بداية ما اود قوله بأن هذه المقالة،ليس الغرض منها ان نجلد ذاتنا أو نعمل على هدم مؤسساتنا بأيدنا،على مذبح خلافاتنا ومصالحنا الخاصة،فهذه المؤسسات وبالذات مجلس الإسكان الفلسطيني يجب المحافظة على بقاءه ووجوده في القدس،لكون الإسكان واحد من اهم المرتكزات التي تعزز صمود المقدسيين ووجودهم وبقائهم في قدسهم،والمجلس عندما تأسس في عام 1991 كشركه غير ربحيه في القدس،تحددت اهدافه ورسالته في مد يد العون والمساعدة للمقدسيين الحاصلين على رخص بناء،عبر تقديم قروض ميسرة لهم تسدد على فترات طويلة تمتد الى 15 عاماً،على ان تكون الألوية للفئات المستهدفة من الفئات الفقيرة والمهمشة والتى لا تمتلك بيوتاً للسكن،ولكن لكون القروض لا تعطى إلا لمن هو حاصل على رخصة بناء،فهذا يعني بان تلك الفئات على الأغلب لن تكون من ضمن الفئات المستفيدة،وهذا يتطلب بأن الأليات المعمول بها لتقديم القروض يجب ان تتغير،وخصوصاً اننا امام وقائع جديدة،فالإحتلال يضيق الخناق على المقدسيين في كل مناحي وشؤون حياتهم،وبالذات في قضية البناء والسكن،لأن ذلك يتعارض مع مشاريعه في التطهير العرقي،وهو لم يعقد ويصعب إجراءات الحصول على رخص البناء فقط،بل أصبح من يريد ان يحصل على رخصة بناء بحاجة الى ما لا يقل عن نصف مليون شيكل على الأقل،فهناك رسوم ما يسمى مشاريع تحسين ملامح المدينة ورسوم شوارع ومواقف سيارات،ويسبق ذلك عملية تنظيم للأرض،وما يترتب على ذلك من أجرة مساحين ومهندسين ومحامين،ومن يستوفي كل هذه الإجراءات والشروط ويحصل على الرخصة،فإنه لن يكون قادراً على توفير او تجنيد الأموال من اجل البناء،وخصوصاً بان الإحتلال وبلديته تمنح المواطن سنة واحدة للبناء من تاريخ الحصول على الرخصة،وتجدد لعام آخر،وليس كما كان معمولاً به في السابق ثلاث سنوات،وهذا يعني بالملموس من لم يقم بالبناء في المدة المحددة تلغي رخصته،ويصبح بحاجة لإجراءات جديدة.
وانا هنا لست بصدد الشرح والتفصيل عن ازمة المجلس نفسه،بل اود التركيز على أن الإعتصام والمؤتمر الصحفي الذي عقدته تجمع مؤسسات
سلوان وعدد من المقترضين المرفوع عليهم قضايا امام المحاكم الإسرائيلية،والذي جاء تحت شعار" لا لرفع القضايا على المقترضين امام المحاكم الإسرائيلية"،جاء بعد ان بذلوا وبذلت هيئة العمل الوطني والأهلي جهوداً كبيرة من اجل إيجاد مخرج وحلول لمشكلة هؤلاء المقترضين،حيث جرى التواصل مع رئيس مجلس الإسكان في القدس وعقد اكثر من لقاء مع الأخ أبو العلاء قريع مسؤول دائرة القدس في منظمة التحرير،والتواصل كذلك مع وزير شؤون القدس ومحافظها الأخ عدنان الحسيني،وبعتت رسائل ومناشدات عبر الصحف الى سيادة الرئيس ابو مازن ورئيس الوزراء الحالي السيد رامي الحمدالله والسابق الدكتور سلام فياض وغيرهم،وكل ذلك لم يفلح في التقدم خطوة الى الأمام نحو الحل،فالمنظمة والرئاسة والسلطة لم تحرك ساكناً في هذه الإتجاه،وكان المسألة لا تعنيهم،وطرفي الإنقسام،مجلس الإسكان في رام الله وشركة الإسكان في القدس،خلافاتهما وتقاتلهما على الشرعية والمسؤولية،جعل منهما عوامل معقدة وليس مسهلة للحلول،حيث لم ينجح أبا العلاء قريع في جمعهما معاً كخطوة اولية نحو توحيد المجلس والتوجه نحو حل مشكلة المقترضين،وهذا فاقم من حدة المشكلة ،وقد يقول قائل كيف أثرت الخلافات والمناكفات بين مجلس إسكان رام الله وشركة إسكان القدس على المقترضين،فجزء من هؤلاء المقترضين وجدها فرصة للتهرب من الدفع وعدم الإلتزام،حيث ان كل طرف يدعي الشرعية،ويطلب من المقترضين الدفع في البنك الذي يتعامل معه،مجلس رام الله دعا المقترضين الى الدفع في البنك العربي،ومجلس اسكان القدس دعاهم للدفع في بنك الإستثمار اولاً ولاحقاً في بنك "ماركنتيل" الإسرائيلي،وكلا الطرفين وجه الإخطارات التي تحمل في طياتها التحذير والتهديد للمقترضين،وباتالي جزء من المقترضين نشأ عنده حالة من التخوف وعدم الثقة،وتراجع عن الدفع لأي من الطرفين،ناهيك عن أن خلافهما حال دون وصول الدعم من بعض الصناديق والمؤسسات العربية،والتي اشترطت توحيد الجسمين من اجل تقديم الدعم،ونتجة لهذا الخلاف حول مبلغ (30) دولار من احد الصناديق العربية الى البنوك وليس الى مجلس الإسكان.
