الوفاق الوطني والقانون الأساسي

بقلم: هاني المصري

مضى على "إعلان مخيم الشاطئ" أكثر من شهر. والأيام القادمة ستشهد تشكيل حكومة الوفاق الوطني من دون إصدار مرسوم رئاسي حول تشكيل الحكومة حتى الآن، وآخر حول تحديد موعد لإجراء الانتخابات التي اتفق على إجرائها بعد ستة أشهر على الأقل. وهذا وذاك مخالف للقانون الأساسي.

المشاورات لتشكيل الحكومة لا يقوم بها رئيس الوزراء المكلف، لا عندما كان الرئيس نفسه هو المكلف وفقًا لـ "إعلان الدوحة"، ولا عندما كلف الرئيس رامي الحمد الله شفويًا برئاسة الحكومة، بل تجري المشاورات بين عزام الأحمد ووفد من "حماس" برئاسة موسى أبو مرزوق، أما رئيس الحكومة القادم فهو سيحصل على حكومة جاهزة مباشرة تمامًا مثلما ترأس حكومة سلفه سلام فياض بتعديلات طفيفة.

طبعًا، الرئيس هو الذي يقرر في نهاية الأمر، فالحكومة كما أعلن حكومته وبرنامجها برنامجه، وهو الذي سيصادق على تشكيلها.

يضاف إلى ذلك أن الحكومة لن تحصل على الثقة من المجلس التشريعي كما ينص القانون الأساسي، وإنما من الرئيس، وسيُدعى المجلس للانعقاد وفقًا لـ "إعـلان الشاطئ" بعد شهر على تشكيل الحكومة. وهناك خلاف في التصريحات حول: هل سيقوم بمنح الثقة للحكومة مرة أخرى؟، وهذا مستبعد لأن تأجيل عقد المجلس التشريعي يهدف إلى توفير أجواء إيجابية وتمرير الحكومة، لأنها إذا تعرضت لامتحان الحصول على الثقة من التشريعي فإنها تجازف وتتعرض لاحتمال حجب الثقة عن الحكومة بشكل عام أو عن وزراء، نتيجة أن "حماس" لديها أغلبية، وتستطيع من خلالها أن تتحكم بالحكومة إذا أرادت.

كما أن حصول الحكومة على الثقة من الرئيس لا من المجلس التشريعي يستهدف نزع الذريعة من أيدي الكونغرس الأميريكي، الذي يمكن أن يضغط على الإدارة الأميركية لوقف المساعدات عن السلطة التزامًا بالقانون الأميركي، الذي يمنع تقديم مساعدات لحكومة يشارك فيها أو يؤثر عليها أحزاب مصنفة "إرهابية" مثل "حماس".

إن هذه النقطة قد تؤدي إلى نوع من التجميد للمجلس، واعتماد التوافق عند إصدار القوانين؛ حتى لا يتم وقف المساعدات الأميركية ووقف التحويلات الجمركية التي تجمعها الحكومة الإسرائيلية.

التفسير لكل الاختراقات السابقة وغيرها للقانون الاساسي أن المصلحة الوطنية التي يجسدها الوفاق الوطني تقتضي ذلك، وأنها فوق القانون الأساسي الذي كان أحد ضحايا الانقسام، وسيظل كذلك إلى أن تتوحد المؤسسات والأجهزة الأمنية والوزارات والقضاء ... إلخ.

نعم إن المصلحة الوطنية المعبر عنها بوفاق وطني تعلو على كل شيء شريطة أن يكون وفاقًا وطنيًا حقيقيًا وليس محاصصة فصائلية ثنائية أو جماعية، ولكن هذا لا يبرر كل هذه الانتهاكات التي حصلت.

هل تحول المصلحة الوطنية دون إصدار مرسوم رئاسي يكلف رئيس الوزراء بتشكيل الحكومة، ويحدد الأهداف التي ستعمل من أجل تحقيقها، والمعايير التي تستند إليها؟ بحيث يقوم رئيس الوزراء المكلف بالتشاور مع الكتل النيابية والقوى وبقية مكونات المجتمع المدني ومع القطاع الخاص، ويرى أفضل الصيغ لتشكيل الحكومة؛ حتى تكون حكومة وفاق وطني وتراعي الأصول والقانون. ووصلت المسألة إلى حد أن كل أو معظم الوزراء المرشحين للمشاركة في الحكومة القادمة لم يتم سؤالهم عن استعدادهم للمشاركة بحجة أنهم تمت مشاورتهم في العام 2012.

