تحولات عربية مهمة على المستوى الفلسطيني المصري السوري

بقلم: عباس الجمعة

أنهى الفلسطينيون عملياً صفحة الانقسام بأداء حكومة التوافق الفلسطينية، اليمين الدستورية أمام الرئيس محمود عباس (أبو مازن) في خطوة مهمة لاستعادة الوحدة الوطنية بين كافة مكونات الشعب الفلسطيني، وهو الأمر الذي باركته أوساط داخلية ودولية، فقد تمثلت هذه الخطوة بضرورة إنهاء الانقسام وإتمام ملف المصالحة ، مما يتطلب من الحكومة اعطاء أولوياتها تعزيز صمود الشعب الفلسطيني ، ومعالجة كل أخطاء وسلبيات المراحل السابقة، والنأي عن كل ما من شأنه خلق أجواء من التوتر والتشنج والاحتقان بين أبناء الشعب الفلسطيني.

فالمنطقة العربية، تعيش هذه الأيام، مرحلة هامة من تاريخها، ما يميزها هو المواجهة والصراع بين مشروعين: الأول هو المشروع الأميركي ـ الاسرائيلي الذي يستهدف إعادة تكوين المنطقة تحت شعارات مختلفة، أبرزها شعار الشرق الأوسط الجديد، واستهداف القضية الفلسطينية بوجودها، تحت غطاء السلام الأميركي الذي يحتضن الدولة الصهيونية ويتآمر على حق شعب فلسطين بالعودة وحقه التاريخي بدولته المستقلة وعلى قاعدة الغاء قضية فلسطين واستبدال الصراع مع الكيان الصهيوني بافتعال صراعات بديلة وعلى الأسس العرقية والطائفية والمذهبيه.

ومن هنا نحن نبارك تشكيل حكومة التوافق الوطني من اجل انهاء ملف الإنقسام وتحقيق المصالحة الوطنية، ولكن كنا نتمنى ان يكون في هذه الحكومة وزارة شؤون الاسرى باعتبار قضية الاسرى تحتل اولوية كافة القوى والفصائل ، ورغم ذلك نتطلع الى ان تأخذ حكومة الوفاق طريقها نحو العمل على تلبية ما يسعى له الشعب الفلسطيني،من ترجمة وتطبيق لاتفاق المصالحة ،وليس مصلحة هذا الفريق او ذاك ، لان المصالحه يجب ان تترجم على الأرض، من خلال بلورة إستراتيجيه جديدة وبرنامج يجسد القواسم المشتركة، والاتفاق على أسس الشراكة السياسيّة الحقيقيّة، وإعادة بناء وتوحيد الأجهزة الأمنية، وتعزيز المقاومة الشعبيّة من خلال المشاركة الفعالة فيها وتوفير جميع احتياجاتها حتى تصبح حملة واسعة ومستمرة بمواجهة الاحتلال والاستيطان، وعقد اجتماع الإطار القيادي المؤقت للمنظمة كخطوة أولى نحو إعادة تفعيل دورها ، وعدم الخضوع للعقوبات الإسرائيلية والتهديدات الأمريكية التي تضع الحكومة تحت اختبار مطالبة المؤسسات الدولية التدخل العاجل لوقف الإجراءات العقابية لحكومة الاحتلال نظرا لتداعياتها المحتملة على المنطقة، خصوصا ان دولة فلسطين عضو مراقب نالت اعتراف دولي بها كدولة، ومن المفترض التعامل معها على هذا الأساس، واعطاء قضية الاسرى الالوية في اي تحرك، من خلال تحمل الجميع مسؤولياته أمام الأسرى وقضاياهم المشروعة لانهم هم ومن اّمن بالثورة طريقا نحو فلسطين فقدموا التضحيات الجسام في سبيل الحرية والعودة والاستقلال ،وتوفير شبكة أمان عربية ودولية لتوفير أموال تعوض عن القرصنة الإسرائيليّة،اضافة الى تفعيل القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، سواء الجمعيّة العامة أو مجلس الأمن المؤيدة للحقوق الفلسطينية، خصوصا الفتوى القانونية لمحكمة لاهاي ، والسعي لإصدار قرارات أخرى ضد الاستيطان، ومجمل الإجراءات الاحتلالية، بعد اتضاح حقيقة الموقف الإسرائيلي ومعاداته للسلام وتهديده للأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، والانضمام للمزيد من الاتفاقيات الدوليّة وطلب العضوية لكل أو بعض الوكالات الدولية، بما فيها محكمة الجنايات الدولية.

