حكومة إتفاق الإطار المسماة بحكومة "التوافق"،والتي جاءت ولادتها بالضرورة والإكراه،ونتاج لأزمة عصفت بقيادة الحكومتين،حكومة غزة المقاله،وحكومة رام الله،وأتت ولادة تلك الحكومة،ليس تعبير عن قناعة وتغليب للمصالح العليا للشعب الفلسطيني على المصالح الحزبية والفئوية والأجندات الخاصة،بل حتى في ولادتها المشوهة عانت الكثير،حيث كانت المناصب والوظائف والرواتب "المحاصصة" في صلب مفاوضات تشكيلها،فحماس التي وجدت نفسها في ضائقة مالية كبيرة،تصاعدها يشكل خطر على إمارتها وحكومتها،ويفاقم من حدة الإحتجاجات الشعبية ضدها،حيث غياب الحاضنة العربية التي سهلت لها تجارة الإنفاق وغض الطرف عن ممارساتها وسلوكها سقوط حكومة الإخوان ومرسي،وقيام النظام المصري الجديد،نظام السيسي الحالي،بتشديد الخناق والحصار عليها من خلال تدمير واغلاق اغلب الأنفاق مصدر دخلها وتجارتها وثرائها،وبما يؤمن لها الدخل اللازم للصرف على حكومتها واجهزتها وموظفيها،وكذلك بسبب المواقف السياسية التي اتخذتها حيال الأزمة السورية تحديداً وكذلك النظام الجديد في مصر،جعلت من تلك الحركة ليس محط ثقة وإحترام،حيث الانتقال في الموقف السياسية،الإنتقال بالتحالفات من النقيض للنقيض،مما حدا بايران الى وقف تغطية رواتب موظفيها،وتقليص تزويدها بالسلاح،ناهيك عن خذلان المعسكر الذي تحالفت معه وارتمت في احضانه لها(المعسكر الخليجي والتركي)،فلم يقدم لها سوى الوعود والخيبات لا مال ولا سلاح ولا موقف سياسي،بل السعودية احد الداعمين لتلك الجماعة على خلفية الموقف من النظام المصري الجديد،قدمت مشروع قرار لإعتبار حركة الإخوان المسلمين على مستوى مجلس التعاون الخليجي كحركة "إرهابية" وهذا بالطبع يطال حماس كونها من رحم تلك الجماعة وإمتداد لها،ولذلك رأت ان الحل لكل ذلك هو التوجه للمصالحة مع سلطة رام الله،لكي تستطيع الإستمرار في السيطرة على الحكم في قطاع غزة،ولكي تحمل مسؤولية رواتب موظفيها ال(40000) لحكومة التوافق،ولكي تخفف من وطأة الضغط الواقع عليها عربياً وإقليمياً ودولياً،وبما يمكنها من حرية الحركة السياسية في الخارج وفي الضفة الغربية،وبالمقابل السلطة في رام الله لها أسبابها في المصالحة،فهي عادت للمفاوضات مع حكومة الإحتلال لمدة تسعة شهور متعارضة مع قرارات مؤسسات المنظمة (اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي) واغلب مكونات الشعب الفلسطيني،ولم تستطع ان تحقق فيها شيئاً من الأهداف التي كانت تتوقع تحقيقها من خلال تلك المفاوضات،مما فاقم من ازمتها ومكانتها وهيبتها وحضورها بين الجماهير،بل وجدت نفسها مطالبة بالتفاوض من اجل التفاوض،فالإحتلال ماض في مشاريعه الاستيطانية وفرض الحقائق والوقائع عل الأرض من طرف واحد،وحتى دفعات الأسرى من معتقلي قبل اوسلو(104) لم يجري الإلتزام بإطلاق سراحهم،حيث رفض الإحتلال إطلاق سراح الدفعة الرابعة وتلاعب في الثالثة زمنياً وأسماءاً،وأيضاً فرض على السلطة مقابل كل دفعة اسرى يطلق سراحها معادلة جديدة (أسرى مقابل إستيطان)،مئات الوحدات الإستيطانية يجري إقرارها ونشر المناقصات والعطاءات لها،ولذلك دفعتها هذه الأزمة والمعضلة،من اجل التوجه للمصالحة.
