منظومة المقاومة تترسخ اليوم امام العالم

بقلم: عباس الجمعة

الدم الذي يراق على الأرض الفلسطينية في غزة الصمود والشهادة، لا ينبغي أن يذهب هدرا, والشهداء الذين يروون بدمائهم ارض فلسطين وغزة ، لا ينبغي أن تمر تضحياتهم بدون ثمن, فالكل مدعو لأن يكون في مستوى الموقف, والحقيقة الكبرى التي ينبغي الوقوف عندها أننا أمام الحصاد المر هو استمرار البعض بالتمسك بمسار المفاوضات العبثية ، رغم ان هذا التصعيد الإسرائيلي والحرب التي تشن على الشعب الفلسطيني،هي حرب تشن على نهج وخيار يتصاعد ويتطور ويتجذر في أوساط الشعب الفلسطيني،ألا وهو خيار المقاومة،في وقت يسقط فيه الرهان على نهج وخيار بائس ثبت فشله وعقمه في تحقيق الحد الأدنى من حقوق شعبنا وعلى مدار ما يقارب العشرين عاماً،ألا وهو نهج وخيار المفاوضات.
عجب أن يكون المشهد الرسمي العربي والدولي صامت واخرس ومنحاز لسياسة القتل والاجرام الصهيونية ، في غزة شلال الدم مستمر في الانهمار التي يذهب ضحيتها العشرات من الشهداء والمئات من الجرحى، حيث لم نلاحظ سوى المواقف اللفظيه التي اصبحت دليلا على المسؤولية من خلال انحيازها لدولة دولة الاحتلال المدججة بأحدث الأسلحة ومنها المحرمة دوليا تستخدم ضد المدنيين بما فيها قصف علني لبيوت المدنيين بقذائف ليست بلاستيكية واستمرار الاستيطان وبناء الجدار وجرف الأراضي والاعتقال العشوائي ، وكل ذلك يجري بدعم من الإدارة الأميركية التي أعطت الضوء الأخضر للعدو الصهيوني لتدمير المشروع الوطني الفلسطيني باعتباره العقبة في وجه سيطرة الولايات المتحدة الأميركية على الشرق الأوسط.، فلا عجب أن تتناغم المواقف من خلال المعارضة لكل شكل من أشكال المقاومة .
يبقى أن يدرك الجميع وفي مقدمتهم القيادة الفلسطينية أن الموقف قد تجاوز الإدانة من جانب, والتهدئة من جانب آخر, لتعود القضية كما كانت وكما ينبغي أن تكون، قضية احتلال غاضب يمارس أبشع أعمال النازية لفرض إرادته, ومقاومة وطنية تصارع بكل الوسائل، وأولها وأهمها الكفاح المسلح لتحرير الأرض واستعادة الحقوق المسلوبة ومعاقبة المحتل على كل ما ارتكبه من جرائم في حق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإنسانية، ليست القضية الآن هي استئناف المفاوضات أو عدم استئنافها, وإنما القضية كيف نعد أنفسنا لمواجهة الاحتلال والاستيطان، ونقل ملف القضية الفلسطينية الى الامم المتحدة لمطالبتها بتطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ، مع التمسك بخيار المقاومة بكافة اشكالها ، وهي تشكل عامل ردع وتوازن رعب مع العدو على الرغم في الفارق النوعي بين ما يمتلكه العدو من ترسانه هائلة من الأسلحة،وبين إمكانيات المقاومة المتواضعة،وبالتالي هذه المنظومة تشكل عامل حماية وشبكة امان للشعب الفلسطيني من الإعتداءات المتكررة عليه من قبل حكومة الإحتلال المتغطرسة، وكيف نقوم بتطوير الوحدة الوطنية التي تحققت على أرض القدس وشعفاط والخليل وجنين ونابلس ورام الله واريحا وبيت لحم وفي فلسطين التاريخية عام 1948 ، وعلى ارض غزة الشامخة بصمودها وعطائها وشلال الدم النازف ، لتصبح كل هذه النقاط برنامج للمرحلة المقبلة.
