الأولوية لوقف شلال الدم لكن ليس بأي ثمن

بقلم: رشيد شاهين

طيلة أسبوع تقريبا منذ انطلاقه، المطالبات بإيقاف العدوان على الشعب الفلسطيني في القطاع، كانت تتم على استحياء، ومن أطراف محدودة، على أمل أن تستطيع دولة العدوان تحقيق أهدافها من خلال القصف الجوي الذي طال كل الأشياء هناك.

وعندما فشلت دولة الاحتلال بتحقيق أهدافها، بدأت حركة دؤوبة من قبل بعض الساسة الغربيين في زيارة المنطقة، وفي المقدمة توني بلير الذي يتمتع بخبرة كبيرة في قتل الأبرياء من خلال دوره في الحرب على العراق، إلى أن برزت الورقة المصرية التي قيل أن دورا هاما في صياغتها كان لتوني بلير.

الحرب الجوية التي قامت بها دولة العدوان على القطاع باءت بالفشل كما كان متوقعا، حيث أثبتت التجارب في أكثر من بلد "العراق على سبيل المثال، عندما تعرض لسنوات طويلة من القصف والعدوان الجوي دون جدوى" ان من غير الممكن ان تتحقق الأهداف ما لم تكن مصحوبة بوجود قوات على الأرض. وهذا ما دفع دولة الكيان إلى القيام بالعدوان البري.

في خضم ذلك، ومن خلال المواجهة المشرفة التي خاضتها قوى المقاومة، ضد الغزاة، ومن خلال الخسائر الكبيرة التي وقعت في صفوف القوات الصهيونية، ومن خلال الفشل الذريع في تحقيق أي من أهدافها، تسارعت حركة "الوسطاء والمتدخلين والمنافقين" من ساسة الغرب والعرب، وكل ذلك من اجل إنقاذ رأس نتانياهو الذي ان لم يطر الآن فهو لا بد سيطير في أول مراجعة بعد ان ينحسر غبار المعارك.

وضع الوسطاء ما قالوا انه مبادرة مصرية لوقف القتال، وهو في الحقيقة ليس قتالا بقدر ما هو اعتداء، وصارت مصر وعلى خلفية تصفية الحسابات مع حركة الإخوان المسلمين، تتعامل مع تلك الورقة على انها ذات نصوص مقدسة، لا يمكن قبول أي تبديل او تغيير او إضافة او تعديل عليها.

بالإضافة إلى ذلك، فلقد أصبح الشعب الفلسطيني في القطاع، ضحية حسابات وصراعات، تتنافس فيها قوى إقليمية وعالمية، والثمن هو الدم الفلسطيني المسفوك على رؤوس الأشهاد وأمام عيون العالم اجمع.

هذا الوضع أوصل الأمور إلى ما يشبه الطريق المسدود، خاصة وان ما يتعرض له قطاع غزة لا يقتصر على حماس، أو على هذا الفريق أو ذاك، كما ان من الواضح ان النسبة الكبيرة من الضحايا هم من المدنيين الذين لا ذنب لهم.

برغم كل هذا الدمار الذي لحق بالقطاع، وبرغم كل هذا الدم، فان من غير المقبول ولا المعقول ان تتم إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، والعودة إلى اتفاق 2012، وإذا كان الأمر كذلك، إذا لماذا جرى كل هذا الدم؟، ولماذا يسقط كل هذا الكم من الأرواح والجرحى؟.

من المعتقد بان الشعب الفلسطيني في قطاع غزة يعلم بان لهذه التضحيات ثمنا مستحقا لا بد من دفعه، هذا الثمن ليس مستحيل التحقيق، وهو ليس سوى مطالب إنسانية يمكن إذا خلصت النوايا ان تتحقق بدون تسويف أو تأخير، وهي المطالب التي لا نعتقد بان أهلنا في القطاع سوف يتنازلون عنها حتى لو تنازلت عنها قوى المقاومة، وعليه فانه لا بد من التشبث بها وعدم التراجع عنها وان لا بد من تحقيقها، خاصة في ظل المستنقع الذي بدأت أقدام الصهيوني تقع فيه، وهو يعلم بذلك ويتمنى الخلاص منه اليوم قبل الغد.

ان المراهنة على مصر في هذا الدور تبقى موجودة، برغم كل الأصوات الشاذة التي نسمعها في بعض "أكشاك" الفضائيات، حيث من غير الممكن لدولة مثل مصر ألا تتسامى على الصغائر، وألا تترفع على الحسابات الضيقة والصغيرة، فليس هذا هو الوقت المناسب لذلك، فالدم الفلسطيني كان وما زال ممتزجا مع الدم المصري، ولا انفكاك لهذه المعادلة مهما حاول البعض ان يفعل من اجل "تفكيكها".

نقول هذا لمصر، لأنه وبرغم الإدراك الجماعي بان الأولوية لوقف الدم النازف، إلا ان هذا لا يعني القبول بذلك مقابل أي ثمن، خاصة وان ما تم دفعه لغاية اللحظة هو ثمن كبير، وكبير جدا.