المصالحة جاءت بالإكراه وتحت الضغط والضرورة،ولكل طرف أسبابه وأجنداته،وحماس بدت بانها قدمت تنازلات كبيرة من اجل تلك المصالحة،ليس من اجل المصالح العليا للشعب الفلسطيني،بل طبيعة الظروف المحيطة والمتغيرات العربية والإقليمية فرضت عليها ذلك،ولذلك قبلت ان تخرج من الحكومة،ولكن مع الإستمرار في الحكم،فهي صاحبة اليد الطولى في السيطرة على القطاع امنياً وسياسيا ودبلوماسياً،فحتى وزير الداخلية والذي هو رئيس الوزراء أيضاً،ليس له أية سيطرة على الأجهزة الأمنية،وبالتالي تلك الأجهزة تاخذ تعليماتها واوامرها من حماس وليس من مسؤول حكومة التوافق ووزير داخليتها.يضاف لذلك بأن تلك الحكومة لا تحمل برنامجاً سياسياً متوافقاً عليه،فحتى لو قال الرئيس أبا مازن هذه الحكومة حكومتي وبرنامجها برنامجي،فالتناقضات والصراعات والخلافات كبيرة وهي قابلة للإنفجار في كل مطب وقضية.
لم يمض على تشكيل حكومة "التوافق" فترة قصيرة،حتى إنفجرت الإلغام في تلك الحكومة،سلطة رام الله صرفت رواتب موظفيها في القطاع،ولم تصرف رواتب موظفي حكومة حماس بعد الإنقسام حزيران(2007)وهذا دفع موظفي حركة حماس وبأوامر من قادتهم الى التظاهر إغلاق البنوك وخلق فوضى عارمة،دفعت البنوك الى الإغلاق،وكذلك خلقت حالة من الإحتكاك والإشتباك مع الموظفين الذين يريدون الحصول على رواتبهم من موظفي سلطة رام الله،وهذه المعضلة من شأنها دفع الأمور نحو تعميق الأزمة الداخلية والمجتمعية.
وكان رد الرئيس أبا مازن على ما حدث في قطاع غزة،بأنه يتوجب على حماس دفع رواتب هؤلاء الموظفين،والسلطة او حكومة التوافق غير ملزمة بالدفع،فهي تدفع (58)% من ميزانيتها لقطاع غزة،وكذلك القول بأن معبر رفح لن يفتح قبل ان ينتشر عليه الحرس الرئاسي،وتنفيذ ما اتفق عليه في القاهرة بشأن المعبر،لكي تتأزم الأمور وتتعقد.
الحكومة الجديدة ستكون غير قادرة على تامين رواتب عشرات الآلاف الموظفين التابعين لحماس بالاضافة لرواتب موظفيها،وخصوصاً انه في الفترة التي سبقت تشكيل حكومة الوفاق،جرى توظيف وترقية اعداد كبيرة من الموظفين في القطاع،وهذا يجعل حكومة الدكتور رامي الحمد الله ،حكومة تسول و"شحدة" ولن تستطيع تحقيق الأهداف المناطة بها،من إعمار ورفع للحصار عن قطاع غزة،والتحضير للإنتخابات،والتي لا تعرف ستكون رئاسية وتشريعية للسلطة،أم انتخابات لدولة تحت الإحتلال؟؟ الأطراف التي التزمت بالدفع كقطر وبموافقة أمريكية،لن تقوم بالدفع كشؤون اجتماعية او جمعية خيرية او من منطلق واجب قومي او وطني،بل الدفع تم بموافقة امريكية ولأهداف سياسية،أي الدفع له شروطه،وكيري وزير الخارجية الأمريكي كان واضحاً في هذا الجانب،عندما قال بان امريكا ستعترف بحكومة التوافق،ولكن ستقوم بالمراقبة لعملها،أي بمعنى الأموال التي قدمت للحكومة صرف جزء منها على الأسرى او الشهداء،فهذا يعني وقف الدعم عن هذه الحكومة وسحب الإعتراف بها،ولذلك خلت حكومة الحمد الله من وزارة شؤون الأسرى،كمطلب امريكي- اوروبي غربي نيابة عن اسرائيل.
ولذلك ما جرى حتى اللحظة الراهنة، لا يشير بان قطار المصالحة وطي صفحة الإنقسام قد أقلع، فهناك الكثير الكثير من المعضلات بحاجة للحل، وما جرى ليس أكثر من إتفاق إطار، وليس بحكومة توافق وطني.