إن إسرائيل وحكامها ما زالوا مستغرقين في عالم الوهم الصهيوني، فالشعب الفلسطيني ليس مجموعات سكانية هامشية يمكن مسحها أو سحقها عن الخارطة الجيوسياسية، برغبة من مقاولين حروب مغرورين، أمثال نتنياهو وموفاز ويعالون، فعلى هذه الأرض شعبا وطنيا متوقدا لا يكل أو يمل، ولا يتوانى عن تقديم روحه من أجل تحقيق أهدافه المشروعة الوطنية، ورغم أن المعركة مع نتنياهو وحكومته حبيسة دائرة الوهم الصهيوني التي ترمي إلى تركيع شعبنا ومصادرة حقه التاريخي ما زالت طويلة، فإن التاريخ سيثبت أن الكفاح والنضال الفلسطيني المرير ضد أبشع احتلال عرفته البشرية لم يذهب ولن يذهب هدرا، وإن النظرية السوداوية العقيمة التي يتبناها نتنياهو غير موجودة إلا على صفحات كتب الأساطير اليهودية التي اندثرت منذ آلاف السنين في هوة الماضي السحيق.
شعبنا الذي يتمسك بخيار وحق المقاومة ويمد يده للسلام العادل والشامل، يتطلع بكل مسؤولية وطنية وتاريخية لنجاح كافة الجهود الإقليمية والدولية والعربية المبذولة للخروج من دائرة الأزمة والصراع، ولقد أعطيت الفرصة لإنجاح هذه الجهود أكثر من مرة من أجل وضع حد للسياسات الإرهابية والأعمال الإجرامية الإسرائيلية، فنتنياهو والذي يحاول أن يجرد شعبنا من بعض أسلحته الدفاعية في المجال السياسي والدولي والدبلوماسي إلا من عزيمته وإرادته المتينة، بحكم انتمائه لحزب الليكود المتطرف، فان مواجهته ستكون أكثر دقة في هذه المرحلة العصيبة التي نمر بها، لأنه امتطى صهوة الأمن، لنسف عملية السلام من جذورها، فباسم الحفاظ على امن المستوطنات أطلق لجيش الاحتلال والمستوطنين بإطلاق النار على شعب اعزل، ودمر منازلهم وممتلكاتهم والاستيلاء على آلاف الدونمات الزراعية، ملغيا بذلك سنوات وسنوات من عمر عملية السلام التي انتهت بلا مواربة إلى طريق مسدود بصعوده على رأس المستوى السياسي الإسرائيلي.
إن الانجاز الوحيد الذي حققه نتنياهو وغيره في كل مسيرتهم السياسية الفاشلة هو تحويل المواجهة السياسية بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى ساحة مواجهة عسكرية بعد أن استباح دم شعبنا بصورة مرعبة إذ أسفرت الحروب التي شنها على أراضينا إلى عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، وتدمير مئات الآلاف من البيوت والمصانع والمزارع.
إن هذه النتيجة ليست إلا المقدمة التي أعدها نتنياهو بغية نسف اتفاقية أوسلو بكل مقوماتها مسلما السيف الإسرائيلي لمن سيأتي بعده في إدارة الكيان الصهيوني، ليجهزوا على ما تبقى من قيمة معنوية لعملية السلام، وهنا تبدو لعبه تبادل الأدوار بين أبناء المؤسسة السياسية والعسكرية أكثر وضوحا بعد كشف المؤامرة التي يخطط لها نتنياهو ومن قبلهم أولمرت وباراك وشارون وشامير، بعناية والتي تستهدف قلب الطاولة واستبدال شعار الأرض مقابل السلام، بالأمن مقابل السلام، إذا فالخطر يتصاعد في ظل إغلاق الجنرالات الإسرائيليين بوابة الأمل بتنكرهم الواضح لكل ما توصل إليه سابقا في الاتفاقات المبرمة برعايات دولية.
إن ما يجري الآن داخل الكيان الصهيوني مثير للقلق حول مستقبل المنطقة برمتها لان هذا الكيان الإسرائيلي يعيش في حالة طوارئ أمنية على امتداد ستون عاما مضت وهو حتى الآن بلا حدود معلنة ولا هوية ولا مبادئ ثابتة، وهذا يدلل على عدم وصول الزعامات الإسرائيلية إلى مرحلة الإدراك السياسي الحقيقي، فالتحديات التي تواجه شعبنا واضحة وضوح الشمس، وتتمثل في عدم التزام الطرف الإسرائيلي بما وقع عليه من اتفاقيات وتعهدات، في محاولة فرض إملاءات وشروط تستهدف تحقيق توقعات شعبنا وهو الأمر الذي يعيد إلى الأذهان تلك التحديات التي واجهتها القيادة الفلسطينية خلال حقبة حكم البلدوزر الإسرائيلي أرائيل شارون ومن بعده المتطرف أيهود اولمرت.
إذن فالمطلوب اليوم عربيا وإسلاميا ودوليا وإقليميا - أمران لا ثالث لهما
أولا : التساؤل بحماسه ومسؤولية أما آن لهذا الإجرام أن ينتهي ويندثر؟
ثانيا : وضع حد وفوري لقصف مدننا وقرانا ومحافظاتنا ووقف الاعتداءات المتصاعدة على شعبنا وفك الحصار الغاشم المفروض على أراضيه منذ سنوات، تنفيذا للقرارات الدولية والأممية.
إذا كانت الأمم المتحدة بصفة عامة ومجلس الأمن بصفة خاصة لم يتخذا خطوة جديه وقوية لإنقاذ شعبنا المرابط على ترابه والذي يواجه أبشع عمليه إبادة عرقيه عرفها التاريخ على يد العنصرية الصهيونية الفاشية، ولا يزالان مع الأسف مكتفين ببعض القرارات التي لم تجد آلية للتنفيذ ولا آذان صاغية منتبهة، فإن ذلك لا يعني إطلاقا الاكتفاء بتلك البيانات والقرارات المجمدة أو حتى ما يصدر على استحياء في كثير من الأحيان من بعض الدول الشقيقة أو الصديقة بشجب أو بإدانة أو استنكار للجرائم والمجازر الإسرائيلية، لكن الواجب أصبح يقتضي بإلحاح تحركا شعبيا وجماهيريا عربيا وإسلاميا فاعلا ومؤثرا، ليس فقط لدى المنظمات الدولية والأممية، ولكن لدى كل الدول المختلفة لدفعها لاتخاذ مواقف واضحة أكثر إيجابيه تشعر معها إسرائيل أن جرائمها النكراء التي ترتكبها ضد شعبنا الأعزل التي سوف يكلفها غاليا وغاليا جدا، وإنها لن تمر بدون عقاب حاسم ورادع ولن تحقق لها في النهاية أي مردود إيجابي على الإطلاق!!
الإعلامي والمفوض السياسي
[email protected]