يتوقف المراقب للخريطة السياسية الفلسطينية عند التغييرات الجوهرية التي شهدتها الخريطة السياسيّة الفلسطينيّة ليس فقط فيما يتعلق بصعود الإسلام السياسي ، وإنما بشأن تراجع دور فصائل العمل الوطني الفلسطيني، في منظمة التحرير الفلسطينيّة، التي لم تتبوأ الفصائل الموقع الذي كانت تصبو إليه، بل شهدت تراجعا ملحوظا ومستمرا ، فما الذي يؤدي إلى تراجع فصائل العمل الوطني،مجتمعة والتي لم تحصل إلا على 5 مقاعد من مقاعد المجلس التشريعي البالغة 132 مقعدًا، وخاصة اليوم نحن امام تطبيق اليات اتفاق المصالحة وتشكيل حكومة توافق فلسطيني بهدف الاعداد لاجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية.
هناك أسباب ذاتيه تؤدي إلى تراجع الفصائل، من دون الوقوف أمامها ومعالجتها لا يمكن وقف هذا التراجع والسير مجددا إلى الأمام، خاصة في مرحلة يشتد فيها الاستقطاب الثنائي بين "فتح" و"حماس"، إلى درجة أن هذا الاستقطاب يأتي وفق المحاصصة والاقتسام ، من دون توفر طريق لديهما لمواجهة التحدّي ، فلا يكفي تسجيل المواقف للتاريخ، إنما يجب أن تقدم هذه الفصائل نموذجا فاعلا قادرا على إحداث التراكم الكفيل بإحداث التغيير المنشود.
فإذا كانت الفصائل والقوى الوطنية والديمقراطية على سبيل المثال تعارض المفاوضات، ولماذا لا تقود حملة سياسية وإعلامية وشعبية تحشد فيها قواها ، فكفى كلاما منمق ان هذا التنظيم او هذه الجبهة او هذا الفصيل ام اليسار فلا احد يمتلك هذه الاجوبة الا الممارسة العملية، فلماذا لا تحول هذه المعارضة إلى تحرك شعبي مستمر ، وهذا ينطبق أولا وقبل كل شيء على تقديم نموذج للمقاومة المثمرة بمواجهة الاحتلال.
ان تراجع القوى والفصائل سواء على صعيد الساحة الفلسطينية أو الساحة العربية بشكل عام، مع تقدم لتيار الإسلام السياسي لأسباب موضوعية وذاتية، يؤكد ان الحركة الوطنية الفلسطينية تعيش مأزقاً عميقاً، سواء التيار المؤمن بالحل السياسي والمفاوضات أو التيار المؤمن بالمقاومة. حيث تشهد المرحلة تقدما وتراجعا، فهناك ايجابيات كبيرة في المسيرة الكفاحية وهناك سلبيات وأخطاء لهذه المسيرة، مما يستدعي من هذه القوى والفصائل اجراء دراسة اين اخطأت واين اصابت في عملها حتى تتمكن من الاستمرار في خدمة أهداف الشعب الفلسطيني ، وهذا يتطلب من الجميع التنسيق والتحالف فيما بينها، ومن الطبيعي أن يتم تدارس التحالفات استعداداً للانتخابات المقبلة .
ألم يحن الوقت لوقفة عميقة صادقة ذات طبيعة استراتيجية بين هذه القوى ، وان نضع الاسئلة امامها أين أصبحت القضية الفلسطينية في ظل الوضع العالمي والعربي العاصف، وهل قضية فلسطين كقضية تحرر وطني ، نقول بكل صراحة نحن بحاجة ماسة لخطة استراتيجية ورؤية واضحة ، خطة عمل واضحة يعمل على أساسها الكل الوطني الفلسطيني.
لا شك نقول عندما تتخلى القوى والفصائل عن الذات و تضع نفسها على مشرح النقد والمحاسبة واستخلاص الدروس من تجربتها النضالية الخاصة سيما خلال العقد الاخير ، وسوف لن تتوانى في تقييم مرحلة مرت والاستعداد لمرحلة اخرى قادمة ، من اجل تطوير كل عوامل الصمود في مواجهة العدو الصهيوني وعلى راسها تعزيز وتطوير المقاومة الشعبية بكافة اشكالها ، والارتقاء بدورها الاعلامي والسياسي وخدمتها اللامشروطة للطبقات الشعبية الفقيرة والمستغلة في الوطن والشتات ، واعطاء الاهمية لموضوع اللاجئين الفلسطينيين هو أساس القضية الفلسطينية وجوهرها . و واهم من يعتقد أن هناك أية حلول لقضية فلسطين ما لم يُضمَن حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وديارهم التي شردوا منها عام 1948، وهذا هو أساس قضية فلسطين
ان الحفاظ على وحدة منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها مكسبا كفاحيا نضاليا حققه الشعب الفلسطيني بدماء شهدائه، حيث حصلت على اعتراف عربي ودولي، باعتبارها الكيان المعنوي الذي يحافظ على وحدة الشعب الفلسطيني في أماكن وجوده، ويجب على الجميع التمسك بمنظمة التحرير ورفض أية بدائل لها، والتصدي لاي محاولة لشل او اضعاف المنظمة، وهذا يستدعي تعزيز الوحدة الوطنية وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية وتطوير وتفعيل مؤسساتها من خلال شراكة وطنية حقيقية، كونها تعبر عن وحدة الشعب الفلسطيني، وفقدان هذه المرجعية يشكل خطراً جسيماً على وحدة الشعب الفلسطيني.
