الحروب لا تحقق هدوءا ولا أمنا ؟؟؟

بقلم: يوسف صافي

فقط خلال ست سنوات شنت دولة إسرائيل ثلاثة حروب على قطاع غزة عملية "الرصاص المصبوب" في العام 2008، و عملية "عمود السحاب" في العام 2012، و العملية الحالية "الجرف الصامد" في العام 2014، وفى كل مرة يخرج علينا قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين بموشح توفير الهدوء والأمن للمواطن الاسرائيلى كمبرر للحرب. ونحن نفهم تماما أن هناك أسبابا أخرى تقف وراء قيام دولة إسرائيل بشن هذه الحروب الثلاثة على قطاع غزة، فان كل الدلائل والمؤشرات الواقعية تشير بالملموس إلى فشل وإخفاق منطق القوة والعمليات العسكرية الإسرائيلية بكافة أنواعها وأشكالها وألوانها في توفير الحدود الدنيا من الهدوء والأمن للمواطن الاسرائيلى.
صحيح أن دولة إسرائيل تمتلك ترسانة عسكرية قوية ومتقدمة ومتطورة لا يمكن لأحد أن ينكرها، ولكن رغم ذلك ومنذ سنوات الاحتلال الأولى للاراضى الفلسطينية في العام 1967 وحتى يومنا هذا لم تفلح القوة العسكرية الإسرائيلية في جلب الهدوء والأمن لمواطنيها. إن استخدام الطائرات و قتل المواطنين وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها من الشيوخ والنساء والأطفال وتدمير ممتلكات المواطنين والبنية التحتية لم يحقق هدوءا ولا أمنا، كما أن العمليات البرية محدودة كانت أم واسعة قصيرة أم طويلة المدى لم تجلب هدوءا ولا أمنا، كما أن إعادة احتلال القطاع ، حسب "ليبرمان" وزير خارجية دولة إسرائيل، لا يجلب هدوءا ولا أمنا، كما أن القبة الحديدية بشكلها الحالي أو حتى بعد تطويرها لا تجلب هدوءا ولا أمنا، كما أن اتفاقات التهدئة وتحسين شروطها لا يجلب هدوءا ولا أمنا .... الخ.
أن الإخفاق في تحقيق الهدوء والأمن المنشود للمواطن الاسرائيلى يكمن باختصار شديد في الإصرار على تكريس الاحتلال والاستيطان في الاراضى الفلسطينية المحتلة في العام 1967، والتشبث بمنطق أن الاراضى الفلسطينية التي احتلت في العام 1967 هي أراض متنازع عليها وليس أراض محتلة كما تؤكد كل قرارات الأمم المتحدة ذات العلاقة بالشأن الفلسطيني، والتجاهل والتنكر لحق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال أسوة بباقي شعوب هذا الكون، وتجاهل اليد الفلسطينية الصادقة الممدودة للسلام الذي نحب ونعشق، وتجاهل المبادرة العربية للسلام والتي طالبت بإقامة دولة فلسطينية على الاراضى الفلسطينية المحتلة على حدود 1967 ، ... الخ.
وعليه نقول، لقد وضع "ناحوم برنياع" كبير المعلقين في صحيفة "يديعوت احرونوت" يده على الجرح حين طالب "نتنياهو" رئيس وزراء دولة إسرائيل ان يوقف إطلاق النار في قطاع غزة والامتناع عن تصعيد القتال من خلال شن عملية عسكرية برية في القطاع، وحين لخص الحالة بأن "الحرب ليست بين الأخيار والأشرار، بين شعب كله من الصالحين وشعب كله حيوانات بشرية، وإنما بين شعبين يخوضان صراع على الحياة والموت على قطعة ارض واحدة""، وحين أكد على "أن الاعتراف بشرعية نضال الجانب الأخر هي الخطوة الأولى في الطريق إلى أية تسوية". وفى نفس السياق، فقد أصاب "افى ديختر" رئيس الشاباك السابق كبد الحقيقة حين دعا من خلال بوست على صفحته الخاصة على موقع فيسبوك إلى "وقف الحرب على غزة بسرعة والعمل على إيجاد حل للصراع العربي الاسرائيلى"، وحين أكد على انه "طالما تصاعدت الحرب وارتفع لهيبها أدركنا عبثيتها وعدم حاجتنا إليها والى اى مدى كان بإمكاننا أن نوفرها لو فقط تحدثنا بشكل صادق من منطلق الراغب في إيجاد الحل وتقديم الحلول الوسط وبناء مستقبل زاهر للجميع". كما أشارت صحيفة "هآرتس" إلى مربط الفرس حين دعت حكومة إسرائيل في افتتاحيتها وبشكل لا يقبل التأويل إلى "المبادرة والبحث عن حلول سياسية تخدم مصالحها".
إن تحقيق الهدوء والأمن المنشود وبناء المستقبل الزاهر الواعد للجميع في هذه المنطقة التي اكتوت بنار الحروب والعدوان على مدار سنوات الاحتلال هي مسألة ليست صعبة المنال بل يمكن القول أنها في متناول اليد حين تتوفر الإرادة السياسية الإسرائيلية التي تعترف بشرعية الفلسطينيين كشعب صاحب قضية وصاحب حق في الحرية والاستقلال كباقي شعوب المعمورة، وان الاراضى الفلسطينية في حدود 1967 هي أراض محتلة وليست أراض متنازعا عليها، والتي توافق على حل سياسي يقوم على قاعدة إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطين المستقلة على الاراضى الفلسطينية المحتلة في حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشريف، وحل عادل ومنصف لقضية اللاجئين الفلسطينيين.
بقلم: د. يوسف حسن صافى
مدير مركز هدف لحقوق الإنسان