فور اعلان القسم الدستوري لحكومة التوافق الوطني والتي انهت 8 سنوات انقسام مريرة على الشعب الفلسطيني انتاب الشباب في قطاع غزة رزمة من دفعات الامل التي غابت عن سنين عجاف عديدة حسب ما يقول الشاب "رمزي".
فقطاع غزة كانت فيه الوان عديدة من الالم والمعاناة بسبب الحصار الاسرائيلي الذي شهد اطباق منقطع النظير في الاعوام الثلاثة الفائتة بعد عملية "عامود السحاب" الاسرائيلية في خريف 2012.
نسبة الشباب في المجتمع الفلسطيني تتصاعد كل يوم، دون معالم واضحة لمستقبل طموح، فحسب ما ذكر المركز الفلسطيني للإحصاء العام الفائت بلغ تعداد الشباب بين الفئات العمرية (15-29 سنة) في الاراضي الفلسطينية 29.9% من إجمالي السكان، يتوزعون بواقع 38.8% في الفئة العمرية (15-19 سنة) و61.2% في الفئة العمرية (20-29 سنة)، وبلغت نسبة الجنس بين الشباب 104.2 ذكور لكل 100 أنثى، علما بان تقديرات عدد السكان في الاراضي الفلسطينية منتصف العام 2013 تشير إلى أن إجمالي عدد السكان بلغ نحو 4.42 مليون.
رمزي البهتيمي في ربيعه الـ(27) يقول وان كان مقننا في تفاؤله وهو يتنفس الصعداء بعد اعلان حكومة موحدة للأراضي الفلسطينية، "انا اعرف ان هناك عشرات الالاف من الوظائف الان في غزة والضفة تم استهلاكها بسبب الانقسام، ولا امل في وظائف لفترة زمنية قادمة ليست بقصيرة، ولكن الان استطيع ان اقول اننا ندخل مرحلة جديدة وان شاء الله يبتسم الحظ الذي تمنع عنا 4 سنوات بعد التخرج."
رمزي الذي درس في قسم "تجارة- انجليزي" بجامعة الازهر في غزة دخل بند البطالة في وكالة الغوث (الأونروا) ثم حكومة حماس بغزة، ولكن ما انتهى من بند البطالة حتى اصبح طريح فرش الجلوس والبيت دون عمل.
يقول رمزي لمراسل "وكالة قدس نت للأنباء"،" لقد منيت بانتكاسة كبيرة، حيث اني متطوع منذ عامين في مركز مختص بالإحصاء بغزة(..) استفيد بعض الخبرة لكني لا احصل الا على التعب والجهد الكبير دون مقابل مذكور او مقبول حتى".
ويعتبر رمزي كسائر الشباب الفلسطيني، اعياهم العمل التطوعي متمنين عودة روح العمل مع اشراقة حكومة فلسطينية وحدت ما انقسم منذ 8 سنوات، "فالصدع كبير، ومطارق التحدي اصبحت اكثر حرارة للشباب الفلسطيني."كما يقول
مرام عامر ابنته الـ (22 عاما) انهت دراستها بصورة متميزة حيث افضت الى التخرج بعد ان قضت 3 اعوام ونصف من الـ4 اعوام الدراسية بالجامعة.
وعن سؤالها ماذا تفعل في هذا الوقت الراهن تقول مرام وهي فتاة بهية الطلعة " لقد اخذت بطالة لمدة عام في وكالة الغوث، ثم لم احصل الا على الكثير من اواني المطبخ لأغسلها من بقايا الطعام"، وتتحدث مرام هكذا بصورة تهكمية بسبب الاوضاع الراهنة، ولكنها لم تخفي بصيص امل وتطلعات ايجابية بحلول الحكومة الوحدوية الجديدة التي ابصرت النور الاثنين الفائت.
ولعل القارئ ينفر من الاطلاع على تقارير مثل هذه بسبب تكدسها على مواقع الانترنت والتي اضحت تعج بمواقع التواصل الاجتماعي، لان الازمات لا تفارق قطاع غزة ولكن اصحابها لا يملون الحديث عن خيبات الامل التي تصيبهم عناء الحصول على فرصة عمل قد تكون متدنية.