ان إعلان غزة يشكل خطوة مهمة من اجل أعادت الإعتبار للقضية الفلسطينية ،والأمل الآن أن تكون لا كسابقاتها نقطة تحول هامة، ونقلة تاريخية نوعية، في تاريخ الشعب الفلسطيني ، تؤسس لشراكة وطنية حقيقية بين كل الفصائل الفلسطينية، وإبعاد هواجس "خيبة الأمل" بشأن هذه المصالحة، الذي يختبئ الشيطان في تفاصيلها، لأن كل ما اتفق عليه حتى الآن هو "خطوط عريضة"، ومنها على سبيل المثال البنود الخاصة تشكيل حكومة فلسطينية وتفعيل الاطار القيادي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومسألة الإفراج عن المعتقلين، ولكن اذا توفرت الإرادة السياسية عند الجميع من خلال ما اتفق عليه في حوارات القاهرة ، وهذا يتطلب حماية هذه الخطوة والاستمرار فيها وتحقيقها والاهم هو الوصول إلي وحدة وطنية علي أساس ما تم الاتفاق عليه بالمعني السياسي والاستراتيجي وبناء المؤسسات وتشكيل الحكومة الفلسطينية واجراء الانتخابات الديمقراطية النزيهة التي هي الطريق الوحيد الممكن للحفاظ على إمكانيات الشعب ومتطلبات النضال الطويل الأمد، اضافة للحفاظ على المشروع الوطني الفلسطيني ،والتمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية.
ان الوضع التنظيمي لمجمل الفصائل والقوى يعيش حالة مراوحة فيما يتعلق بالتوسع التنظيمي والمراوحة في المفهوم التنظيمي وهو في تراجع، والتراجع بتقديري يعود إلى عجز الهيئات القيادية على استيعاب الشباب وطموحاتهم ، اضافة الى تآكل مكانتها الشعبية، حيث كانت هذه الفصائل والقوى لها دور طليعي في كافة محطات النضال الفلسطيني ، وقدمت التضحيات نتيجة المبدئية على طول هذه المسيرة النضالية من اجل الحفاظ والدفاع والتمسك بالحقوق الفلسطينية، وهذا يتطلب منها الوقوف امام العامل الذاتي لمعالجة كافة القضايا الداخلية التي تتضارب بين مواقف المصالح والمواقف المبدئية على مدار مسيرتها الثورية، وتحمل مسؤوليتها الوطنية والثورية امام الجماهير الفلسطينية ، وهذا يستدعي من الجميع العمل من اجل تجاوز الازمات، من خلال ايجاد مساحات واسعة من التفكير والحوار والعمل المشترك لتطوير وضعها من خلال خطة تستجيب لضرورات النهوض المطلوب الذي يشكل يقيناً العمل من اجل احياء دور الجماهير وتجسيد طموحات وأهداف الشعب الفلسطيني بإنهاء الاحتلال، وممارسة حقه في تقرير مصيره على أرض وطنه، بما يشمل حق عودة اللاجئين الى ديارهم وممتلكاتهم، وإقامة دولة فلسطينيّة مستقلة عاصمتها القدس.
ختاما لا بد من القول : ان تقييم المرحلة، والعمل من قبل كافة القوى الوطنية والديمقراطية للوصول إلى تفاهمات مشتركة حول القضايا الراهنة، بداء من معضلات العمل الوطني الفلسطيني في ظل انسداد الأفق السياسي أمام تسوية سياسية عادلة، وإلى أشكال المقاومة الأكثر قدرة على الفعل في ميزان القوى السياسي والاقتصادي والعسكري والأخلاقي، وإلى مقومات وأسس وشروط التفاوض، إلى قضايا المساواة والعدالة الاجتماعية والمرأة، هذا إضافة إلى وضع صيغ وترتيبات وبرامج تتصل بإعادة التحالف فيما بينها وتجديد دوره الكفاحي ودوره الاجتماعي والثقافي بين الجماهير، والدفاع مصالح وقضايا العمال والفقراء والمرأة والشباب، وتعزيز العلاقات مع الاحزاب والقوى العربية والعالمية التقدمية الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة في الحرية والاستقلال والعودة .
كاتب سياسي