية التي تعاني من ارتفاع في نسب البطالة تفشي لظاهرة "عمالة الاطفال" بفعل التردي المستمر في الظروف السياسية التي تزيد الوضع الاقتصادي سوءا، فحسب مؤشرات وزارة العمل الفلسطينية في مطلع عام 2014، هناك نحو 100 الف طفل تحت سن 18 عاما يعملون في مواقع العمل المختلفة ووفقا للجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني، يشكل الأطفال في الفئة العمرية 10-17 سنة ما نسبته 19.7% من مجموع السكان.
وحسب ما صرح به الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين، شاهر سعد، وصل عدد العاطلين والعاطلات عن العمل إلى قرابة النصف مليون شخص، ويقول الخبير الاقتصادي ماهر الطباع " ان معدلات البطالة ارتفعت في فلسطين إلى 25.2% حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل حوالي 301 ألف شخص خلال الربع الاخير لعام 2013، منهم حوالي 141 ألف في الضفة الغربية وحوالي 159 ألف في قطاع غزة."
ولايزال التفاوت كبير في معدل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث بلغ المعدل 38.5% في قطاع غزة مقابل 18.2% في الضفة الغربية، وسجلت الفئة العمرية 20- 24سنة أعلى معدلات للبطالة حيث بلغت 43.9% في الربع الرابع لعام 2013، وبالرغم من الانفتاح الموجود بالضفة الغربية، إلا أن انخفاض معدل البطالة عن قطاع غزة ناتج عن استيعاب العمال من الضفة الغربية في سوق العمل الإسرائيلي, حيث يبلغ عددهم 105 ألف عامل".
هذا ويعتبر قطاع غزة من اكثر الاماكن في العالم اكتظاظا بالسكان خاصة في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين حسب تقرير للأمم المتحدة.
تقرير وتصوير/ يوسف حماد
