نُشر لي أمس الأول مقال بعنوان : "جامعة الأزهر وأصحاب الياقات البيضاء"، فيما سبقه بيوم واحد مقال عنوانه: "استقالة عجز وانكفاء وهروب". يشير مقال "أصحاب الياقات البيضاء" إلى ما يأتي عليه أصحاب الياقات البيضاء من أفاعيل مشينة تهزم أهداف الجامعة وتعطّل مسيرتها، بل إننا لا نبالغ إذا قلنا إنها تهدم فكرة الجامعة من أساسها.
إن من يقرأ هذين المقالين قد يقع تحت ضغط الإغراء والتحفز لقراءة مقالات أخرى كثيرة سبقتهما كشفت عن مفاسد مشابهة كان أبطالها- على نحو مباشر أو غير مباشر- أصحاب الياقات البيضاء أنفسهم، غير أن أصحاب الياقات البيضاء هم أنفسهم من مرروها وأسدلوا الستار عليها.
من يقرأ هذين المقالين وما سبقهما من مقالات أخرى عن جامعة الأزهر، ومن يتتبع ما ورد في المقالين الأخيرين، على وجه الخصوص، من شواهد وتواريخ ومواقف وأحداث، يرى بعينيه الدرك الأسفل الذي هوت فيه الجامعة، ويدرك مدى ثقل المسؤولية التي استخَفَّها مجلس الأمناء ففرح بها ورحب بها ثم ناء بحملها فهوت على رأسه لتشوه فكره وتعطله وتفقأ بصره وتعمي بصيرته. من يقرأ هذين المقالين ومقالات أخرى قد نشير إليها لاحقاً في سياقها، يستطيع أن يضع يديه على كثير من شواهد الخراب ومظاهر الفساد التي كان مجلس الأمناء- المشرّع والمراقب والمحاسب- سبباً فيها إما على نحو مباشر إذ يكون هو ذاته صاحب الفعل المعيب، وإما على نحو غير مباشر إذ يجعل هو من نفسه ومن صفته للعيب أو للخطأ غطاء. قمن يطلع على ما أوردناه في مقالنا "جامعة الأزهر وأصحاب الياقات البيضاء" يرى أن "مدير شركة تدقيق ومراجعة ومراقبة حسابات تعمل في قطاع غزّة- وهي الشركة المتعاقدة مع جامعة الأزهر لتدقيق حساباتها ومراقبتها ومراجعتها- قد كلّفته الجامعة التي يراقب هو أموالها ويراجع ويدقق حساباتها، كلفته بجدول يحاضر هو بموجبه في مادة "المحاسبة" لطلبة كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية والمالية فيها".
وهنا نتساءل عما إذا كان الأمناء- بصفتهم المراقب والمشرع والمحاسب- عما إذا كان خطأ أو صواباً، رذيلة أو فضيلة، أن يكلّّف مراقبٌ خارجي لحسابات الجامعة بتدريس طلبتها، الأمر الذي ينفي عن هذا المراقب الخارجي لحسابات الجامعة أي موضوعية أو استقلالية أو شفافية؟! ألا يعرف الأمناء معنى الشفافية والنزاهة، أم أنهم ليسوا على علم بهذا الذي يحدث، وهو ما جعل "الكرامة برس" تصف أموراً مشابهة بأنها فضائح على نحو ما ورد حول تعيين (7) في المغراقة و(2) في بيت حانون وهو ما أعطى رئيس مجلس الأمناء في شأنه بعض إشارات أكدت صحة ما يشاع!!!
إن مجلس الأمناء الذي يتكون الآن (بعد وفاة الأخت الفاضلة زينب الوزير رحمها الله رحمة واسعة) من 19 شخصية إما أنه يعرف- بكليته- ما يجري وفي ذلك مصيبة، وإما أنه لا يعرف ما يجري وفي ذلك مصيبة أعظم. فإذا كان مجلس الأمناء يعرف أن الذي يراقب حسابات الجامعة ويدقّقها ويراجعها هو ذاته الذي أسندت له الجامعة محاضرات تدريسية، فإن هذا يعني أن مجلس الأمناء لا يدرك مسؤولياته واختصاصاته، أما إذا كان لا يعرف أصلاً فمعنى ذلك أنه غيَّب عن الجامعة نفسه، فضلاً عن أن إدارة الجامعة قد غيبته، والمصيبة في كل حالة أكبر من أختها! وفوق ذلك، ألا يخطر في بال الأمناء- كلهم أو بعضهم- معنى الآتي:
1) أن يقر رئيس مجلس الأمناء بما يشاع عن التعيينات، متذرعاً بوصفها أنها "مياومة"؟!
2) أن يقر رئيس مجلس الأمناء بأن أحد أقاربه ممن عينوا بهذه "المياومة"؟!
3) أن يبرر تعيينه "بالمياومة" لقريبه بأنه "مواطن!"، فيما أنه هو رئيس لمجلس الأمناء، وأن قريبه قد توفرت فيه الشروط اللازمة للتعيين دون أن يوضح تلك الشروط ومن الذي يحددها، وكيف عرف أنها مطابقة لقريبه من عدمها؟!