ولهذا نقول هنالك فرصة تاريخية امام الجميع يجب الاستفادة منها الى أقصى مدى ممكن، كما يفعل أعداؤنا في الصراع، فتستكمل سريعا خطوات المصالحة، ما دامت تزعج الولايات المتحدة وحكومة الاحتلال الى هذا المدى، والإسراع في فتح الأبواب على مصراعيها، أمام سائر أوراق القوة التي من شأنها ان تغير ميزان القوى لمصلحة الشعب الفلسطيني، في ظل الصراع الطويل المفتوح، بما في ذلك التمسك بحق العودة، وعدم الاعتراف بيهودية دولة اسرائيل، والعودة الى التمسك مجددا بحق شعب فلسطين، في ممارسة جميع أشكال المقاومة لاسترداد أرضه وحقوقه كاملة.

لقد شكلت الانتخابات المصرية نقطة تحول مهمة على المستوى العربي باعتبارها حدث تارخي لها خصوصيتها عند الشعب الفلسطيني الذي تربطه بمصر علاقة وطيدة علي مستوى القضية والشعب ، واكد الشعب المصري من خلال مشهد الانتخابات الرئاسية وانتخابه الرئيس السيسي انه مارس الحرية بطريقته وقال كلمته في الوقت المناسب، شعبا خرج لتوه من رحم ثورة ابهرت العالم بمواجهة قوى الظلم والاستبداد والاضطهاد والارهاب، حيث شكل مرحلة حاسمة في التاريخ المصري المعاصر، بعد ان خرج المصريون رافعين علم مصر مصطحبين أطفالهم حيث اشتعلت بالبهجة بروحية متفائلة الى حد اليقين الامر الذي يعتبر بداية جديدة لعملية التغيير التي نريد لها ان تتجسد على ارض الواقع فعلاً ، في تحديد بوصلة سياسة مصر الفلسطينية في المرحلة المقبلة.

وامام كل ذلك ايضا شكلت الانتخابات السورية صفعة مدوية في وجه كل القوى المتأمرة على سوريا, إنها خطوات نحو حسم الأزمة السورية بعيداً عن تدخل دعاة الإرهاب، ومساندي فكر الكهوف، وداعمي الصهيونية والعنصرية ، إنه تعبير عن تمسك السوريين بقرارهم السيادي المستقل، رغم ما عانوه من نزف وتهجير، وما حل ببلادهم من تدمير وتخريب متعمد، في ظل أزمة عميقة ضربت سوريا والسوريين، مارس المواطن حقه، واختار رئيسه، وهو يتطلع إلى سوريا المتجددة، الديمقراطية، المعادية للإرهاب ، كل هذه العوامل أسهمت في تأسيس الأرضية المناسبة لقرار التحدي الانتخابي السوري، كما هو تأكيد على موقف سوريا ودورها في دعم خيار المقاومة ومواجهة المشاريع الصهيونية، ورفض التنازل عن اي قطعة ارض عربية محتلة وعن قضية فلسطين، وظلت بجميع إمكاناتها حاضنة لها .

وفي ظل هذه الظروف نرى اهمية استنهاض طاقات الشعوب العربية واحزابها وقواها الوطنية والتقديمية والقومية والديمقراطية في دعم القضية الفلسطينية، لان ثقتنا بشعب سوريا ومصر وتونس والجزائر واليمن والاردن والعراق وليبيا والمغرب وكل شعوب امتنا تستدعي النهوض القومي ومواجهة مقاومة القوى المعادية في ثورات متلاحقة، هذه الشعوب الابية لا يمكن إن يتنكر احد لدورها المقاوم في مواجهة المشاريع الامريكية الصهيونية التي تستهدف المنطقة بهدف تقسيمها الى دويلات عدة متناحرة من خلال التعاون مع قوى ارهابية متسترة بالدين.

ختاما : نحن نثق أن صمود فلسطين وقيادتها وجماهيرها سينتصر، ولكن الحراك والتغير والتعاون من الجميع سيختصر الكثير من التضحيات وسيساهم في اختصار الوقت وتعزيز النتائج، ونتمنى ان يكون هناك انهاء للانقسام وتوحيد لشطري الوطن غزة والضفة وتعزيز ذلك بوحدة وطنية فلسطينية، أساسها العودة الى صياغة استراتيجية وطنية تستند الى المقاومة بأشكالها المختلفة والتمسك بالحقوق الوطنية المشروعه للشعب الفلسطيني في بناء دولته بعاصمتها القدس وحق العودة الى أرضه ودياره التي هجر منها .