الاقتصاد العالمي وعالم العمل بين إشكالية الأولويات ومسألة الإمكانيات

بقلم: سلام الربضي

لا توجد عولمة حقيقية ولو بالحد الأدنى، فيما يتعلق بالعمل البشري. فعلى الرغم، من حرية انتقال السلع والخدمات ورأس المال، ولكن مختلف العراقيل والقيود، توضع لمنع انتقال أو هجرة قوى العمل. ناهيك، عن زيادة الضغوط في عالم العمل،نتيجة الظروف الصعبة الداخلية، لكافة البلدان على مستوى العمل، وضغوطات الموازنات الحكومية، التي تعاني من العجز،مما ينعكس سلباً على عالم العمل.

كما أن كل الجهود التي يبذلها السياسيون والاقتصاديون، للعثور على بدائل لفرص العمل الضائعة في كافة القطاعات، لم تحقق النتائج المرجوة. فكلما ازدادت وتيرة المتاجرة في البضائع والخدمات عبر الحدود الدولية بكل حرية، تزداد المصاعب في عالم العمل، حيث هناك تقليص وترشيد، يؤديان إلى فقدان العمل البشري قيمته.

ولقد ساعدت قوانين العمل والتجارة، الشركات على تحقيق استراتيجياتها، القائمة على الربحية العالية. وهذه الاستراتيجيات، تشكل سبباً جوهرياً في تردي الأوضاع، الاجتماعية والاقتصادية لقطاع العمل. إذ يجب الإقرار بحقيقة، أن التجارة الحرة تنمو بمنأى عن سوق العمل. بل إنها تترك آثاراً سلبية، على سوق العمل.

وبالتالي، لا بد من الإشارة، إلى الإشكالية الأساسية في عالمنا المعاصر، في إطار العلاقة بين التنمية والنمو الاقتصادي :

أي إشكالية الفجوة بين الأغنياء والفقراء، فهل نحن في عصر الاقتصاد، من أجل الاقتصاد وليس من أجل المجتمع؟

وبعيداً عن التنظير، ووفقاً للإحصائيات والمعطيات حول الهوّة الاقتصادية، وإذا أخذ بعين الاعتبار، أن النسبة الكبرى من المواطنين هم عمال أو موظفين يعملون بأجر. فمن هذا المنطق يمكن القول إن الاقتصاد لم يعد يعمل لمصلحة الجمهور العام. فالوقائع القائمة، على مصلحة الجمهور، ستبقى هي المعيار الأساسي، لتقييم السياسة الاقتصادية الناجحة.

ولقد نتج عن التقدم التكنولوجي وما يصاحبه من استخدام التقنيات بدل الأيدي العاملة، انخفاض نسبة حصة العمل، من العائد المتحقق في الاقتصاد. وبالتالي من البديهي، أن تؤدي الهوّة بين دخول أصحاب المشاريع، ومُلاّك الثروة من ناحية، ودخول العمال من ناحية أخرى، إلى تزايد الشكوك حول سلامة المجتمع ووحدته.

ومستقبلاً، هذا الواقع سينعكس سلباً، على مشاركة العمال في الحياة الاجتماعية. فالمستوى المعيشي للمواطن،لا يتوقف على الدخل الذي يحصل عليه المرء فقط، وهذه حقيقة تتأكد باستمرار. فانتفاع المواطن من التقدم الاقتصادي والتكنولوجي يزداد كلفة، وأمسى أكثر صعوبة، أو على وشك أن يتلاشى كلياً. ويلاحظ أن الدول بمعظمها تسير في هذا الاتجاه، ويبدو أن الكثير من الدول، أضحت اليوم رهينة سياسة لم تعد تسمح بأي توجه آخر.

فإذا كانت التجارة الحرة وانتقال رؤوس الأموال والبضائع والخدمات عبر الحدود، هي التي تحقق النمو والرفاه. وفي حال، تم تحقيق أهداف منظمة التجارة العالمية، بألغاء القيود الكمية وتوحيد كافة الضرائب الجمركية، وجعل العالم منطقة تجارة حرة بحلول العام :2020:

فهل هذه السياسات والأهداف سوف تؤدي إلى تعميق أزمة سوق العمل ؟ أم أنها ستكون بمثابة نقطة التغيّر والتحوّل الإيجابي؟


كما إن، احتدام المنافسة بين الدول _ سواء كانت صناعية كانت أم نامية _ على خفض الأجور إلى أدنى المستويات، لن يودي إلا إلى نتائج وخيمة. وسوف ينشئ على مستوى العالم أجمع، حركة لولبية تدفع الأجور إلى المزيد من الانخفاض، وهذا لن يزيد من مجمل رفاهية العالم والمجتمعات، بل سيزيد من تحجّر الوضع الاجتماعي المؤلم. وكذلك، التخفيض في الأجور، ينعكس على أسعار السلع، ويستفيد منه بشكل مباشر، المستهلك صاحب الدخل المرتفع، الذي لم يخسر شيئاً يذكر من دخله، في مقابل تخفيض تكلفة الإنتاج. في حين، أن الطبقات المتوسطة والفقيرة، هي التي تخسر جزءاً من دخلها، وتكون أكثر تضرراً.

وانطلاقاً من ذلك، لا يمكن تجاهل قضية أو معضلة مَن يتحمل الأعباء: رأس المال أم العمل؟

فالحكومات ترمي الأعباء الضريبية، على كاهل عنصر العمل أكثر فأكثر، والإعفاءات والتسهيلات والمنح الضرائبية المقدمة للشركات، ينتج عنها انخفاض في إيرادات الدولة المالية، والتي تعوّضه عن طريق زيادة الضرائب على الطبقات الاجتماعية الأخرى. أو عن طريق تقليص الخدمات والرعاية الاجتماعية والصحية. فإذا كانت العبارة، الأكثر تعبيراً عن اتّساع الهوّة بين الأغنياء والفقراء هي القائلة:

الأغنياء يزدادون غنى، بينما الفقراء يزدادون فقراً.

ولكن هذه العبارة في ظل الوقائع الحالية القائمة، لم تعد تكفي لتوضيح الصورة، حيث من الواضح ظهور صيغة جديدة تقوم على مبدأ :

الأغنياء يصبحون أغنى، والفقراء أفقر، بمعدل أسرع؟


إذ تفاجئنا السرعة الفائقة، في توفير المبالغ الخيالية لحل الأزمات المالية والاقتصادية العالمية _ كما حدث مؤخراً في أزمة الرهن العقاري 2008_ مقابل العسر الشديد، الذي يعرف عادة عند تمويل برامج متواضعة لفائدة الإنسانية. فعلى سبيل المثال، يكفي مبلغ لا يتعدى العشرات من المليارات سنوياً، للقضاء على الجوع وسوء التغذية في العالم كله. ولقد أقرت الأمم المتحدة، عدة برامج مختلفة لتحقيق هذا الهدف، ولكنها بقية حبراً على ورق بحجة عدم توفر التمويلات الضرورية.

هذه الحقائق المآساوية، وبعيداً عن الأبعاد الايديولوجية في مقاربة عالم الاقتصاد، تضعنا أمام التساؤل الجدلي المنطقي التالي:

هل الإشكالية تكمن في الأولويات؟ أم هي مسألة الإمكانيات؟؟؟

*www.salamalrabadi.blogspot.com