لما تزل الساحة السياسية الفلسطينية تشهد انقساماً حاداً بين مواقف حركة حماس والسلطة، ولما تزل المصالحة الفلسطينية التي أفرزت حكومة توافق وطني، لما تزل صوراً في الصحافة، وتصريحات في الفضائيات، ويتساءل المواطن الفلسطيني في قطاع غزة: أين هي المصالحة؟ وأين ثمارها؟ وما الفرق بين نهاية شهر يونيه 2014 ونهاية شهر يونيه 2013؟ وإلى متى سيستمر هذا الحال من البطالة وإغلاق المعابر وحرمان الموظفين من رواتبهم؟
ويتساءل الناس: من المسئول عن القرارات الحكومة الحياتية؟ أهو رئيس الوزراء والوزراء، أم هو رئيس السلطة الذي يتحكم بكل صغيرة وكبيرة من حياة الشعب الفلسطيني؟
تريثوا، واصبروا، وانتظروا، هذا هو جواب المسئولين في حكومة التوافق، ولكن للتريث حدود، ومن صبر على ظمأ الحصار وإغلاق المعابر سنوات طويلة، يحتاج إلى شربة ماء ترطب جوفه، فما الذي يحول دون أن تمارس الحكومة صلاحياتها في غزة مثلما تمارسها في الضفة الغربية؟ لماذا لا تتحمل حكومة التوافق مسؤوليتها، وتواجه الحالة المعيشية التي تؤرق سكان قطاع غزة؟ لماذا لا تعلي حكومة الوفاق الوطني صوتها الذي يخدم عموم الناس حتى لو غضب عباس أو غصبت حماس؟ وأين هي حكومة التوافق الوطني من الجرائم التي يمارسها الصهاينة في الضفة الغربية؟ وبأي حق تصمت الحكومة كل ذلك الزمن المهم قبل أن تتحرك بالشكوى إلى مجلس الأمن؟
أتفق بالرأي مع أولئك القائلين أن حركة حماس كانت تعاني من ضائقة مالية، ومن وضع إقليمي فرض عليها طلب المصالحة مع عباس، ولكن النتائج التي تنشدها حماس من المصالحة لم يتحقق منها شيئاً، وما زالت المصالحة الفلسطينية تخضع لمزاج عباس، وتسير وفق رغباته، وما زالت المصالحة على محك الرضا والقبول الإسرائيلي، وفي تقديري أن ذلك يرجع إلى أن المصالحة التي تحققت كانت بين حركة حماس من جهة، وبين مصالح محمود عباس الذي يمثل نصف حركة فتح من جهة أخرى.
وفي تقديري أن سرعة التوقيع على اتفاق المصالحة بين نصف حركة فتح وكل حركة حماس، كانت محكومة بالخوف من المجهول، وقد يكون ذلك المجهول من وجهة نظر الطرفين الذين وقعا على اتفاق المصالحة هو محمد دحلان الذي ما زال قائماً كقوة مؤثرة في المشهد الفلسطيني.
إذا كانت المصالحة مع عباس هي كأس العلقم الذي شربته حماس، فإنني أزعم أن كأس محمد دحلان سيكون أقل مرارة من كأس عباس، على الأقل بالنسبة لسكان قطاع غزة، الذين كانوا سيشهدون تطوراً نوعياً في حياتهم من خلال المصالحة بين حماس ومحمد دحلان، الذي ما كان ليقبل أن يتسلم موظفو السلطة رواتبهم في الوقت الذي يحترق موظف غزة على قوائم الانتظار.
لا بأس من المصالحة مع عباس الذي يمثل نصف حركة فتح أو أقل قليلاً، ولكن المصالحة مع دحلان قد تكون أكثر نفعاً لحركة فتح، ولحركة حماس وللشعب الفلسطيني الذي يواجه في هذه الأيام عدواناً إسرائيلياً على الضفة الغربية، وعدوان محتمل على قطاع غزة، ويكفي حركة حماس أن محمد دحلان يقف بقوة ضد التنسيق الأمني الذي كان من أهم أركانه، ويكفي أنه يعترض على استئناف المفاوضات، وقد كان من أحد أركانها، ويكفي حركة حماس أن سمير المشهرواي قد ألصق بمحمود عباس تهمة الخيانة العظمى لفلسطين بشكل لا يقل وضوحاً عن الفلسطينية الرائعة حنين زعبي وعن أمثالها من شرفاء الشعب الفلسطيني.