صفاء الحسنى(30 عاما) تعمل في صيدلية بمدينة غزة منذ 3 اعوام بعد تخرجها من الجامعة ولم تحصل على فرصة عمل جيدة وتتقاضى ما يعادل 250 دولار امريكي شهريا.
تقول صفاء لمراسل "وكالة قدس نت للأنباء"،" كل يوم نستيقظ من النوم لا نشعر اننا بشر، نحاول اقناع انفسنا بانه يوجد أمل ويجب ان نتعب قليلا في الحياة حتى نحصل على ما نريد ولكن للآسف الاعوام والسنين تذهب سدا هكذا اصبحنا نفضل اشياء سيئة على الحياة في غزة."
وعن شديد سواد وجهة نظرها تقول صفاء وهي شابة كرمزية البشرة صاحبها هامة لافته " انا لا افتقر للتفاؤل والأمل، ولكن نحن نفتقر للحياة اصلا، في الشباب العربي كثير مثلي، هناك صديقي لي في المغرب يتمنى ان يصبح مثلما يطمح."
وعن رؤيتها لحكومة الوحدة الوطنية حديثة الولادة تقول صفاء " لا استطيع الا ان اقول ربنا يجيب الخير معهم ان شاء الله، الواقع لا يساعد، ولكن آمل ان نساعد انفسها على القفز بعيدا ببعض احلامنا وطموحاتنا."
الخبير النفسي والمحاضر الجامعي الفلسطيني رامي الاعرج يقول " لمراسل وكالة قدس نت للأنباء" عبر الهاتف " الواقع الفلسطيني للشباب صعب، والصعاب امام حكومة الوحدة الوطنية اكثر جمود.
لذلك على الجميع ان يحاول تخطي عقبات الاحباط وخيبة الامل، هناك مسؤولية على الجميع، يقول الاعرج والذي يعمل في مجال علم النفس العلاجي والاكاديمي منذ عقدين من الزمان " تأزم حالة الشباب الفلسطيني قاسية للغاية، خاصة في قطاع غزة، لذلك نحاول ان نكون منطقيين في التفاؤل لا يجب ان نلقي حملا كبيرا على حكومة حديثة المنشأ بانها تحمل مصباح علاء الدين(..) الجميع يشعر بالحزن على وضع شباب قطاع غزة ويحاول الجميع صنع اشياء جدية تساعد على رفع هامتهم ، الامل يجعل المستحيل مجازا.
ربما حاول الخبير النفسي الاعرج ان يضمد جراح الشباب بمعطر كلمات ولكن آفة خيبات الامل، ما زالت متلازمة للكثيرين مما فضلوا البقاء في وطن سليب كل شيء عدا الكرامة التي اضحت وحيدة الجسد والنفس.
وادت حكومة التوافق الوطني الفلسطينية اليمين الدستوري الاثنين الفائت امام الرئيس محمود عباس (ابو مازن) في مقر الرئاسة برام الله ، بعد مخاض عسير وطول انتظار منذ توقيع اتفاقا جديدا بين منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس في 23 نيسان/ابريل لوضع حد للانقسام السياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة منذ 2007.
ونص الاتفاق على تشكيل حكومة توافق وطني تضم شخصيات مستقلة من دون تفويض سياسي مكلفة تنظيم انتخابات خلال ستة اشهر.
ويعلق الفلسطينيون آمالا كبيرة في أن تنجح حكومة التوافق في طي صفحة الواقع المرير الذي أفرزه الانقسام على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والامنية والاجتماعية.
غير أن الطريق أمام الحكومة الجديدة وهي في الأساس حكومة "تكنوقراط" بلا برنامج سياسي لن يكون مفروشا بالورود وتنتظرها تحديات جسام رغم مهامها المحددة في رفع الحصار عن قطاع غزة وإعادة اعماره ، والتحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية ، واعادة ترتيب الأجهزة الامنية ، والمصالحة المجتمعية ، وتسيير الأمور الحياتية للفلسطينيين في الضفة والقطاع.
وتوقع محللون ومراقبون للشأن الفلسطيني أن تواجه الحكومة الجديدة مجموعة من التحديات والألغام التي قد تفجرها في أي لحظة يأتي على رأسها الملف الأمني ، والوضع الاقتصادي المتدهور في قطاع غزة ، والقبول الدولي في مواجهة المساعي الإسرائيلية المحمومة لإفشالها.
تقرير/يوسف حماد