التهدئة في الطريق

بقلم: فايز أبو شمالة

وصلت الحرب على غزة نهايتها، وهي في طريقها للتهدئة، ولكن بشروط المقاومة، ولاسيما بعد أن عجزت إسرائيل عن تحقيق أي متغييرات على أرض المعركة، وبعد أن باتت الحرب البرية التي يهدد فيها بعض العسكريين ليس إلا أوهام تم حشوها في حقائب بعض السياسيين العرب المتآمرين مع إسرائيل.
إن الذي يفشل في إحداث متغيرات على الأرض سيفشل في إحداث أي متغيرات سياسية، وبالتالي فقد صار على إسرائيل أن تقر بحقيقة المقاومة الراسخة على أرض غزة، وتعترف بندية الشعب الفلسطيني الذي يفتش عن كرامته وحريته، وهذا يفرض على إسرائيل التي عجزت عن تغيير الواقع أن تغير من مواقفها السياسية، كأقصر الطرق لتحقيق التهدئة المؤقتة التي ستمهد رغم أنف الجميع إلى المعركة القادمة.
قد تتحقق التهدئة قبل أن أتمم مقالي هذا، وقد تتأخر عدة ساعات أو عدة أيام، ولكن لا مناص من التهدئة التي صارت هي الحل لهذه الحرب التي فرضت على إسرائيل أن تدفع الثمن مرتين؛ مرة من الجبهة الداخلة التي فاجأتها قدرات المقاومة، وفرضت عليها منع التجول، ومرة أخرى من صورة إسرائيل أماما العالم الخارجي الذي حررته من سجون الإعلام الإسرائيلي صور الأطفال والنساء الذين مزقت براءتهم الصواريخ الإسرائيلية، فثار العالم ألماً وغضباً مع غزة المحاصرة، وانفجر نقداً وكراهية قابلة للتطور بما لا يخدم تطلعات اليهود بشكل عام.
وللتأكيد على ما أقول؛ سأشير إلى ما سمعته من القناة الثانية العبرية، وهي تلتقي مع أحد قادة الجالية اليهودية في فرنسا، وقد ظهر عليه الخوف من مظاهرة في باريس قدر عددها بثلاثين ألف، هتف خلالها المتظاهرون بصوت واحد "الموت لليهود"، وقد أكد أن الفرنسيين قد تحركوا ضد اليهود بعد أسبوع واحد من الحرب على غزة، في الوقت الذي لم يتحرك هؤلاء الفرنسيون لنصرة سوريا رغم مقتل 160 ألف سوري؟
الحرب على غزة التي أحدثت تحولاً في مزاج المجتمع الغربي، وأحدث انكساراً حاداً في الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل، وأحدثت حراكاً واسعاً ضد الإسرائيليين في أمريكا اللاتينية، وفي كثير من دول العالم، هذه الحرب في طريقها إلى تفجير الهدوء الهش الذي يحرسه محمود عباس في الضفة الغربية، وهذه الحرب قادرة على هز الوجدان العربي في الأردن وفي مصر وفي باقي البلاد العربية دعماً للمقاومة، ورفضاً لسياسة الأمر الواقع، وفي تقديري هذا بحد ذاته محرك أمريكي فعال للضغط على الإسرائيليين لقبول التهدئة بشروط المقاومة.
لقد انتصرت المقاومة الفلسطينية التي يعانقها حباً وعشقاً كل الشعب الفلسطيني، الشعب الذي أبدى استعداداً للموت ألف مرة في ساحات الوغى من الموت توسلاً فتح المعابر.