هل يصبح الانقسام ثلاثي الأبعاد

بقلم: طلال الشريف

والصورة الانقسامية الداكنة السواد تتحول ببطء شديد تدريجيا إلى اللون الرمادي ببعض الإشارات الايجابية الحذرة ما بعد اتفاق الشاطئ لتنفيذ بنود اتفاق المصالحة الفلسطينية وكما نراها في لغة التخاطب الأقل عنفا وتوزيع الصحف وبث الروح في اجتماعات اللجان وانتشار قوائم المستوزرين وتناقل الأمل بفتح معبر رفح والتصريحات المطمئنة من وفود المصالحة يبقى الانتظار سيد الموقف للإعلان عن الانتهاء من مشاورات تشكيل حكومة التوافق نقطة التحدي الأول على طرق تنفيذ اتفاق المصالحة.

ولكي لا يفهم من تساؤلاتي ونقدي أنني ضد المصالحة فلقد أمضيت سبع سنوات كاملة في كل يوم لي مشاركات عدة للضغط أو التحريض ضد الانقسام وكل أسبوع كان لي مقالة أو اثنتين تفند خطر الانقسام وتدعو الجمهور للثورة على الحكام وإنهاء الانقسام ولكي لا يخرج علينا زيد أو عبيد أو غيرهم ليتهموا الآخرين بتخريب المصالحة ليجملوا للناس صورتهم وجرمهم الذي ارتكبوه في غزة ورام الله في حق الوطن والشعب على مدى سنوات الانقسام وكأن هناك أعداء من الداخل لتلك المصالحة فقد كانوا جميعا هزليين طوال سبع سنوات من معاناة شعبنا وإدارة البلاد والصراع ولا بأس حين يلبسون ثوب القديسين القادمين لنا بهدايا المصالحة بدل تقديمهم للمحاكمة ويمنون علينا تصالحهم واقتسامهم المغانم بدل أن يطأطئوا رؤوسهم اعتذارا لشعبنا ومشاركة في المغارم التي سببوها.

والحديث بداية عن المصالحة يتطلب الإجابة على ثلاث تساؤلات كبيرة لنرى الطريق بوضوح :

1- كيف تم الاتفاق الأخير على الاتفاق على تنفيذ بنود اتفاق المصالحة.؟ هل بإرادتهم أم بإرادات أخرى؟ هل توصل عباس لمسودة اتفاق مع كيري ويريد استجلاب حماس ل م.ت.ف؟ ولماذا يخفون ذلك عن شعبنا ولماذا هذا الغموض ؟

2- هل الاتفاق نفسه وبنوده المصاغة مضمونة النتائج للوصول للمصالحة لأن هناك فرق بين المصالحة كنتيجة والاتفاق كطريقة ؟

3- هل هناك ضامن للاتفاق وتنفيذه وخاصة ما بعد الانتخابات التي لم يتحدث عنها الاتفاق ؟

هناك تحديات كبرى كثيرة :

1- المظلة المالية الضخمة المطلوبة لحل مشاكل وتراكمات الانقسام والوظائف الجديدة والأعباء المالية المستحقة وأموال الإعمار وأموال تسيير حياة الناس

2- الأمن المؤجل ودمج الأجهزة الأمنية والعسكرية والمليشياوية وإدارة السلاح.

3- غياب البعد السياسي والخلاف على الاعتراف بإسرائيل هو فخ جديد كما حدث في دخول حماس الانتخابات دون توضيح موقفها من أوسلو والتزامها بالتزامات السلطة الوطنية.

4- ملف الحريات الذي يبدو سهلا ممتنع في وجود هيمنة لحزبين كبيرين غير ديمقراطيين لكل ميليشياته وتاريخه القمعي للآخرين كما يعلم الجميع وغياب جيش وطني وغير فئوي يضبط الحق والواجب وينحاز للشعب حين يخرج الحكام عن إرادة الشعب كما حدث تماما من عدم الاستجابة لمعاناة فاقت كل الحدود لأبناء شعبنا من حكامه.

5- نزاهة الانتخابات لأي طرف ثالث قد بفوز أو يحوز على نسبة تصويت عالية في الانتخابات القادمة المزمع عقدها في نهاية العام، وهنا فالتحالف بين عباس وحماس يصبح مؤكدا لتزوير الانتخابات لمنع حالة متصاعدة جماهيريا لأنصار دحلان المنافسين للحزبين الكبيرين في غياب شعبية للأحزاب الأخرى.

