إسرائيل لن تقبل بحكومة تمثل غزة مهما كانت، لماذا ؟

بقلم: رائد موسى

إسرائيل ومنذ احتلالها لغزة عام 1967 وإنشاء لما أصبح يسمى "قطاع غزة" كإقليم جغرافي سياسي له خصائص معينة، وهي تسعى للتخلص منه فقد حاولت تسليمه للرئيس المصري الراحل السادات ابان مفاوضات كامب ديفيد عام 1978 ولكنها فشلت في ذلك لوعي مصر بالمخطط الإسرائيلي للتخلص من قطاع غزة بدون حل عادل أو متفق عليه مع أصحاب الحق أو متوافق مع الشرعية الدولية، ثم جاءت مفاوضات أوسلو والتي حرصت القيادة الفلسطينية على اعتبار الضفة وغزة وحدة جغرافية واحدة لأراضي السلطة الفلسطينية بالمرحلة الانتقالية تمهيدا لإقامة الدولة الفلسطينية على كل أراضي الـ67، والدليل على ذلك انه تكاد ألا تخلو فقرة من فقرات اتفاق أوسلو عن التأكيد على اعتبار الضفة وغزة وحدة مناطقية واحدة، إلى أن جاءت خطوة إعادة الانتشار أحادي الجانب عام 2005 والتي تطلق عليها إسرائيل "خطة الانفصال" ويطلق عليها إعلامنا وبشكل خاطئ "خطة الانسحاب" فبطبيعة الحال ان الاحتلال الإسرائيلي لم يقوم سوا بإعادة نشر قواته المسيطرة على قطاع غزة من سيطرة برية مباشرة إلى سيطرة بوسائل أكثر تكنولوجية وأكثر فاعلية وبتكلفة اقل من حيث المخاطرة البشرية بشكل أساسي، مما أدى إلى نزاع على حكم غزة نتج عنه سيطرة حركة حماس بالقوة على غزة، مما وفر الفرصة الذهبية لإسرائيل بالتخلص بشكل شبه كامل من أعباء وحقوق قطاع غزة إن لم يكن الانقسام الفلسطيني هو أصلا مخطط إسرائيلي اشتغل عليه الاحتلال منذ زمن، وهنا نتوقف لنتسائل ما هي أهم أعباء قطاع غزة على الاحتلال والتي يريد التخلص منها ويعتبر ذلك هدف استراتيجي أساسي ذو أولوية بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني ؟

قطاع غزة يعتبر ثاني أعلى كثافة بشرية على وجه الأرض إن لم يكن أصبح الأول بنسبة 5000/كلم، ويمثل اللاجئون ما نسبته 68% من سكانه وإقليم جغرافي شحيح الموارد ويزداد سكانه بنسبة ولادات مرتفعة جدا، ويعيش سكانه بشكل أساسي على المساعدات الدولية ولو استمرت المساعدات الدولية فلن يتسع لأبنائه، ومياهه ما عادت تكفي، وحتى مياه صرفه الصحي ونفاياته بحد ذاتها أزمة، فما تأثير كل ذلك على الاحتلال ؟

ان الحل الطبيعي لهذه الإشكاليات هو تمدد سكان غزة باتجاه محافظاتهم للدولة المنتظرة (للضفة) وهنا يكمن الخطر على المشروع الصهيوني، فالاحتلال يسعى لملئ الضفة بمستوطنيه، مشروعه الصهيوني يسعى لجمع يهود العالم في ارض فلسطين وخصوصا في ما تبقى من متسع في أراضي الضفة فلذلك تكافح إسرائيل من اجل قطع أي صله لغزة وسكانها بباقي أراضي فلسطين وتسعى بشتى الوسائل والسبل ليتمدد سكان غزة باتجاه مصر من خلال تسهيلات مصرية واسعة لأهل غزة في سيناء بشكل خاص، وان وقف الرئيس المصري القادم بوجه مشروعهم لن تتردد إسرائيل بتدبير اغتياله، فخطر الانفجار الديموغرافي لغزة هو اشد خطر يهدد المشروع الصهيوني، فلذلك أي حكومة فلسطينية تتشكل ومهما التزمت من شروط ومهما كان شكلها ستبحث إسرائيل عن الذرائع لرفضها وعدم منحها أي تسهيلات توحد الشعب وتفتح له طرق التنقل والتواصل وستواصل إسرائيل منعها لأهل غزة في لم الشمل وفي الدراسة في جامعات الضفة وفي حقهم بالصلاة في القدس وزيارة مقدساتهم، ومنعهم من استخدام معبر الكرامة، فستبقى هوية غزة لها معاملة غير هوية الضفة، وستبقى تعامل إسرائيل غزة كأرض أجنبية حتى لو تبخرت حركة حماس وحتى لو طلبنا من إسرائيل أن تأتينا بحاكم يهودي لغزة، لن تتنازل إسرائيل وتفتح لنا صمام الانفجار الديموغرافي نحو عمقنا في ارض فلسطين، فلذلك على القيادة الفلسطينية أن تتخذ موقف حازم وصارم من التمييز في التعامل حسب العنوان، ويفترض ان يغير الفلسطيني عنوانه متى ما يشاء كما كفلت ذلك اتفاقية أوسلو والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومن الخطأ الفادح ان يحرم حامل عنوان غزة من حقه باستخدام معبر الكرامة في أريحا وعلى الأردن أن تساعدنا في ذلك، ونعود لنذكر هنا بأن اتفاقية المعابر 2005 والتي عانى منها أهل غزة بسبب انقلاب حماس على السلطة والتزاماتها، بأنها اتفاقية معابر وليس معبر رفح فقط ذلك يعني ان المواطن يريد حقوقه فيها بحقه بالحركة كأفراد ونقل بضائع من والى الضفة وان يكون له ميناء ومطار.

وهنا نتسائل هل الاحتلال الإسرائيلي مستعد للقبول بحكومة تمثل غزة فتزول ذرائعه باستمرار انتهاكاته لما ذكرنا من حقوق ؟

لن يقبل الاحتلال بأي حكومة تمثل غزة ولكنه لن يكسرها أيضا فسيتجمل عليها بجزء طفيف من الحقوق وبشكل خاص المالية لتمنحه الأمن وتتحمل أعباء حكمنا لذاتنا تحت سيادة الاحتلال.