في مثل هذا اليوم من شهر مايو 1994 وقع المرحوم ياسر عرفات على اتفاقية القاهرة، الاتفاقية التي قلبت حياة الناس في قطاع غزة والضفة الغربية رأساً على عقب.
فقبل عشرين عاماً كان الغضب الفلسطيني يتفجر في وجه جيش الاحتلال الإسرائيلي مباشرة، ولكن بعد التوقيع لم تسمح الأجهزة الأمنية الفلسطينية بتفجر أي غضب.
قبل التوقيع على اتفاقية القاهرة كان عدد المستوطنين في الضفة الغربية 112 ألف مستوطن، اليوم صار عدد المستوطنين في الضفة الغربية أكثر من نصف مليون مستوطن.
قبل التوقيع كانت المستوطنات الإسرائيلية معزولة عن بعضها، وكانت المدن الفلسطينية متواصلة، اليوم صارت المستوطنات الصهيونية مترابطة بطرق التفافية بلغت أطوالها 293.2 كيلو متر على مساحة 38071 دونما، وصارت المدن الفلسطينية جزراً منعزلة.
قبل التوقيع كانت معظم أراضي الضفة الغربية تحت سيطرة الفلسطينيين، اليوم صارت منطقة سي، ومساحتها 62% تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة.
قبل التوقيع كان المتطرفون اليهود يقتربون من محيط المسجد الأقصى بحذر شديد، اليوم صار اقتحام المسجد الأقصى حدثاً يومياً لا يستوجب هبة صغيرة في رام الله.
قبل التوقيع كان من واجب الحاكم العسكري الإسرائيلي أن يوفر الرواتب للموظفين، وأن يوفر فرص العمل لآلاف العمال، وبعد التوقيع صار الشغل الشاغل للسلطة هو البحث عن ممولين لرواتب الموظفين، وصارت الشئون الاجتماعية بديلاً للعمل في إسرائيل.
قبل التوقيع كان الصليب الأحمر الدولي يرعى السجناء السياسيين في سجون الضفة الغربية وقطاع غزة، بعد التوقيع صار السجناء في الضفة الغربية وقطاع غزة شأناً داخلياً.
قبل التوقيع كان الحديث عن دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، اليوم صار الحديث عن دولة منقوصة السيادة، أو دولة ثنائية القومية كرد فعل على الرفض الإسرائيلي للدولة.
قبل التوقيع كان الحديث عن دولة بعد خمس سنوات، ولكن بعد عشرين عاماً من التوقيع يجري الحديث عن اتفاقية إطار، تسمح بتواصل التفاوض.
قبل التوقيع كان الشعب الفلسطيني موحداً، وكان وتر الوطنية مشدودأً، ولا يعزف إلا لحن الحرية، اليوم صار الوطن شظايا، وذابت المسافة بين الولاء للوطن أو الزعيم.
قبل التوقيع كانت البضائع تعبر مباشرة من التاجر الإسرائيلي إلى التاجر الفلسطيني دون طرف ثالث، اليوم صار الطرف الثالث شريكاً، فارتفعت الأسعار، وتضاعفت الأرباح.
قبل التوقيع كانت تكلفة المكالمة الهاتفية تعد بالإغورات، بعد التوقيع تضاعف ثمن المكالمات الهاتفية عدة مرات.
قبل التوقيع كانت المركبات تحترم إشارات المرور، ولكن بعد التوقيع صارت المركبات في بعض المناطق تعاكس إشارات المرور دون سائل أو معاتب.
قبل التوقيع كانت السجون الإسرائيلية تضم ألاف السجناء، وبعد عشرين عاماً من التوقيع لما يزل هنالك ألاف السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
قبل التوقيع كانت الضفة الغربية تتوجع لما تعانيه غزة، ولكن بعد التوقيع صار المستوطنون يعتدون على مدينة الخليل فلا يشعر بالوجع جيرانها في مدينة بيت لحم.
قبل التوقيع كان السيد محمود عباس ينزوي خلف رمزية الشهيد أبي عمار، ولكن بعد عشرين عاماً من التوقيع صار السيد عباس يتباهى أمام أعضاء المجلس المركزي، ويتفاخر بأن جلوسهم في المجلس جاء بفضل التوقيع على الاتفاقيات، وأن بعضهم صار وزيراً بفضل التوقيع، وأن وجود الرئيس، ووجود التشريعي ووجود الحكومة قد جاء بفضل التوقيع على اتقاقية أوسلو.
لقد نسي السيد محمود عباس أن الشعب الفلسطيني الذي صارت له حكومة، وصار له رئيس، وصار له مجلس تشريعي، هذا الشعب الصابر قد خسر معظم أرضه الضرورية لممارسة انتخاب المجلس التشريعي، وانتخاب الرئيس، والتي تسمح للحكومة بممارسه مهامها.