لقد استمعنا لتصريحات من أعضاء من اللجنة المركزية لحركة فتح بعد اجتماعها الأخير، جاء فيها: أن المركزية لم تعرض عليها الأسماء المقترحة، واستمعنا إلى تصريحات من الجبهتين الشعبية والديمقراطية جاء فيها: أنهما لم تشاركا في المشاورات، وأن المشاورات ثنائية، ولاحظنا أن بقية الفصائل والشخصيات المستقلة تحولوا إلى مراسلين وناطقين باسم الرئاسة أو باسمي عزام الأحمد وموسى أبو مرزوق، ودورهم يكاد أن ينحصر بمحاولة زج اسم في الحكومة القادمة، أو تقديم قائمة كاملة لإرضاء النفس، والإيحاء بلعب دور أساسي في تشكيل الحكومة، وذلك بدلًا من لعب الدور المفترض في تصويب أو تطوير برنامج الحكومة ومعايير تشكيلها، واتخاذ المواقف التي تساعد على خروج الحكومة بأفضل شكل، لا إخبارنا بأخبار منتشرة في كل وسائل الإعلام حول: أين وصلت المشاورات، وهل سيرأس الرئيس الحكومة أم الحمد الله؟

كل ما سبق ناجم عن أن المصالحة أتت كجسر لعبور الأزمة التي تمر بها حركتا "فتح" و"حماس" أكثر من كونها خطوة أو وسيلة لتوفير أفضل الشروط لمواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد القضية والشعب الفلسطيني؛ بدليل أنها ركزت على الخطوات الإجرائية وتجاهلت أو أجلت القضايا الجوهرية.

يضاف إلى ما سبق ويعمقه، أن السلطة مرتهنة لاتفاقيات مجحفة ولمساعدات لا تقدم مجانًا، بل مقابل ثمن باهظ مثل الالتزام بشروط الرباعية الظالمة، بحيث أن معيار الحكم على أي خطوة يجب أن يكون من مدى قدرتها على المساعدة على الخلاص من هذا الوضع، الذي لا يمكن أن يقود استمراره إلى استقلال وحرية ولا إلى عودة ولا تقرير مصير.

في هذا السياق، فإن الحكم على "إعلان الشاطئ" والخطوات القادمة يتحدد من خلال مدى تكريسها للوضع القائم، وهل أن أقصى ما يمكن أن تؤدي إليه، من دون ضمان ذلك، هو تحسين حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال والحصار، أم ستساعد في شق مسار جديد قادر على إنهاء الاحتلال، وإنجاز الحرية والعودة والاستقلال، وتقرير المصير للشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده، وليس في الضفة الغربية وقطاع غزة فقط؟

الجبهة الشعبية خارج المنظمة

إذا صحت الأنباء حول اعتبار الجبهة الشعبية خارج المنظمة، وقطع حصتها من الأموال الشهرية على خلفية انسحاب وفدها من الجلسة الأخيرة من جلسات المجلس المركزي، احتجاجًا على تضمين البيان الختامي فقرة تسمح باستئناف المفاوضات؛ فإن هذا موقف خطير وغير مسبوق، وتوقيته غريب جدًا، إذ إنه يحدث في أجواء المصالحة التي من المفترض أن تفتح الطريق لوحدة وطنية حقيقية على أساس شراكة سياسية حقيقية.

وفي هذه المناسبة، لا بد من توضيح أن المشاركة في السلطة، وتحديدًا في الانتخابات الرئاسية والتشريعية، لا تعني تلقائيًا الموافقة على "اتفاق أوسلو" وإفرازاته، كما يروج ويطالب البعض، وإنما ممارسة لحق طبيعي. صحيح أنها تعكس نوعًا من التعايش مع الأمر الواقع، ولكن المشاركة يمكن أن تعني إما القبول وتكريس أوسلو، أو يمكن أن تكون محاولة للتخلص منه بشكل سلمي وقانوني.

لو كان هناك شرط على كل مشارك في الانتخابات أن يوافق على أوسلو، عندها يطالب كل منتخب  بالالتزام بما تعهد به، وما دام هذا الشرط غير موجود، ووجوده يعتبر ضربًا للديمقراطية بالصميم، فلا يحق لأحد أن يتهم الجميع من أعضاء المجلس التشريعي بالموافقة على أوسلو في وقت يعلن  معظم الأعضاء رفضهم له، وما يمنعهم من وضع معارضتهم موضع التنفيذ أن السلطة مرتهنة وأسيرة للاتفاقات والمساعدات، ما يجعل التخلص من أوسلو مهمة صعبة ولكنها واجبة، وإن لم تكن ممكنة في ضربة واحدة وفورًا، فلا بد من العمل لإنجازها خطوة خطوة وبالتدريج وبأسرع وقت وبأقل التكاليف.

كل ما سبق يؤكد بوضوح الحاجة الملحة إلى المراجعة الشاملة واستخلاص الدروس والعبر ووضع إستراتيجيات مناسبة للتحرر الوطني، ووضع الانتخابات وكل شيء في سياق خدمة هذه الإستراتيجيات التي تحقق المصلحة والأهداف الوطنية.