وبالنسبة للإعتصام والمؤتمر الصحفي اللذان عقدا في 30/4/2014 امام مجلس الإسكان في القدس،فالمعتصمين والمحتجين لم يأتوا من اجل أن يشرعوا سياسة "الشحدة"والتسول،بل طالبوا بشكل واضح بملاحقة ومتابعة كل من حصل على قرض وادار ظهره ولم يقم بتسديده،في حين رأوا بأن طبيعة الظروف الصعبة التي يعيشها المقدسيون،قد فرضت التزامات كثيرة على المقترضين والقت عليهم مسؤوليات متعددة،وطالبوا المجلس بالعمل على إعادة جدولة الديون لهم،وفق آليات معقولة،وهم لا يردون التنصل من الديون التي عليهم،ولكن يشعرون بأن مجال محاسبتهم ومطالبتهم بالدين،هي المحاكم الفلسطينية وليست الإسرائيلية،ويجب أن يكون هناك قرار وطني صادر عن المنظمة والسلطة بعدم التوجه للمحاكم الإسرائيلية فيما يخص الحقوق والديون،يشمل مجموع الأفراد والمؤسسات الفلسطينية العاملة في القدس،ولكن هذا القرار يجب ان لا يكون بمثابة جواز سفر أو"فرمان" لغبن العاملين في تلك المؤسسات،على اعتبار انهم لا يستطيعون تحصيل حقوقهم،وفق القوانين الإسرائيلية المعمول بها في المدينة.
الحل للمعضلة الكامنة في المجلس المنقسم على نفسه بعد 11/5/2009،حيث أصدر وزير الداخلية الفلسطيني أنذاك قراراً بتجميد عمل الهيئة الإدارية للمجلس،وتشكيل لجنة تحضيرية مؤقتة،بسبب وجود مخالفات قانونية ومالية وإدارية،وإنتفاء الصفة القانونية للهيئتين الإدارية والعامة،وطلب من اللجنة التحضيرية تنسيب هيئة عامة جديدة،صادق عليها وزير الداخلية واعتمدها الرئيس في 9/1/2010،ومن ثم تم انتخاب مجلس إدارة لجمعية المجلس الفلسطيني للإسكان،وأصبح يشرف على أمور المجلس في المحافظات الشمالية والجنوبية بإستثناء القدس لرفض القائمين على شركة الإسكان الإمتثال لقرار معالي وزير الداخلية بتسليم الشركة لمجلس الإدارة الجديد،ولكن هذه الهيئة الإدارية الجديدة قررت محكمة العدل العليا الفلسطينية،بسبب الطعن بشرعيتها من قبل رئيس مجلس إدارة جمعية المجلس الفلسطيني للإسكان،بتاريخ 10/12/2012 إلغاء قرار وزير الداخلية الفلسطيني الصادر بتاريخ 11/5/2009 القاضي بتشكيل لجنة إدارية تحضيرية مؤقتة لجمعية الإسكان الفلسطيني لعدم وجود صفة قانونية للهيئتين العامة والإدارية.
لا يحق للطرفين التلاعب بمصير المقدسيين،ولا يحق لهما تحويل المجلس الى مملكة وإقطاعية خاصة،فهذا المجلس ملك للشعب الفلسطيني،ويجب العمل على فتح باب التنسيب،وإجراء انتخابات جديدة لكون ذلك مخالف للنظام الأساسي وعقد التأسيس،وحتى يشرع في تلك الإجراءات فإن مشكلة المقترضين من شركة مجلس الإسكان بالقدس،يجب يتحمل مسؤولياتها اكثر من جهة وطرف، فالمنظمة والسلطة يجب ان يكون لهما قرار واضح بهذا الشأن،وليس موقف اللا موقف،وكذلك يجب ان يكون الإتحاد- التجمع المقدسي للإسكان والذي تنضوي تحته جميعات إسكان القدس والذي جاء بطريقة ديمقراطية بالإنتخاب طرفاً في حل هذه المشكلة وكذلك وزير شؤون القدس ومحافظها وهيئة العمل الوطني والأهلي،والخطوط العامة للحل يجب ان تتضمن ملاحقة كل تلك الجهات، لكل من اقترض وأدار ظهره لمجلس الإسكان،ومن حق المجلس وتلك الجهات ملاحقته بكل الطرق الممكنة،أما المقترضين الذين سددوا جزء من قروضهم ولم يستكملوا التسديد،تدرس كل حالة واحد منهم على حدا،وأي حالة يثبت بأن لديها ظروف وعوائق تحول دون قدرتها على تسديد القرض وفق الأليات المتفق عليها مع مجلس الإسكان،تجري لها عملية جدوله للتسديد بأليات جديدة معقولة،أما من يثبت بانه يتهرب من التسديد فعليه أن يسدد ما عليه دون مماطلة وتسويف.
الجميع يجب أن يتفقوا على انه يجب عدم اللجوء للمحاكم الإسرائيلية،ورفع قضايا على المقترضين،فإذا ما كان هناك قرار وطني يشمل كل المؤسسات الفلسطينية العاملة في القدس،وجرى متابعته بشكل جدي،فلا يستطيع أي مقترض التهرب من السداد.
تلك المقترحات نرى انها قد تسهم في إيجاد حلول معقولة لمشاكل المقترضين،وتخفف من حالة الإحتقان والغليان بين المقدسيين،والذين يشعرون انهم بين مطرقة الإحتلال وسنديان المؤسسات الفلسطينية التي يفترض ان تحتضنهم وتحميهم وتدافع عنهم.