أكثر من ثلاثين يوما ومعركة الأسرى مستمرة

بقلم: عبد الناصر فروانة

انهارت أجسادهم، وشُلت ألسنتهم عن الكلام، وفقدوا القدرة على الحركة وقضاء حاجياتهم، وعيونهم تحمل ألف سؤال ، وآذانهم لم تعد تسمع سوى ضجيج السجان وصرخات المعذبين، والألم يكتوي أمعائهم وبطونهم الخاوية، ورائحة الموت تحيطهم من كل صوب، فيما إرادتهم تتفولذ مع مرور الأيام، ومعنوياتهم تشق عنان السماء وهم الحاملون لحب وطنهم في قلوبهم ، ومقاومتهم للسجان تتقدم رغم قهر الزمان. أما أخبارهم التي تدق طبول آذاننا فهي تكاد تُلهبها وتلحق الأذى بها من شدة سخونتها وقسوتها.

وتُعيد بنا للوراء سنين طوال وقتما كنا هناك خلف القضبان، نقاسمهم عذاباتهم وآلامهم، ونشاركهم إضراباتهم عن الطعام. حينما كنا نَجوع ونَجوع، ولا تَجوع المبادئ فينا ولو مرة واحدة ، ونَحِنُ للخُبز والشاي ، ولا يَحِنُ التراجع والركوع فينا ولو لبرهة واحدة، نتحدى الجلاد بجوعنا وعطشنا ويسقط الجسد منهكاً ولا تسقط المبادئ أبداً.

الأسرى المضربون عن الطعام، أحرار رغم القيد، ثوار رغم جدران القهر والحرمان ، شامخون رغم شراسة السجان، شكَّلوا على مدار الزمان نماذج لا تُهادن أو تُهان، وخاضوا معركة الأمعاء الخاوية بعزة وإباء ، تسلحوا بقوة الإرادة وبعزيمة لا تلين ، بذلوا التضحيات الجسام وتحملوا المشاق والعذابات، وربما يسقط من بينهم شهداء في أية لحظة ليلتحقوا بأبي الفحم وراسم وعلي واسحق والقافلة الطويلة.

أكثر من ثلاثين يوماً مضت على إضرابهم المفتوح عن الطعام كما يطلق عليها الفلسطينيون "معركة الأمعاء الخاوية"، وبالرغم مما مورس ويُمارس ضدهم من إجراءات قمعية واستفزازية وضغط نفسي واعتداءات جسدية وتحريضات إسرائيلية علنية، إلا أنهم يؤكدون بإصرارهم وتصميمهم على مواصلة إضرابهم بأن الأسرى هم رجال كل المراحل وأبطال كل الأزمنة والأوقات، وهم من صنعوا الانتصارات في أحلك الظروف وأقساها ، فحجزوا لهم مكانة واسعة في عقولنا وقلوبنا ، وأسمائهم حُفرت في ذاكرتنا، وانه لشرف عظيم لنا أن ندعمهم ونساندهم لأنهم ينوبون عنا في مواجهة السجان ومقاومته ذودا عن كرامتنا واعتراضا أصيلا على سياسة الاعتقال الإداري التي من الممكن أن نكون من ضحاياها من جديد وفي أي وقت فيما لو استمر الاحتلال في سوء استخدامه لها بحق الفلسطينيين.

في الرابع والعشرين من ابريل الماضي أطلق المعتقلون الإداريون صرختهم، وأعلنوا بدء إضرابهم المفتوح عن الطعام، في خطوة نضالية جديدة لجأوا إليها رغماً عنهم، لتُضاف لسلسلة الخطوات التي خاضتها الحركة الأسيرة عبر تاريخها الطويل، وبغض النظر عن تحفظاتنا أو اعتراض البعض على توقيتها، واختلاف البعض الآخر على عنوانها ومضمونها، إلا أنها  شكلّت إجابة واضحة لسؤال طرحه الشهيد الأديب الفلسطيني غسان كنفاني في نهاية إحدى رواياته  لماذا لم يدقوا جدران الخزان ؟.. وذلك حينما كان ثلاثة فلسطينيين في الخزان ولم يتجرأوا أن يدقوا الجدران لينجوا بحياتهم، فمات ثلاثتهم لأنهم كانوا انهزاميين حتى اللحظة الأخيرة .

فيما الأسرى استجابوا لصرخة " كنفاني " ودقوا وبقوة جدران الخزان مراراً من شدة خطر الاعتقال الإداري، وسيدقوا الجدران صباح مساء ولم ولن يموتوا كما مات أبطال رواية كنفاني الشهيرة "رجال في الشمس" وكما قالوا في رسالتهم "الموت بكرامة أهون علينا ألف مرة من الحياة بذل والبقاء في الاعتقال الإداري إلى ما لا نهاية ودون تهمة أو محاكمة".

والحراك النضالي داخل السجون مهم ومؤثر، ويتعزز ويتفاعل، و المساندة خارج السجون يزداد حجمها وتتسع رقعتها، وهي فيما لو استمرت وتصاعدت ستشكل عامل ضغط على سلطات الاحتلال، لكننا بحاجة لمزيد من الجهد داخل وخارج السجون.

والواجب الوطني والشرعي والأخلاقي والإنساني يتطلب منا جميعا كفلسطينيين وعرب ومسلمين و أحرار العالم كافة ودعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان، دعمهم ومساندتهم والبحث عن توفير وتعزيز سبل صمودهم، وعوامل استمرار إضرابهم، وعناصر تحقيق الانتصار في إلغاء الاعتقال الإداري أو على الأقل الحد من تأثيره وسوء استخدامه من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي.