لقد عاش الشعب العربي الفلسطيني الذكرى السادسة والستين لنكبته بفعاليات مختلفة ، وذلك حسب طبيعة المكان وتوفر الإمكانات ، وفــُضّ سامر النكبة في أسبوع من الزمان ، وخبأنا ذكرى النكبة في حقيبة المناسبات الوطنية والتاريخية ، وكأنّ واقعنا الذي نعيشه اليوم ليس نتيجة النكبة القائمة والمستمرة منذ ستة وستون عاماً مضت ، وكأنّ النكبة هي فقط يوم الخامس عشر من أيار كل عام ، وهذا ما يؤكد مدى سلبيتنا في التعامل مع نكبتنا ، لأننا لا نراها إلا في يوم واحد أو في أسبوع واحد على أبعد حد من كل عام ، مع أنّ النكبة ما زالت تغرس أظفارها في جسدنا الفلسطيني لتخرج الفلسطينية من جسدنا ، فلماذا نتهاون بحقنا كشعب يستحق الحياة كما باقي الشعوب ، فنتمسك بما هو حق لنا ، وبما هو سلاح نشهره في وجه عدونا .
حتى نكون أمناء على أنفسنا كشعب وعلى أرضنا كوطن ، علينا أن نكون أمناء على امتلاك الوسائل التي تجعلنا أمناء على قضيتنا الوطنية الفلسطينية ، فالنكبة التي أصبح عمرها ستة وستون عاماً يجب أن تعني لنا شيئاً واحداً وهو أننا أبناء الوطن الفلسطيني الممتد من البحر إلى النهر ، لأنّ النكبة كانت وما زالت هي عملية الانسلاخ القسري ما بين الشعب الفلسطيني وأرض الوطن ، هذه العملية التي ما زال العدوّ الصهيوني يجهد نفسه في إتمامها والوصول إلى تحقيق هدفه النهائي بإقامة وطن قومي يهودي في فلسطين ، والأمانة تقتضي منا حتمية مواجهة العدوّ الصهيوني ، مواجهته بكل وسائل النضال المتاحة والممكنة والمستحيلة ، كما تقتضي الأمانة منا أن نـُرضي أنفسنا في مواجهة العدوّ الصهيوني المغتصب لأرضنا الفلسطينية ، وذلك دون أن نلتفت إلى موقف عدونا أو الدول الاستعمارية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه أسلوب نضالنا ، لأننا في إرضاء عدونا عن أسلوب نضالنا نكون قد وقعنا فريسة بين أنياب عدونا التي ما فتأ ينهش في جسدنا .
فالنكبة الفلسطينية في عامها السادس والستين تتطلب منا ألا نصادق على مضمونها وعلى حقيقتها من خلال تحقيق الهدف الاستعماري في فلسطين ، لأنّ مضمون النكبة كان وما زال شطب فلسطين جغرافيا وتاريخياً وسياسياً وحضارياً من خارطة المنطقة العربية ، وأي تلاعب في جغرافية فلسطين الممتدة من البحر إلى النهر هو مساهمة في شطب فلسطين كما يريد ذلك أعداء فلسطين ، فأرض فلسطين ليست أرضاً لدولتين وإنما هي أرض لدولة واحدة هي دولة فلسطين الديمقراطية ، وهذه الأرض لا تتسع إلا لشعب واحد هو الشعب العربي الفلسطيني ، فهل يـُعقل لشعب أن يتخلى عن 78% من أرضه ليمنحها هدية مجانية لعدوه ، بينما هو مطرودٌ من قبل عدوه من أرضه التي هو صاحبها التاريخي .
والنكبة الفلسطينية تعني النضال الفلسطيني اليومي للتخلص من آثارها ، وهذا يتطلب منا مراجعة وعينا الفلسطيني في فهم قضيتنا ، بأنّ هذه القضية هي صراع وجود لا نزاع حدود ، وأنّ هذا الصراع يتطلب منا امتلاك كل أدواته ، الفكرية والسياسية والإعلامية والكفاحية ، وابتداع كل الوسائل من أجل الاستمرار في هذا الصراع ، ولا يمكن أن يقتصر نضالنا السياسي على المفاوضات فقط والتي أثبتت عقمها وعدم جدواها في إنجاز أي فعل على الأرض ، وعلينا أن نعود إلى ممارسة المبدأ الرئيس في الصراع وهو أن الكفاح المسلح يزرع والنضال السياسي يحصد ،ولا يمكن لنضال سياسي مهما كان نوعه أن يحقق شيئاً على الأرض دون أن يستند إلى ممارسة الجماهير الفلسطينية دورها في النضال اليومي ضد الاحتلال .
والنكبة الفلسطينية المستمرة تفرض علينا ممارسة النضال والكفاح اليومي وذلك وفقاً لواقع شعبنا العربي الفلسطيني ، هذا الواقع المتباين بين الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 ومخيمات اللجوء والشتات ، حيث يتطلب هذا الواقع أن يضع الفلسطينيون استراتيجيات واضحة ومحددة لكل موقع من مواقع وجود شعبنا العربي الفلسطيني ، على أن تتكامل هذا الاستراتيجيات فيما بينها مُشكلة الإستراتيجية العامة للنضال الفلسطيني ، والملتقية على هدف واحد هو إنجاز الوطن الواحد للشعب الواحد على أرض واحدة هي أرض فلسطين الممتدة من البحر إلى النهر .
وبعد ستة وستون عاماً على النكبة لا يمكن لشعبنا أن يقبل بنتائجها ، وأن يبارك للغزاة الصهاينة دولتهم اليهودية بحدود الرابع من حزيران عام 1967 مقابل القبول بدولة فلسطينية على أرض الضفة والقطاع بحدود الرابع من حزيران عام1967 ، وإلا علينا أن نقرّ ونعترف بنتائج النكبة ، والاعتراف بنتائج النكبة هو الخروج الفلسطيني من تاريخ المنطقة العربية ، وهو أيضاً تأكيد على صحة الرواية الصهيونية بأنّ فلسطين هي الوطن القومي لليهود من فجر التاريخ .