يوم اللاجىء ... حلول مفقودة ! مأساة مستمّرة

بقلم: محمد السودي

دأبت الأمم المتحدة على الإحتفال بيوم اللاجىء العالمي بتاريخ العشرين من حزيران كل عام وهو تقليد حديث نسبياً أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2000 م أي قبل أربع عشر سنة ويأتي بالتزامن مع يوم اللاجىء الإفريقي الذي تحتفل به بعض الدول الأفريقية لتسليط الضوء على معاناة اللاجئين وبحث السبل الكفيلة بمدّ يد العون لهم والتخفيف من أعباء أوضاعهم الصعبة التي يلاقونها في أماكنهم الجديدة من خلال توطينهم أو إعادتهم الطوعية لبلادهم الأصلية عند انتهاء الظروف التي أدت إلى لجوئهم ، والمعروف أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للمنظمة الأممية "UNHCR" هي الراعية الرسمية لشؤونهم ، أما مايتعلق باللاجئين الفلسطينيين فقد أنشأت الأمم المتحدة وكالة الغوث لتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "UNRWA " عام 1950 م بعد النكبة المشؤومة بعامين حيث نال حوالي ثلثي الشعب الفلسطيني عشية النكبة الضرر الأكبر حين أقدمت العصابات الصهيونية على انتهاج سياسة التطهير العرقي الممنهج بالتعاون مع حكومة الإستعمار البريطاني ضد شعبٍ بأكمله جراء ارتكاب المجازر والترويع واقتلاعة من أرضه ووطنه إلى رحاب التشرد والمصير المجهول ، ذلك الظلم التاريخي الذي تواطأ به المجتمع الدولي مع المخططات الإستعمارية لازال حاضراً ومستمراً بعد ست وستين عاماً دون اكتراث بل تـُوغل حكومة الإحتلال في جرائمها الوحشية بأشكالٍ وأساليب شتى أمام مرأى العالم المتفرج بأسره عند تعلق الأمر بقضايا الشعوب الواقعة تحت نير الأحتلال وتسعى إلى حريتها .
تفيد احصائيات وكالة الغوث مطلع العام الجاري أن عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجـّلين لديها بلغ حوالي خمسة ملايين ونصف ألمليون موزعين بين المخيمات المقامة داخل الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وبين الأردن ، وسوريا ، ولبنان تلك الدول الرئيسة التي تركـّز بها العدد الأكبر من اللاجئين فضلا ًعن شرائح كبيرة لم يتم تسجيلهم في قيود الأمم المتحدة بينهم فلسطينيو العراق الذين تم طردهم على أيدي المليشيات الطائفية وقوات الداخلية والإستيلاء على ممتلكاتهم إذ لم يتبق منهم سوى بضعة ألاف لاتتجاوز أصابع اليد الواحدة ممن انقطعت بهم السبل ولم يتمكـّنوا من المغادرة وهم عرضةً للخطر في كل لحظة لعدم قدرة السلطات الأمنية العراقية على توفير الحماية لهم أو الإهمال تجاههم ، وأيضاً هنالك من لجأ الى بلاد المهجر مايعني أن نسبة الفلسطينيين تشكـّل النسبة الأكبر من بين اللاجئين في العالم ، ومع أن الأمم المتحدة أصدرت مئات القرارات ذات صلةٍ بالقضية الفلسطينية وفي مقدمتها القرار الأممي رقم "194" الخاص بعودة اللاجئين إلى أرضهم وديارهم التي شردوا منها والتعويض عليهم بما لحقهم من أذى وخسائر في الأرواح والممتلكات إلا أن كيان الإحتلال يتنكـّر للحقوق الفلسطينية السياسية والتاريخية التى أقرّتها الشرعية الدولية ويضرب عرض الحائط كافة القرارات الدولية بدعم وتأييد منقطع النظير من الإدارة الأمريكية وعجز المجتمع الدولي .
