حلقة أخرى من إشغالات الرئيس عباس لأبناء الشعب الفلسطيني في كل مكان، سلاح يلجأ إليه مع كل مأزق سياسي أو وطني يمر به على مدار سنوات حكمه للتغطية على جرائم سياسية فادحة إرتكبها ولا زال في طريقه نحو المزيد والمزيد ما لم يجد له رادعاً وطنياً يوقف حالة التدهور الحاصل على المستوىات الوطنية والسياسية.
قبل أيام فقط أعلن عباس أمام وفد من الطلبة الإسرائيليين نيته العودة إلى المفاوضات إذا وافقت إسرائيل على وقف الإستيطان مدة ثلاث أشهر، وأن التنسيق الأمني مستمر ومقدس ضارباً بعرض الحائط "كل الخيارات" التي تحدث عنها أمام الشعب وأمام المجلس المركزي بعد أن صفعته إسرائيل إلى حدّ الإذلال، وتراجع عن شرط الإعتراف بحدود الدولة الفلسطينية إلى جانب شرط وقف الإستيطان بالكامل قبل العودة إلى المفاوضات مع إسرائيل، وتجاهل خلاصة تجربة عشرين عاماً من المفاوضات وعدم رغبة إسرائيل في صناعة السلام مع الشعب الفلسطيني.
وقبل أيام فقط وجه عباس ضربة جديدة لمواقف كل الحركة الوطنية الفلسطينية وموقفها من ترشيحات بعض الوزراء الفاسدين المشكوك في ولائهم الوطني لتولي حقائب وزارية في حكومة الوفاق الوطني، مؤكداً على نفس مقدساته وثوابته التي يكررها دائما " أن الحكومة حكومته، وهي ملتزمة بالإتفاقات الموقعة مع إسرائيل، وملتزمة ببرنامجه السياسي" رغم أن هذه الحكومة تحديداً هي حكومة وافق وطني كما أشيع عنها وهي ذات مهام محددة متعلقة بالترتيب لمرحلة الإنتخابات وتقديم الخدمات للجمهور.
جانب من إشغالات الشعب الفلسطيني كان قبل التوجه إلى الأمم المتحدة لتوقيع بعض الإتفاقات الدولية، عندما خرجت جوقة التضليل الإعلامي مدّعية أن حياة الرئيس في خطر جراء تهديدات الإسرائيلية "تسيفي ليفني" ثم محاولات تسويقه كأحد أبطال الصمود في وجه السياسات الإسرائيلية – الأمريكية ليسقط هذا الإدعاء على عتبات قصور قطر، وعلى عتبات التجربة السياسية مع هذا الرجل.
الآن وبعد فشل فريق التضليل الرئاسي في التغطية على فضيحة مقدسات التنسيق الأمني والعودة إلى المفاوضات والتمسك بعناوين الفساد في حكومة الوفاق الوطني التي يبتز "حماس" والفصائل قبل تشكيلها، لجأ إلى حركة فتح التي كانت المتضرر الأول من سياسات عباس، ليوجه لها لكمة جديدة بمصادقته على قرار فصل قادة تاريخيين في هذه الحركة، ويشغل الساحة الفتحاوية والوطنية عن خطورة ما أعلن عنه قبل أيام في موضوعات التنسيق الأمني والمفاوضات والتشكيلة الحكومية، ويستفيد إلى أقصى درجة من هذه الحالة في مخادعة الجميع وتمرير ما يريد.
عباس يحاول تدجين كل أطراف الحركة الوطنية إن لم يكن قد فعل ذلك، وقد كشفت التجربة أنه لا يحتمل أي رأي مخالف له سواء داخل حركة فتح أو خارجها، وإستطاع حتى الآن أن يقتل الحياة الديمقراطية الفلسطينية ويعطل كل مؤسسات صنع القرار السياسي لصالحه، فقد تحول إلى ديكتاتور صغير يمارس البلطجة السياسية والهيمنة على كل مفاصل النظام السياسي، فهو يستخدم القضاء والفصائل والمجلس المركزي واللجنة المركزية لفتح واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ويحاول الآن إستخدام حركة حماس وإبتزازها لأقصى درجة مستغلاً حاجة الشعب الفلسطيني لإنهاء الإنقسام وحاجة حماس لتغطية رواتب موظفيها، ليضع الجميع أمام برنامجه السياسي الحقيقي المتمثل في التنسيق الأمني والمفاوضات وشطب كل البدائل السياسية والكفاحية المفترضة من خيارات الشعب الفلسطيني.
الحركة الوطنية الفلسطينية وفي مقدمتها حركة فتح يجب أن تخرج من حالة الدهشة والصمت جراء ممارسات عباس، عليها أن تعترف أنها أمام أغرب نظام سياسي في الكون، سلطة تحت الإحتلال تستكين لوقائعه المفروضة والمتفق عليها، وعلى رأس هذه السلطة ديكتاتور يناور تحضيراً لمصيبة سياسية أبرز ملامحها كانت خطة وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري".
قلنا سابقاً أن الشعب الفلسطيني أفشل مشاريع لتوطين اللاجئين الفلسطينيين، وأفشل مشروع روابط القوى كبديل عن الحركة الوطنية، وبكل تأكيد ستقف جماهير الشعب الفلسطيني بكل غضب أمام محاولات مسخ الهوية الوطنية والتفريط بالحقوق حتى وإن وقفت رموز هذا المشروع على رأس نظام سياسي هشّ، واختبأت خلف منظومة أمنية قمعية تظن أن مقارعتها أصعب من مقارعة جيش الإحتلال.
[email protected]