فاذا كانت دول البترول لايوجد عندها النخوة العربية بعد ان اصبح لديها النخوة الامريكية والصهيونية من خلال شروعها بتفتيت المنطقة وادخال الدول في صراعات دموية داخلية، الهدف حرف الأنظار عن المخططات المعادية الهادفة لتصفية قضية فلسطين، فهؤلاء لم يخجلوا من انفسهم ويطلقوا على الاقل صوت بمواجهة تدنيس الاحتلال وقطعان مستوطنيه للمسجد الاقصى والمقدسات الاسلامية والمسيحية، لان هذا التدنيس هو تحدي صارخ لكل المشاعر الدينية والمواثيق الدولية ، ويأتي في سياق فرض أمر واقع من قبل حكومة الاحتلال لابقاء سيطرتها على القدس والمسجد الأقصى، بينما تبتلع باقي الأرض الفلسطينية وتفرض حلها العنصري لمشكلة اللاجئين .
لهذا نرى ان على القيادة الفلسطينية صياغة رؤية موحدة لإدارة الصراع مع العدو والكف عن المفاوضات ومرجعيتها المنحازة بشكل مطلق لصالح الاحتلال ، والتحرك العاجل والفوري للانضمام إلى كافة المنظمات والمواثيق والمعاهدات الدولية التي من شأنها أن توفر الآليات المناسبة لمحاكمة الاحتلال ومجرميه .
وفي ظل هذا الظروف نؤكد ان المقاومة في ردها على العدوان وما لقته من انحياز شعبي ، عبرعنه نهوض الضفة الغربية وفلسطين المحتلة عام 48 واماكن اللجوء والشتات والمنافي ، والذي ترافق مع الهبة الشعبية فان ذلك هو تعبير أصيل عن انتقال الفلسطينيين في جميع انحاء فلسطين إلى مرحلة جديدة من الوعي والتحرك النضالي ضد الكيان الصهيوني في حصيلة تبلور إدراك فلسطيني متجدد لاستحالة الرهان على مسار المفاوضات مع زحف التهويد والاستيطان ومع تحضير المزيد من خطط الاقتلاع والترحيل تمهيدا لمشروع الدولة اليهودية ، حيث ثبت للشعب الفلسطيني ان امنه وكرامته مرتبطان بقوة المقاومة وقدرتها على ردع العدو وان اتفاقات التهدئة ليست سوى مخادعة إسرائيلية تحت رعاية دولية عربية لشراء الوقت تحضيرا للانقضاض مجددا على الشعب الفلسطيني بهدف الوصول الى كسر اراداته.
ان وحدة الصف الفلسطيني وحدها القادرة على حماية الهدف من التآكل والتبعثر أو الضياع، ووحدها القادرة على وقف زحف الشر الإسرائيلي المدعوم من الإدارة الأميركية راعية الإرهاب الإسرائيلي والأطماع الصهيونية في الأرض والحقوق العربية وفي تمزيق أوصال الفلسطينيين والعرب، وقد أثبتت التجارب والحقائق أن الوحدة الوطنية لأي شعب تشكل رافعة قوية لمصالحه الوطنية في نفس الوقت التي تشكل قوة حقيقية لأمته في مواجهة التحديات من أي نوع وأي صنف ومهما كان العدو المتربص به في كل زمان ووقت، فالوحدة الوطنية تشكل كذلك سياجاً وحصناً وسداً أمام الطامعين وصيادي الفرص للتسرب والانقضاض على الفريسة.
وفي هذا السياق فإن الأولوية الفلسطينية يجب أن تكون بتحصين البيت الفلسطيني من الداخل للتمكن من مواجهة الاحتلال وغطرسته وتعنته في التعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي وجوهره القضية الفلسطينية، الأمر الذي يستدعي من كافة القوى والفصائل الفلسطينية الاستفادة من الإنجاز الذي حققته المقاومة اللبنانية أمام الوحشية الإسرائيلية التي فاقت النازي في الإجرام ومعاداة الإنسانية والقوانين الدولية، واستثمار الصمود الفلسطيني غير المسبوق عربياً، وضع المصلحة الفلسطينية الوطنية العليا على رأس قائمة الأولويات وتحييد كل ما دون ذلك وتجميده بصورة كاملة، لأن التماسك الفلسطيني القوي هو أهم وأمضى الأسلحة التي يمكن أن تضع حداً للعربدة الصهيونية أو التقليل من الغطرسة وسياسة الإذلال التي يمارسها العدو الغاصب بإمعان وتلذذ حاقدين، والمصداقية عند القيادة الفلسطينية وجميع القوى والفصائل في وضع الأولوية الفلسطينية العليا وهي حماية الشعب الفلسطيني من الجرائم الإسرائيلية ومن سياسة الاغتيالات ومن سياسة الإذلال ومن حروب التجويع والحصار ومحاولة إفشال المصالحة الفلسطينية وحكومة التوافق الفلسطيني ، وهذا يستدعي من الجميع تقديم تنازلات من اجل انهاء الانقسام الداخلي إن صح التعبير وإن كان الأصح هو الالتزام بالإرادة الشعبية لمصلحة الوحدة الوطنية، والعودة إلى البيت الفلسطيني الواحد المتمثل بمنظمة التحرير الفلسطينية في تمازج وطني يستبعد كل الأجندات الخارجية سواء كانت على شكل ضغوط أو برامج تحت عناوين براقة لا تحقق في نهاية المطاف تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والتحرير والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس ، وفي استعادة اللاجئين الفلسطينيين حقهم بالعودة الى ديارهم وفق القرار الاممي القرار "194" وكذلك التعويض عما لحق من جراء النكبة.
