الجدار العازل، جدار الفصل العنصري، ذلك الجدار الإسمنتي الرمادي الذي يخترق الأرض الفلسطينية بطول 650 كيلو متر وبعمق يتراوح بين 23 ـ 300 كيلو متر وبحيث يتوغَّل فيها لمسافة تصِل إلى عشرين كيلو مترًا، بحيث يصل 85% من مساره في داخل مناطق الضفة الغربية. ويفصل المحافظات الشمالية الواحدة عن الأخرى، ليحولها إلى كنتونات متناثرة، وبالتالي عدم القدرة على إنشاء دولة فلسطينية ذات حدود وسيادة وخالية من المستوطنات والمستوطنين .
علينا ألا ننخدع بالتبريرات الإسرائيلية حول أسباب بنائه، فالسبب الأمني ليس هو الأساس، إذا علمنا أن فكرته قد جرى تداولها ونقاشها على أوسع نطاق داخل المؤسسة السياسية العسكرية الصهيونية، بعد احتلال الضفة والقطاع عام 1967 ، وكان أول من طرحها " بنحاس سبير " الذي اقترح حدودا قابلة للدفاع عنها، فيما كتب " دوري جولد " كبير مستشاري شارون " إن الجدار الفاصل سيتطور كي يصبح سوراً سياسياً دائماً" .
وتعتبر مدينة قلقيلية الشاهد الواضح وأفضل مثال من مدن الضفة التي عزلت تماماً بفعل الجدار، وأصبح متعذراً الدخول أو الخروج منها إلا عبر بوابة واحدة يحرسها الجيش الإسرائيلي. وهذه المنطقة مع الأراضي المحيطة بها.
وفيما تعتبر قلقيلية بحق سلة خبز الضفة الغربية، وبالتالي يدمر الجدار هذا النمو والمخزون الزراعي والغذائي، ويضاف ذلك إلى النتائج التدميرية للجدار مثل الاستيلاء على مخزون المياه الجوفية، وتوفير عمق استراتيجي لــ (إسرائيل) مما تعمل به على تأمين الحدود الشرقية والداخلية، وأيضا تحقيق متطلبات المساومة السياسية " اللاجئين بالمستوطنين"، وفي النهاية ستكون الكارثة وهي تدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الفلسطينية، والجدير ذكره أنه حتى العام 2009 تم بناء حوالي 60% من الجدار. ولكن منذ نوفمبر 2007م توقفت تقريباً جميع الأعمال المتعلقة بالجدار، بحيث كانت الخطة تقضي بأن ينتهي بناء الجدار بالكامل في نهاية 2010م، بعد الانتهاء من المراحل الأربعة لخطة بناءه، وتستكمل خطة عزل المواطنين الفلسطينيين العرب في القدس وطردهم من أماكن سكناهم وحصارهم بالجدار وبالتالي التهويد والعزل الكامل للقدس وإغراقها بالمستوطنين .
أما الأخبار التي تم تداولها عن الإنسحاب الاسرائيلي الأحادي الجانب من الضفة الغربية في ظل جدار الفصل العنصري الذي عمل على تحويل الضفة الغربية إلى سجن كبير، فقد جاءت هذه التصريحات الإسرائيلية بعد إفشال (إسرائيل) للمفاوضات والتي انتهت في نهاية شهر ابريل الماضي، وهذا الانسحاب مخادع في المصطلح المستخدم له لأن (خطة الانسحاب) تعني انه لن تشهد رحيلا للجيش الإسرائيلي من كل مناطق الضفة الغربية ولن تشهد تفكيكا للمستوطنات. وبذلك يعتبر اكتمال بناء الجدار ضربة مدوية لقضايا الحل النهائي المتمثلة في القدس والحدود والمستوطنات مما يثير العديد من التساؤلات حول النوايا الإسرائيلية من مسألة الانسحاب الأحادي الجانب .
وهنا يمكن العودة إلى صحيفة( يديعوت احرنوت) بتاريخ 31-10-2003م حيث ورد فيها : " إن الأمن ليس سوى ذريعة واهية لبناء الجدار وان حكومة شارون تخفي ورائها دوافع أخرى حقيقية على رأسها مصادرة الأراضي وزيادة معاناة الشعب الفلسطيني لإخضاعه ."
واليوم تأتي أهمية إنهاء الانقسام، والوصول إلى المصالحة الفلسطينية وتوحيد المؤسسات وحكومة واحدة والتحرك الفلسطيني الجاد على المستوى القيادي والفصائلي والمؤسساتي والشعبي لمواجهة المخططات الإسرائيلية على الصعيدين الميداني والسياسي، وتفويت الفرصة على الاحتلال للتفرد بشعبنا الفلسطيني .
ملاحظة /
- يعتبر جدار الفصل العنصري إنتهاك فاضح ومقصود للاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية و(إسرائيل) في 28 أيلول (سبتمبر) 1995 والتي تنص على منع أي من الأطراف من اتخاذ أي خطوة تغير من وضع الضفة الغربية وقطاع غزة التي تترتب عليه محادثات الوضع النهائي اعتبار الضفة الغربية وقطاع غزة منطقة موحدة يحافظ على سيادتها خلال الفترة الانتقالية.
- في 9 تموز 2004 أصدرت محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري بشأن جدار الفصل بناء على طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقضت بأن (إسرائيل) تنتهك القانون الدولي باستمرارها العمل على بناء الجدار الفاصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.