ما من أحد إلا ويعرف أن الدم الفلسطيني الذي ينزف غالي علينا جميعا، وما من أحد يطلب الحرب ويحب الحرب، ولكن عندما تفرض عليك الحرب ماذا تفعل هل تستسلم وتقول خلاص تعال أيها العدو واحتل وافعل ما تريد بنا، لا يا شعبنا المناضل والصابر علينا أن نكون أقوياء صامدين في وجه العدوان الغاشم على شعبنا وعلى أرضنا.
نحن لم نذهب إليهم في بلادهم ونطلب منهم أن يأتوا إلى أرضنا ولا أن يشردونا في أقطار العالم، بل هم الذين قدموا إلينا وقتلونا وأخرجونا من ديارنا، قال سبحانه وتعالى: "إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ".
إذا فلابد أن نقاتل وبقوة، وأن ندعم المقاومين وأن نقدم لهم الدعم بشتى أنواعه المعنوي والنفسي والشخصي، هكذا هي الحرب تحتاج إلى الصمود بقوة في وجه العدوان حتى تكون موجودا على الأرض وإلا مسحك الطرف الأخر عن الوجود. قال سبحانه وتعالى: "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ".
نحن لا نشجع على الحرب والقتل لأي سبب، وإنما نحن نأخذ بالأسباب من يعتدي عليك يجب أن تدافع عن نفسك بكل ما أوتيت من قوة، بالرغم أن كراهية القتال هي قضية فطرية يعملها الله الذي خلق الإنسان فهو سبحانه لا يعالج الأمر علاجا سوفسطائيا، ويعلم الله أنه عندما كتب علينا القتال أن القتال مكروه. وحتى إذا ما أصابك فيه ما تكره فأنت قد علمت أن الذي شرعه يقدر ذلك.
ولو لم يقل الحق إن القتال كره: لفهم الناس أن الله يصور لهم الأمر العسير يسيرا. إن الله عز وجل يقول للذين آمنوا: اعلموا أنكم مقبلون على مشقات، وعلى متاعب، وعلى أن تتركوا أموالكم، وعلى أن تتركوا لذتكم وتمتعكم. ولذلك نجد كبار الساسة الذين برعوا في السياسة ونجحوا في قيادة مجتمعاتهم كانوا لا يحبون لشعوبهم أن تخوض المعارك إلا مضطرين، فإذا ما اضطروا فهم يوضحون لجندهم أنهم يدرأون بالقتال ما هو أكثر شرا من القتال، ومعنى ذلك أنهم يعبئون النفس الإنسانية حتى تواجه الموقف بجماع قواها، وبجميع ملكاتها، وكل إرادتها.
إن القتال قضية عامة. لذلك فعلينا أن نرد الأمر إلى من يعلمه، "والله يعلم وأنتم لا تعلمون" فكل أمر علينا أن نرده إلى حكمة الله الذي أجراه؛ لأنه هو الذي يعلم. وأورد في هذا المقام قصة من التراث الإنساني لعلنا نتعظ ونصبر على ما أصابنا لأنه قد يكون فيه الخير الكثير لنا، يحكى أن رجل من الصين، كان يملك مكانا واسعا وفيه خيل كثيرة، وكان من ضمن الخيل حصان يحبه. وحدث أن هذا الحصان هام في المرعى ولم يعد، فحزن عليه، فجاء الناس ليعزوه في فقده الحصان، فابتسم وقال لهم: ومن أدراكم أن ذلك شر لتعزوني فيه؟ وبعد مدة فوجئ الرجل بالجواد ومعه قطيع من الجياد يجره خلفه، فلما رأى الناس ذلك جاءوا ليهنئوه، فقال لهم: وما أدراكم أن ذلك خير، فسكت الناس عن التهنئة. وبعد ذلك جاء ابنه ليركب الجواد فانطلق به، وسقط الولد من فوق الحصان فانكسرت ساقه، فجاء الناس مرة أخرى ليواسوا الرجل فقال لهم: ومن أدراكم أن ذلك شرا؟ وبعد ذلك قامت حرب فجمعت الحكومة كل شباب البلدة ليقاتلوا العدو، وتركوا هذا الابن؛ لأن ساقه مكسورة، فجاءوا يهنئونه، فقال لهم: ومن أدراكم أن ذلك خير؟ فعلينا ألا نأخذ كل قضية بظاهرها، إن كانت خيرا أو شرا، لكن علينا أن نأخذ كل قضية من قضايا الحياة في ضوء قول الحق:"كَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ".
هذا لكي نقول لبعض الأصوات النشاز التي تولول وتبكي وتنيح على ما أصاب الشعب من تضحيات جسام، أن هي الحرب وعلينا أن نحتسب وأن نصبر، أنظروا إلى الملاعين الصهاينة كيف يخرجون في الشوارع لكي يدعموا الجبهة الداخلية بالرغم من كل الخسائر التي تكبدوها ويطالبوا جيشهم المنكسر بالتقدم في غزة واحتلالها.
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { ما من عبد تصيبه مصيبة، فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم اؤجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها. إلا أجره الله في مصيبته، وأخلف له خيرا منها "قالت: فلما مات أبو سلمة، قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخلف لي خيرا منه، رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فأصبر يا شعبنا وأصمد وأدعو بالنصر للمقاومة وأن يثبت أقدامهم ويمدهم بملائكة مسومين يقاتلوا معهم لرد هذا العدوان الغاشم علينا، فنحن مؤمنين نحتسب قتلنا شهداء ونحتسب قتلاهم في النار، النصر للشعب الفلسطيني. قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ، وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ، وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
بقلم الكاتب: د.زهير عابد
أستاذ جامعي