6- التنسيق الأمني وحماية المصالحة والتدخلات الخارجية والمعابر والسفر .

كل ذلك عالج بنود الاتفاق كثيرا من نقاطه نعم، ولكن كيف سيتم ذلك في التفاصيل؟ لا ندري.

نقطتان في غاية الخطورة تنقلنا للمستقبل القريب والبعيد :

1- غزة وأثر الفقر والبطالة سبع سنوات وأثرها المستقبلي Impact :

استولت حماس على الكتلة الوظيفية العامة ومنتسبي الأجهزة الأمنية لمدة سبع سنوات بنسبة تقارب 100% (حالة فئوية) ولم توظف رام الله من أهالي قطاع غزة طوال سبع سنوات في الوظيفة العامة والأجهزة الأمنية التابعة لها بمعنى أن الضفة الغربية استولت أيضا على كتلة الوظيفة العمومية بنسبة تقارب 100% ( حالة جغرافية ) يضاف لها أيضا في غزة اتساع شريحة مليونيرات الحرب والأنفاق الذين رفعوا أسعار الأراضي والعقارات بشكل جنوني لا يتناسب بالمطلق مع إمكانيات شعبنا سابقا ومستقبلا وهذا يشكل نسبة 200% (حالة ثغرة اقتصادية سلبية جداً) أي أن الأثر المستقبلي الاقتصادي السلبي على أهالي قطاع غزة من الأجيال الشابة والخريجين والبطالة يساوي مجموعه السلبي في الأثر 400 %، وكيف سيكون تحولات هذا الأثر السلبي جداً على الكتلة السكانية المعنفة زمنيا مع أولئك الذين ضاعت من أعمارهم السنين وما سيتراكم من آثار سلبية ممتدة من عدم وجود مصدر رزق لمدة طويلة والعوز المادي الكبير لحياة متوسطة التكاليف لهذه الكتلة من السكان وما سيحمله من أمراض اجتماعية ومفاعيل تأخر الزواج وبناء الأسر الذي يحمل في طيات المستقبل الحقد الطبقي والوظيفي والفئوي والجغرافي وظواهر غير منظورة ومتراكمة سنراها في المستقبل في قطاع غزة وستكون بالتأكيد عنيفة ودموية التخريج.

2- الأخطر على المصالحة والمستقبل هو عدم شموليتها لقطاع كبير من حركة فتح في غزة والضفة الغربية وهم مناصري دحلان ومؤيديه من الأوساط الأخرى والتي ستظهر بوضوح على حالة فتح بعد المؤتمر السابع من انقسام .. هؤلاء جزء ظلموا واستبعدوا من المصالحة وهم قوة جديدة في الشارع الفلسطيني والخارطة السياسية لا يستهان بها وهذا سيترجم سياسيا ومجتمعيا رغم استبعادهم من قبل عباس على خلفية خلافات شخصية ولا علاقة لها بالسياسة وقد يكون جزء من سعيه للمصالحة مع حماس هو الاستقواء عليهم ومحاولة استئصالهم وهذا سلوك غير عادل قد يدفع ثمنه الشعب الفلسطيني كله ...أن يستبعد جزء كبير من شعبنا ويتحمل مضاعفات الحالة الفلسطينية وخاصة الفتحاويين في الوقت الذي يحظى طرف النزاع الآخر على البراءة والوظائف ودخول النظام السياسي وهذا ولد وسيولد تناقضاً ثالثاً جديداً في الساحة الفلسطينية سيكون من نتائجه نزاعات وقد يؤدي لانقسامات مجتمعية وسياسية أخرى لا نعرف مداها تبدأ بتزوير الانتخابات المؤكد لمنع وصول هؤلاء إلى مكتسباتهم القادمة من أصوات الجمهور الفلسطيني.

هذه معادلة خاطئة وغير حقيقية للمصالحة وستعيد تشكيل عناصر الأزمة والصراع وحدته وبدل أن كان الانقسام تنائي الأبعاد أصبح الآن في طريقه لانقسام ثلاثي الأبعاد وهو الأكثر خطرا على السلم الأهلي في فلسطين.