دولة واحدة لجميع سكانها

بقلم: فايز أبو شمالة

بدأ المسئولون الفلسطينيون يطرحون فكرة قيام دولة ثنائية القومية، وأتفق هنا مع أولئك السياسيين المنتقدين للتسمية، فاليهودية ديانة وليست قومية، ولا يصير أن نعترف باليهودية قومية، ونردد عن جهل (دولة ثنائية القومية)؟ والصواب أن نسير على خطى المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة الذي ردد قبل عدد من السنين مقولة "دولة لجميع سكانها".
لقد جاءت فكرة الدولة (ثنائية القومية) على لسان كل المستويات القيادية الفلسطينية بدءاً من الرئيس محمود عباس وحتى رئيس الوزراء السابق أبو علاء قريع، وكبير المفاوضين صائب عريقات وعضو مركزية حركة فتح توفيق الطيراوي، وغيرهم الكثير من القيادات الذين اعترفوا علانية باستحالة قيام دولة فلسطينية مستقلة، ولاسيما بعد جنوح المجتمع الإسرائيلي إلى التطرف، وبعد صعود هذه القيادة الإسرائيلية التي لن تقدم أدني مقومات قيام دولة فلسطينية.
فهل المطالبة بدولة (ثنائية القومية) هو طرح سياسي فلسطيني قائم على دراسة متأنية وحكيمة، أم هو طرح سياسي اعتراضي على رفض الإسرائيليين لقيام دولة فلسطينية؟ هل هذا طرح جدي أم طرح يهيئ الأجواء للعودة إلى طاولة المفاوضات؟
وإذا كانت القيادة السياسية جادة في طرح فكرة الدولة (ثنائبة القومية) الموجعة للإسرائيليين، فلماذا تأخرت القيادة السياسية كل هذا الزمن دون أن تدرك المأساة؟
وإذا كان طرح فكرة الدولة (ثنائية القومية) هو البديل الموضوعي لفشل فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة، فمن هم القادة السياسيون المسئولون الذين أغرقوا الفلسطينيين في وهم الدولة، وهم المسئولون عن ضياع الزمن الفلسطيني، وعن ضياع الأرض الفلسطينية؟
سأتفق مع أصحاب الخط التفاوضي الفلسطيني بأن الظروف الموضوعية، والتوازنات الدولية، والمعطيات الإقليمية لا تسمح للفلسطينيين بالمطالبة بتصفية دولة إسرائيل، وأتفق معهم بأن الفلسطينيين لا يمتلكون القوة الذاتية القادرة على تحرير أرضهم، وأتفق معهم اليوم بأن الواقع السكاني المتشابك بين اليهود والعرب على أرض فلسطين لا يسمح إلا بالمطالبة بدولة واحدة لجميع سكانها، وأتفق معهم أن هذه المطالبة فيها الرد الواعي على التعنت الإسرائيلي، وأتفق مع الجميع أن المطالبة بدولة لجميع سكانها فيه الرد العملي على مواصلة التوسع الاستيطاني الذي اعتبره المبعوث الأمريكي للسلام مارتن أندك بالخطأ التاريخي الجسيم، والذي سينهي فكرة إسرائيل كدولة يهودية، وسيؤدي حتماً إلى قيام دولة ثنائية القومية.
وأتفق شخصياً مع أولئك القائلين بأن دولة ثنائية القومية هي أقصر الطرق السياسية لتصفية الدولة العبرية، واقتلاع جذورها من الأرض دون قنابل وقذائف وتضحيات، لأن الوجود الفلسطيني بحد ذاته يحسم مصير الدولة التي يسعى قادتها لأن تكون دولة يهودية خالصة، وقد يمس قادة إسرائيل وشعبها الجنون لمجرد طرح فكرة الشراكة في القرار السياسي والحياتي والمساواة لجميع السكان على هذه الأرض في الحقوق والواجبات.
إن الاتفاق على كل ما سبق ليفرض على القيادة الفلسطينية أن تقف أمام نفسها، وأن تعترف علانية بفشل مسارها التفاوضي، والإقرار بعجزها عن تحقيق أدنى طموحات الشعب الفلسطيني، فالاعتراف بالفشل هو بداية النجاح، والاعتراف يعكس احتراماً للنفس، وهو مهم للحوار بين القوى السياسية والتنظيمات والفعاليات الشعبية للتوافق على قيادة سياسية عليا، تتحمل مسئولية المرحلة، وتخطو بإرادة الشعب الفلسطيني إلى الأمام.