إن اليوم العالمي للاجئين الذي يُحتفى به في العشرين من حزيران يطرح التساؤل الكبير المشروع حول استقلالية المؤسسات الدولية المهتمّة بشؤون اللاجئين خارج إطار التسييس وإمكانية نجاحها بالمهام الإنسانية والخدمية المنوطة بها أولاً ومدى فعالية طرح الحلول المناسبة لهذه المعضلة التي تتزايد باضطراد تـُثقل قدرة هذه الهيئات على استيعابها ثانياً ، من حيث التمويل وتناقص امكانيات الدول المانحة التي يعاني بعضها أزمات اقتصادية متفاقمة لكنها حريصة على عقد المؤتمرات الشكلية والإلتزام النظري بتقديم المساعدات وهي عاجزة في حقيقة الأمرعن الوفاء بتعهداتها حيث لم تتجاوز المنح المُقدمّة تجاه أزمة اللاجئين السوريين على سبيل المثال ثلث ماهو مطلوب ، في ظل تنامي الحروب الأهلية والداخلية غير البعيدة عن مخططاتها وأطماعها القديمة المتجددّة خاصة في المنطقة العربية الغنية بالموارد ، و أيضاً القارة الأفريقية التي تشهد موجات كبيره والمصدر الرئيس للاجئين إضافة إلى عوامل أخرى سياسية واجتماعية منها رحلة المخاطر والبحث عن مستقبل أفضل لفئةٍ عمادها الشباب حيث فقدوا الإيمان بالمستقبل في بلدانهم نتيجة الفقر والبطالة المتفشية وفساد الأنظمة الديكتاتورية قد يدفعون حياتهم ثمناً لها في أعالي البحار وابتزاز قراصنة الهجرة وهي في كل الأحوال لاتقارن مع الأسباب الأخرى الناجمة عن الحروب ، لذلك لا يمكن التعامل مع هذه القضية من زاوية انسانية أو إغاثية صرفة وإغفال الأسباب التي أدت إلى النتائج الكارثية المترتبة عليها . لا شك بأن قضية اللاجئين والنازحين باتت تقلق مختلف دول العالم بعد ازدياد عدد الفارّين من جحيم الحروب في السنوات الثلاثة الأخيرة نتيجة التفاعلات التي تشهدها المنطقة العربية خاصة بعد أن تحولت هذه الأحداث إلى صراعات دامية عرقية وطائفية تكاد تطيح بأسس الدولة القومية وتغـّذيها قوى نفوذ ومصالح عديدة رسمت سياساتها منذ زمن بعيد لتفتيت المنطقة وإبقاءها ضعيفة أسيرة التبعية وبالتالي السيطرة على مقدراتها وثرواتها ، لقد أضافت هذه التطورات معاناة جديدة لمخيمات اللجوء الفلسطينية بالرغم من الحيادية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية التي أعلنت عنها منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل العمل الوطني ولم تفلح كل الجهود في انقاذ المخيمات من التدمير والقتل والإعتقال والمصير المجهول للعديد من الأشخاص الذين لاذنب لهم سوى الإنتماء لفلسطينيتهم ما أدى الى عمليات لجوء واسعة داخلية وخارجية زادت من معاناتهم الأزلية الأمر الذي يتطلب من المجتمع الدولي تحمّل مسؤولياته تجاه قضية اللاجئين والزام حكومة الإحتلال بعودتهم إلى أرضهم وديارهم وفق القرار" 194" .
لعل مايلفت النظر ويدعو للإستغراب في اليوم العالمي للاجئين أن يخصص الأمين العام للأمم المتحدة السيد "بان كي مون " جُل المناسبة للوضع السوري على أهميته ويتجاهل مأساة ملايين اللاجئين وفي مقدمتهم اللاجئين الفلسطينيين الذين يتعرضون لأبشع انواع الجرائم الوحشية وإرهاب الدولة المُنظـّم من قتل وحصار ومداهمات واعتقال وانتهاك للمقدسات وهدم للبيوت وطرد أصحابها منها إلى العراء وإقرار مشاريع عنصرية بحق الأسرى المضربين عن الطعام المطالبين بالحرية والمهددّين بالموت في كل لحظة تمر، ويدير ظهره بشكل متعمّد أليس السكوت على هذه الممارسات الفاشية بمثابة الموافقة إن لم يكن شراكة ... أم ماذا ؟
كاتب سياسي