4) أن كلّ واحد من السبعة المعينين قد تم تعيينهم لأنه إما قريب رئيس مجلس الأمناء أو أحد معارفه أو قريب لأحد أعضاء مجلس الأمناء أو قريب أو جار لرئيس الجامعة أو ابن لنائب رئيس الجامعة أو عضو مجلس جامعة أو ابن للمدير المالي؟! شفافية عالية تصل إلى حد الفضيحة!
غير أن أسئلة ملحة أخرى ستظل مفتوحة إلى أن نجد لكل منها جواباً:
1) ألم يسأل أعضاء مجلس الأمناء ورئيس الجامعة ونائبه الإداري ومديرهما المالي عن مبرر مقبول ومقنع ومعقول تعيين هؤلاء السبعة مجاملة وإرضاء؟! لماذا لم يُعْلَن عن ذلك لأبناء العاملين على نحو يكفل العدالة دون تمييز؟! وهل يعلم الأمناء ذلك مسبقاً، أم أنهم وجدوا الأمر هكذا ليفاجأوا به ثم لا يجدون مبررات له؟!
2) ألا يجدر بأعضاء مجلس الأمناء أن يسألوا رئيسهم ويسائلوه عما صرح به إلى "الكرامة برس" من كلام يشكّل إدانة لهم، سواء كانوا بالأمر عالمين أو عنه مغيبين؟! وألا يجدر بهم أن يسألوا أنفسهم عن الخطأ في هذا الأمر أو صوابه سواء كانوا به يعلمون أو يجهلون؟!
3) كيف يمرر الأمناء- وهم على الجامعة أمناء- حالات إدخال أبناء بعض الأمناء أو أقاربهم أو معارفهم من الحاصلين على نسبة الخمسين في المائة ودونها إلى الدراسات العليا في الجامعة، وهم الأمناء الذين تم انتقاؤهم ليكونوا الأمناء الحريصين على الجامعة، وعلى سلامة مسيرتها وتأمين تطورها؟!
4) أيستطيع الأمناء أن يبينوا ولو عن قليل من حرصهم وغيرتهم على الجامعة فيبلغونا عن موقفهم من سارقي الكتب والأبحاث ومزوري الشهادات؟! وألا يعلم الأمناء أن الساطين على أبحاث الآخرين وسارقي المؤلفات والمزورين لا يجب أن يقف الأمر عند حد التحقيق معهم وإصدار الجامعة عقوبات ضدهم، بل يجب أن يتعداه إلى غير ذلك بإحالة ملفات التحقيق معهم إلى النائب العام لأن ما ارتكبوه يدخل في إطار الجرائم الخطيرة؟!
أما آخر الكلام، فإنني أرجو أن أستأذن أمناء مجلس الأمناء المحترمين أمثال:
* المهندس/ سعد الدين خرما: نائب رئيس مجلس الأمناء ورئيس لجنة متابعة كلية الدراسات المتوسطة
* المهندس/ حاتم أبو شعبان: أمين سر مجلس الأمناء ورئيس لجنة الإنشاءات
* الأستاذ/ مأمون أبو شهلا: عضو مجلس الأمناء ورئيس اللجنة المالية
* الدكتورة/ هيفاء الأغا: عضو مجلس الأمناء ورئيس اللجنة الأكاديمية
* المستشار/ إسحق مهنا: عضو مجلس الأمناء ورئيس اللجنة القانونية
* الدكتور/ نبيل الشوا: عضو مجلس الأمناء ورئيس لجنة كليات العلوم الطبية
* الأستاذ/ صالح ناصر: عضو مجلس الأمناء ورئيس لجنة شؤون العاملين
* الأستاذ/ عصام يونس: عضو مجلس الأمناء ورئيس لجنة الإعلام والعلاقات العامة
* الدكتور/ أحمد اليازجي: عضو مجلس الأمناء
* الأستاذ/ خالد البطش: عضو مجلس الأمناء
* الأستاذ/ خالد الخطيب: عضو مجلس الأمناء
* المحامي/ علي الناعوق: عضو مجلس الأمناء
* الأستاذ/ كايد الغول: عضو مجلس الأمناء
* الأستاذة/ محاسن محيسن: عضو مجلس الأمناء
* الدكتور/ محمد حجازي: عضو مجلس الأمناء
* الأستاذ الدكتور/ هاني نجم: عضو مجلس الأمناء
* الدكتور/ ناصر أبو العطا: عضو مجلس الأمناء
مناشداً إياهم العمل على استنهاض همة النفس فيهم، بغية إنقاذ الجامعة وتصحيح أوضاعها وتصويب مسارها، وإلا فإن العنوان الأفضل والأقوم والأعدل لمقالنا هذا ليس "من ينقذ جامعة الأزهر إن لم يكن مجلس أمنائها؟!، وإنما هو: "من ينقذ جامعة الأزهر من مجلس أمنائها؟!"
بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان
كاتب وأكاديمي فلسطيني
جامعة الأزهر بغزة