بنت الجيران

بقلم: أيمن تيسير دلول

ما من شك بأن الغيرة “غير المحمودة” باتت تهدد هذه الأيام وبخاصة مع ارتفاع وتيرتها النسيج الاجتماعي المترهل في الأساس نتيجة متغيرات مختلفة، وفي هذا الإطار سأركز حديثي عن الغيرة الناتجة لما تقوم به “بنت الجيران” في أعراسنا والمناسبات السعيدة لنا.

قصة “بنت الجيران” تبدأ من لحظة تقدم أي شاب في مجتمعنا لخطبة الفتاة، فبعد أن تتم الموافقة على العريس تبدأ سلسلة المقارنات بين البنت المصون وما كان لبنت الجيران، فإن أراد العريس أن يكون المهر ألفي دينار، تشنج والد العروس واحمرت عيونه وبدأ الحديث عن مواصفات ابنته: “أنا بنتي ما فيها عيب.. أنا بنتي ست بيت من الطراز الأول.. أنا بنتي أنهت الجامعة وألف شب يتمناها.. يا جماعة على الأقل يجب أن تكون مثل بنت جارنا أبو فلان؛ لأنه حقها مش ناقص!!”، وهذا هو “مربط الفرس بنت الجيران”..

ويتابع الوالد قائمة المطالبات المبنية على الغيرة: “مهر بنتي خمسة آلاف مقدم وخمسة عفش بيت وخمسة متأخر.. وبالنسبة لباقي التفاصيل يتم الحديث عنها عند الفرح للتخفيف على العريس!!”.

وخلال هذه المفاوضات الشاقة يتصبب وجه العريس عرقا، وتدور التساؤلات الكبيرة في عقله: “إن كل ما جمعته على مدار أيام وسنوات عمري لا يكفي للمهر وحده، فماذا سأفعل؟ وكيف سأقضي فترة الخطوبة بصحبة العروس، تلك الفترة التي تحتاج لمصروفات؟ وتكاليف الفرح من أين سأجدها؟، كلها تساؤلات ثقيلة جدا يوقفها موافقة الطرفين على الخطبة والاقتران.

وبعد إتمام العقد مباشرة وفي أول جلسة للعروسين وخلال محاولة وضعهم للنقاط على الحروف لمشروع حياتهم المستقبلية، تقطع حماة العريس الحوارات فيما بينهما، قائلة: “قبل أيام خطبت سوسن بنت جارنا أبو محمود، والصحيح خطيبها كله ذوق أول حاجة أهداها لها جوال ثمنه ثلاثة آلاف شيكل”.. وتلوي الحماة شفتيها خلال الكلام، وهو ما يدفع العريس الغالي للتساؤل: وما الهدف من حديث حماتي؟ ولا يدري “الغلبان” بأنه “الكلام إلك يا كنة وافهمي يا جارة”، يعني باختصار يا سبع خطيبتك بحاجة لجوال حديث ومتطور جدا وما تنسى أن يكون “لمس”.

تمضي فترة الخطوبة سريعا، لكن عبء المصروفات على العريس ترتفع فاتورته بشكل مُطرِد جداً دون خطة واضحة للسداد، وما إن يقترب موعد “العُرس” حتى يقترب موعد بحث التفاصيل الدقيقة لذلك اليوم الذي من المفترض أن يكون من أجمل أيام العرسان إن كان بعيداً عن التدخلات والمقارنات، فالصالة يجب أن تكون “ملكية” والسيارة زينتها معروفة والحفل لا بُد أن يقوم بها الفنان “فلان الفلاني”، ولوج الحفلة لازم يكون مثل حفلة “مصطفى ونانسي” أبناء الحارة المقابلة لنا، وكسوة أهل العروس وأهل العريس على قائمة المطالب، والكوافير لازم تكون “فلانة” لأنها فنانة في المكياج وتسريح الشعر، وبدلة العروس من معرض “فلان” لأنها أغلى من بدلة “بنت جارنا” أبو محمد..

يحمل العريس قائمة المطالبات الجديدة ويعود إلى بيته وقد تدلت أذنيه وبدأ مرحلة جديدة من التفكير، فهو لم يجهز إلا قبل أيام شقته وغرفة نومه بعد استدانة من عدد من المعارف والأصدقاء، وينتهي العريس إلى نقطة مفادها أنه “أصبح في منتصف الطريق ولا يستطيع الانسحاب منها قبل أيام على العرس، وعليه الاستجابة فوراً، أما المطلوب فهو البحث عن أطراف جديدة للاستدانة منها”.

وبعد الانتهاء من التفكير واختيار العريس لعناوين جديدة من الدين، يتوجه إلى أهله لبحث تفاصيل الفرح، وطبعا العمات والخالات والأخوات جالسات، وقد أعدت كل واحدة منهن قائمة طويلة من المطالبات يقابلها فاتورة مصروفات مرتفعة، وما على العريس إلا إجابة طلباتهم وهو خافض لرأسه، حتى لا تقاطع فرحه “فلانة” أو “فلانة” وتقلب يوم فرحه “غمامة سوداء”، ثم يسأل الناس: لماذا يكون العريس عصبياً جدا في يوم فرحه؟؟

المهم في الأمر ينتهي العرس وينتهي الأسبوع الأول، وفي الأسبوع الثاني تبدأ طرقات أصحاب الديون لا تغادر باب “بيت العريس”، ليتحول بذلك بيته إلا بيت “شخص تعيس” ولا يجد أمامه إلا “دهبات المدام”، وبالطبع فـ” الذهب خط أحمر” إن لمسه فطريقه قصيرة إلى المحكمة مرة أخرى، لكنها ليست فرحا هذه المرة وإنما فصالاً إلى الأبد!!.

السؤال أيها السادة: لماذا نحمل أنفسنا أعباء كبيرة جدا تُضيع شكل الفرحة للعروسين؟ هل نحن كآباء ومجتمع معنيين بتدمير البيوت في مهدها؟ لماذا نقارن بين “بنت الجيران” وبناتنا لحظة الصرف ولحظة المصروفات ولا نخشى أن يكون مصير ابنتنا الفصال والطلاق مثل “بنت الجيران” نتيجة عدم مقدرة زوجها على سداد ديون فرحه؟ لماذا نصرف مصروفات طائلة ونحن نعلم بأن العريس وضعه الاقتصادي بسيط؟ ولماذا لا نعمل بالمثل القائل “على قد لحافك مد رجليك”؟ ثم من قال لكم وهذا الأهم “أن كل ما يقوله جاركم حول بنته صحيح وليس من باب الفشخرة الزائدة”؟.