الأول من أيار ليس يوما عاديا يمر مرور الكرام على البشرية ، بل هو يوم مميز حقا ، تميز هذا اليوم بأنه يوم العامل وبمعنى أخر نستطيع القول أنه عيد العمال ، في هذا اليوم التاريخي لا يجد العمال أنفسهم سوى بأجازة من العمل ولا تشمل تلك الأجازة الجميع إنما تشمل البعض ، في العام الماضي كتبت مقالة بعنوان العمال لا يحتاجون عيد ومهرجان إنما يحتاجون بعض الأمل ، نعم لكن الأمل ذهب ولم يعد منذ سنين طوال فجاء البؤس والفقر يحطم كل أمل وصبر يسكن قلوب البشرية ، حول العالم وفي فلسطين جاء الألم الحقيقي يمتطي الطفولة بعد أن استوطن الشقاء والبؤس العالم أجمع .
حديثي اليوم عن عمالة الأطفال في شوارع فلسطين حديثي عن عرق الأطفال حينما يختلط بدموعهم حديثي عن عمال لم يصلوا للسن القانوني للعمل ، حديثي عن فقراء ولدوا للدنيا على عجل ويتركونها بعذاب وبطئ شديد ، في فلسطين حمل الصغار منشار ومحددة وفأس حملوا منشفة للعرق قبل أن يحملوا حقيبة للمدرسة ، في فلسطين أحبتي نرى الأطفال يعملون في العتالة و النقل والبيع والشراء ، نرى الأطفال في أعمال البناء نراهم يرجعون لبيوتهم بالقليل القليل مما يستحقون والكثير من الألم .
دعوني أبدء الحكاية حين يذهب كل شيء من البيت العامر حين يأتي الفقر ضيفا أبديا للبيوت حين تفقد الأسر الفلسطينية ولي الأمر بسبب الموت أو السجن أو السفر أو الطلاق والكثير من مسببات الفقر كمرض رب الأسرة وغيره من الأسباب التي تجعل البيوت فريسة سهلة للفقر نجد الأطفال دون سن قانون العمل يحملون عبء البيت ويجهزون أنفسهم للمعاناة الحقيقية فيذهب الأطفال إلى أي شيء إلى كل شيء مسيرين أو مخيرين مغصوبون على الأمر أو كارهون له في النهاية عليهم أن يأتوا بالأموال إما لأب ظالم أو لأسرة ظلمتها الحكومة بنسيانها ، فيعمل الأطفال هنا في كل شيء وأي شيء فنراهم في الطرقات يبحثون في حاويات القمامة عن البلاستيك أو الحديد أو أي شيء يصلحونه ليبيعونه مقابل أي مبلغ يعودون به للبيت ، فنرى منهم من يعمل صبي تحت إمرة ظالم ونرى بأعيننا الأطفال يهانون في محلات التصليح و المناحر والطرقات وكم منا هنا في غزة رأينا الأطفال يسوقون الدواب ناحية المحررات ليبحثوا بين الرمال عن الحصى وكم منا رأى الأطفال ينامون في الطرقات وقت الظهيرة و أول الليل خشية العودة لمنازلهم دون نقود وكم منا سمع أو رأى تقصير من وزارات الدولة ناحية هؤلاء .
إن أطفال فلسطين أحبتي ما بين رصاصة عدو وعصى قريب فعمالة الأطفال هنا لا تجد رادع حقيقي لها فنرى أحيانا الأطفال الصغار يركبون دوابهم ويجوبون الأسواق ويهللون ويصرخون و يمر عنهم ذاك الشرطي أو العسكري دون أن يبلغ عن تلك الحالة ونرى أيضا مسئولون الجباية من المحلات و المناجر وورش الحدادة والتصليح يتعاملون مع أولائك الأطفال في جلب المعلومات المراد تسجيلها في حالة غياب رب العمل وهم يبتسمون ولا يبلغون عن تلك الحالة ، كم من طفل ترك مدرسته ونزل للعمل في الطرقات و المزارع و الأراضي الزراعية بل أيضا نراهم يعملون في بيوت الوزراء و الحكام مع رب العمل ، نعم أحبتي حكومتي الوطن الواحد لا تكترث كثيرا لأولئك الأطفال وتلك الفئة البشرية في بلدي لأنني وبكل صدق أرى الأطفال يعملون في أماكن كثيرة يحرم القانون عليهم أي عمل لكن الحكومات في وطني لا تنظر كثيرا لتلك الفئة البريئة .
هناك أيضا مصيبة كبرى تقع على عاتق الطفولة العاملة هنا بفلسطين أن الزواج المبكر لأولئك الأطفال يأتي كثيرا لبيوت أطفئ الفقر نورها فنجد الأب يزوج أبنه وليس على لسانه سوى ليساعدني في العمل ليجلب الأموال للبيت أو هم و انزاح فليربي فسه بنفسه ، وحينما تسأل والد العروسة الطفلة أيضا ما السبب من وراء الزواج يقول لدي الكثير من المسؤوليات ولا ضرر من إزاحة البعض عن طريق البعض ، فالزواج المبكر مشكلة ليست بالبسيطة لكن زواج الأطفال جرم بدأ يستوطن الوطن الواحد ، نعم أحبتي عمالة الأطفال نجدها تكبر وتكبر حتى أن الأطفال نراهم اليوم كل صباح او مساء او عصر يجوبون الدوارات و الميادين يحملون الورق الناعم أو اللبان ليحاولوا بيع أي شيء ليعودوا لبيوتهم بشيء من الأمل و الصبر على الغد .
الرقابة الحكومية نراها تندثر من على تلك الظاهرة الخطيرة بمجتمعنا فكل وزارة تحمل الأعباء للأخرى وكل فرد في المجتمع لا يستطيع أن يحطم قيد الكلام فالصمت توغل في أزقته كما أن الوزارات لا تلقي بال للأمر ولا تبحث عن بديل لذاك الطفل العامل كما أن تلك الوزارات لا نجدها سوى في المناسبات حين يصفقون للوهم ويمجدون بالإنجازات الوهمية الفارغة من الحقيقة فلا نرى طفل لا يعمل ولا نرى طفل يُعامل بسوء من أرباب العمل ، كم من طفل يعاني ويلات الفقر والشقاء كل يوم أحبتي وكم من طفل يحتاجون الأمل يحتاجون التعليم والراحة يحتاجون العيش بكرامة يحتاجون الابتعاد عن الظلم فإن شب ذاك الطفل على أرصفة الطرقات و العتالة لن يشيب على خير فلحكومتي الوطن أقول نظروا بعين الرأفة على أولائك الأطفال وانزلوا للطرقات لتروا أطفال فلسطين من شقاء إلى شقاء .
[email protected]