وعلى الجانب السياسي، يبدو ان العدوان حصد نتائج عكسية، ففي الداخل، يشهد الشعب الفلسطيني هذه الايام وحدة غير مسبوقة منذ سنوات، فقد اصبحت هناك شراكة سياسية وميدانية حقيقية بين كافة القوى والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، بمواجهة العدوان الإسرائيلي وحملة الابادة الجماعية التي يقوم بها الاحتلال، وفي الخارج، يشهد الرأي العام العالمي حملة كبيرة لدعم القضية الفلسطينية والتعاطف معها من خلال التظاهرات الواسعة حول العالم والتي تشكل ضغوطا متزايدة على المجتمع الدولي للقيام بدوره في وقف العدوان وحماية الشعب الفلسطيني.
ومن هنا نؤكد ان إطالة المعركة سوف تقود لتحرك الشعب الفلسطيني في الضفة والداخل وهو ما سيفاقم من استنزاف جيش العدو على الأرض وفي صراع الإرادات سيتقابل أصحاب الأرض مع المستوطنين المستجلبين بوهم حصانة القوة العدوانية الذي ينهار في الاختبار امام الصواريخ وبسالة المقاومين وثبات الشعب الفلسطيني على إرادة الصمود في وجه العدوان والاحتلال وكلما امتد زمن القتال سيكون الخروج من الحرب أصعب على قادة الكيان مع فشل جديد في تحقيق أبرز الأهداف الإسرائيلية التي تكررت في البيانات الرسمية ، تجديد هيبة الردع الإسرائيلية وضرب الترسانة الصاروخية في غزة وإحكام الحصار على القطاع بما يمنع وصول الأسلحة ، حتى الساعة فشلت العمليات الجوية في تحقيق أي هدف ولن يكون حظ العمليات البرية احسن حالا ولن يطول الوقت حتى يشرع القادة الصهاينة في البحث عن خطة الخروج من الحلقة المفرغة لستر الهزيمة وما يقض مضاجعهم هو النتائج التي سيثيرها انكشاف العجز الصهيوني امام المقاومة ، وهذا العجز الإسرائيلي الاستراتيجي الذي اورثته حرب تموز عام 2006 وجددته حربا غزة بعدها يتعمق اليوم ويتضح لمن يفهم ان منظومة المقاومة استطاعت تكريس قواعد حركتها من خلال التنسيق مع منظومة المقاومة على امتداد المنطقة ، حيث تترسخ اليوم امام العالم بأسره بصمود سوريا وايران والمقاومة في لبنان وفلسطين بوصفهم القوى الطليعة في التصدي للهيمنة الاستعمارية ولخطر الإرهاب التكفيري ، حيث تفرض المقاومة قواعد الردع في الصراع مع الكيان الصهيوني
ختاما : لا بد من القول إن تعزيز المقاومة الشعبية او الهبة الشعبية مع حيوية المقاومة الرادعة سيتمكنا من افشال مخطط إسرائيل والولايات المتحدة استراتيجيا في ضمان حماية كيان العدو ،وهذا الرهان شكل محور على توازن القوى في الصراع العربي الصهيوني ، وما الصمود الذي نراه يؤكد على ان القاعدة الصلبة لثبات التوازن الاستراتيجي الجديد تصنعه ارادة المقاومة والصمود ، فالدرس الكبير لما يجري في غزة هو ان المعادلة التي لم تتزحزح عبر صمود قوى المقاومة الذي اطبق على خناق كيان العدو بفشله الاستراتيجي وعجزه امام توازن الردع المقاوم للشعب الفلسطيني .
كاتب سياسي