السيادة.. نشأتها ومظاهرها

بقلم: حنا عيسى

قيام الدولة المعاصرة بأركانها الثلاثة: الشعب، والإقليم، والسلطة السياسية، يترتب عليه تميزها بأمرين أساسيين؛ الأول: تمتعها بالشخصية القانونية الاعتبارية، والأمر الثاني: كون السلطة السياسية فيها ذات سيادة، ولأهمية السيادة في الدول فقد جعلها البعض الركن الثاني من أركان الدولة.

ومبدأ السيادة بات من المبادئ المسلم بها في القانون الدولي المعاصر، بل ومن المبادئ الرئيسية التي يقوم عليها النظام الدولي الحالي، وتعتبر السيادة هي المعيار الحقيقي للدولة حيث إن الدول تشترك مع بعض أشخاص القانون الأخرى في بعض الخصائص فهي ليست وحدها التي لها سكان وإقليم (فهناك الولايات والأقاليم التابعة الأخرى) وليست وحدها ذات اختصاصات دولية (فهناك المنظمات الدولية)، وليست وحدها ذات فعالية على مستوى العلاقات الدولية بوجود المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية والشركات عبر الوطنية.

*تعريف السيادة:

السيادة: هو مبدأ القوة المطلقة غير المقيدة. ويستخدم مصطلح السيادة بصورتين مختلفتين - وإن ظلتا مترابطتين- للإشارة إلى السيادة الداخلية والسيادة الخارجية، ففي حين ترتبط الثانية بوضع الدولة في النظام الدولي ومدى قدرتها على التصرف ككيان مستقل(مفهوم السيادة الوطنية أو الدولة ذات السيادة)، فإن السيادة الداخلية تشير إلى القوة أو السلطة العليا داخل الدولة ممثلة في الهيئة صانعة القرارات الملزمة لكافة المواطنين والجماعات والمؤسسات داخل حدود الدولة.

والسيادة هي وصف للدولة الحديثة، يعني أن يكون لها الكلمة العليا واليد الطولى على إقليمها وعلى ما يوجد فوقه أو فيه، وعرفت أيضاً بأنها: "السلطة العليا المطلقة التي تفردت وحدها بالحق في إنشاء الخطاب الملزم المتعلق بالحكم على الأشياء والأفعال".

*نشأة السيادة:

السيادة بمفهومها المعاصر فكرة حديثة نسبياً مرت بظروف تاريخية، حيث كان السائد أن الملك أو الحاكم يملك حق السيادة بمفرده، ثم انتقلت إلى رجال الكنيسة فكانت سنداً ودعماً لمطامع البابا في السيطرة على السلطة، ثم انتقلت إلى الفرنسيين ليصوغوا منها نظرية السيادة في القرن الخامس عشر تقريباً أثناء الصراع بين الملكية الفرنسية في العصور الوسطى لتحقيق استقلالها الخارجي في مواجهة الإمبراطور والبابا، ولتحقيق تفوقها الداخلي على أمراء الإقطاع. وارتبطت فكرة السيادة بالمفكر الفرنسي "جان بودان" الذي أخرج سنة 1577م كتابه: الكتب الستة للجمهورية، وتضمن نظرية السيادة، وفي 26 أغسطس 1879م صدر إعلان حقوق الإنسان الذي نص على أن السيادة للأمة وغير قابلة للانقسام ولا يمكن التنازل عنها، فأصبحت سلطة الحاكم مستمدة من الشعب، وظهرت تبعاً لذلك فكرة الرقابة السياسية والقضائية لتصرفات السلطة التنفيذية.

وقرر ميثاق الأمم المتحدة مبدأ المساواة في السيادة بأن تكون كل دولة متساوية من حيث التمتع بالحقوق والالتزام بالواجبات مع الدول الأخرى الأعضاء في الأمم بغض النظر عن أصلها ومساحتها وشكل حكومتها، إلا أن الدول الخمس العظمى احتفظت لنفسها بسلطات ناقضة بذلك مبدأ المساواة في السيادة، وقد حل محل كلمة السيادة في العرف الحديث لفظ استقلال الدولة.

*مظاهر السيادة في الدولة:

 المظهر الخارجي: ويكون بتنظيم علاقاتها مع الدول الأخرى في ضوء أنظمتها الداخلية، وحريتها في إدارة شئونها الخارجية، وتحديد علاقاتها بغيرها من الدول وحريتها في التعاقد معها، وحقها في إعلان الحرب أو التزام الحياد. والسيادة الخارجية "مرادفة للاستقلال السياسي، ومقتضاها عدم خضوع الدولة صاحبة السيادة لأية دولة أجنبية، والمساواة بين جميع الدول أصحاب السيادة، فتنظيم العلاقات الخارجية يكون على أساس من الاستقلال"، وهي تعطي الدولة الحق في تمثيل الأمة والدخول باسمها في علاقات مع الأمم الأخرى.

المظهر الداخلي: ويكون ببسط سلطانها على إقليمها وولاياتها، وبسط سلطانها على كل الرعايا وتطبيق أنظمتها عليهم جميعاً. وينبغي أن تكون سلطة الدولة على سكانها سامية وشاملة، وألا تعلو عليها سلطة أخرى أو تنافسها في فرض إرادتها.

*اقسام الدولة من حيث السيادة:

القسم الأول: دول ذات سيادة كاملة لا تخضع ولا تتبع في شؤونها الداخلية أو الخارجية لرقابة أو سيطرة من دولة أخرى، ولها مطلق الحرية في وضع دستورها أو تعديله.

القسم الثاني: دول منقوصة السيادة لا تتمتع بالاختصاصات الأساسية للدولة لخضوعها لدولة أخرى أو تبعيتها لهيئة دولية تشاطرها بعض الاختصاصات، كالدول التي توضع تحت الحماية أو الانتداب أو الوصاية وكالدول المستعمرة. وهذا الاستقلال أو التبعية لا يؤثران على وجود الدولة الفعلي، وهو ليس تقسيماً مؤبداً بل هو قابل للتغيير والتبديل تبعاً لتغير ظروف كل دولة.

*الآثار القانونية المترتبة على مبدأ السيادة:

لا يمكن حصر المبادئ والقواعد التفصيلية النابعة من مبدأ السيادة، ولكن يمكن ذكر بعضها بإيجاز:

- المساواة في السيادة: يترتب على مبدأ السيادة كذلك أن الدول متساوية قانوناً، إذ ليس هناك تدرج في السيادات بان تكون هناك سيادة أعلى من أخرى، ومعنى ذلك أن الحقوق والواجبات التي تتمتع بها الدول متساوية من الناحية القانونية حتى وان كان هنالك فروق بين الدول من ناحية الكثافة السكانية والمساحة الجغرافية والموارد الاقتصادية ودرجة التقدم العلمي والتقني ومدى القوة العسكرية وإلى غير ذلك من الفروق.

-  عدم جواز التدخل في شؤون الدول الأخرى حيث يحظر القانون الدولي تدخل أية دولة في شؤون الدول الأخرى إذ كل دولة حرة قي اختيار وتطوير نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي دون التدخل من دولة أخرى.

-  حرمة الإقليم - حق السلامة الإقليمية.

-  حرية التصرف في المجالات التي لا توجد بشأنها قواعد قانونية دولية ويعنى ذلك عدم تعارضها مع القانون الدولي.

-  القيود على السيادة لاتفترض- الشك دائما يفسر لصالح السيادة.

-  الأصل أن ما تقوم به الدولة مشروع- افتراض صحة أعمال الدولة.

-  الأصل انه لا شئ يقيد الدولة إلا ما قيدت به نفسها.