قطاع غزة رهينة الارادات المتباينة

بقلم: أكرم أبو عمرو

منذ أن بدأ العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة ،لم يحرك أحدا ساكنا قبل ان تتقدم مصر بمبادرتها لوقف اطلاق النار ، سوي بعض النداءات والبيانات الصادرة من بعض الجهات الدولية والعربية ، المطالبة بوقف إ‘طلاق النار دون تحديد اليات هذا الوقف ، بغض النظر عن الموقف من المبادرة المصرية من الجانب الفلسطيني بشقيه المقاومة وفصائلها في غزة ، والسلطة الفلسطينية في رام الله ، فان تسارع العديد من الاطراف للخوض في هذه القضية محاولا الاخذ لنفسه مكانا هاما وكأنه عراب المشكلة ، انما يدل ان ثمة شيء ما يراد له ، بدأ بإطلاق مبادرات مضادة للمبادرة المصرية ، وأخيرا دخول الولايات المتحدة الامريكية على الخط مباشرة بزيارات وزير خارجيتها جون كيري، ومن ثم طرح مقترحاته الاخيرة لوقف اطلاق النار التي رفضت فلسطينيا ، على الاقل وعدم استجابة واضحة اسرائيليا ، والملفت للنظر هو دعوة فرنسا الى مؤتمر دولي لمناقشة مسالة وقف اطلاق النار في قطاع غزة ، دون حضور مصر الدولة الاقليمية الكبرى والجارة لقطاع غزة، والسلطة الفلسطينية .

السؤال هنا لماذا هذا الحراك المحموم ، كما يبدو لنا ومن متابعتنا اليومية ان اسرائيل قد استخدمت حتى الان اقصى درجة من القوة لها في التدمير والقتل ضد الفلسطينيين المدنيين العزل ، حيث استشهد حتى ساعة اعداد هذه المقالة اكثر من 830 مواطنا فلسطينيا معظمهم من الاطفال والنساء ، وجرح نحو 5000 جريح ، وتدمير آلاف المنازل بل ان احياء كاملة تم تدميرها بآلة الدمار الاسرائيلية وآلاف المواطنين الذي اضطروا للخروج من منازلهم خوفا من ألقصف بل ان العديد منهم قد سقط شهيدا وهو مغادر لمنزلة وظلت جثته ساعات طوال ملقاة على جنبات الطرق ، في مشهد مؤلم تم بثه على العديد من القنوات التلفزيونية .، وما زال المشهد على حاله من قتل وتدمير وخوف وكارثة انسانية حلت بقطاع غزة وسكانه .

في ظل هذه الحرب نعتقد ان ثمة اطراف تسعى للتحرك من خلال محاولات وقف اطلاق النار ، اطراف تختلف فيما بينها من أهداف ، فمنها من يرغب بإبراز مكانته كدولة مؤثرة ومحورية في المنطقة ، وأخرى تسعى لتعزيز مكانتها الاقليمية على حساب دول اخرى ، اما الاخرين فقد هبوا فقط من اجل عيون اسرائيل ، نعم نقول من اجل اسرائيل التي بدأت تتناثر بشكل كبير بالحرب ، لدرجة ان تتعرض فيه الى زعزعة جبهتها الداخلية ، خاصة بعد ان اعلنت العديد من شركات الطيران ايقاف رحلاتها الجوية الى اسرائيل ، الامر الذي يؤدي الى انخفاض اعداد القادمين لإسرائيل بشكل كبير للسياحة والتجارة ، بالإضافة الى ما احدثته القذائف الصاروخية التي اطلقتها المقاومة الفلسطينية على البلدات والمدن الاسرائيلية بشكل شمل تقريبا مساحة اسرائيل من الشمال الى الجنوب ، وما نجم عن ذلك من احلال الرعب والخوف في المجتمع الاسرائيلي ، ناهيك عن الخسائر المادية ، اما ميدانيا لأول مرة تعترف اسرائيل بهذا العدد من القتلى في تاريخ اعتداءاتها على الشعب الفلسطيني ،الذي تجاوز الثلاثين قتيلا حسب تصريحات الجيش الاسرائيلي ،

اذن اسرائيل اصبحت في خطر وجب على الدول الاوروبية وأمريكا ان تهب لنجدتها للحفاظ على هيبتها وقوتها وهيمنتها كأكبر قوة في المنطقة ، كيف لا وان المنطقة تدور في طاحونة ما يعرف بثورات التغيير الدموية ، التي تحظى بالدعم الامريكي والإسرائيلي لها خاصة في سوريا وليبيا .

هنا تبدو لنا اهداف هذا التحرك التي اولها هو محاولة اقصاء مصر عن أي دور فعال في المنطقة ، خاصة بعد ان وقفت مصر بصراحة وبقوة في وجه الارادة الامريكية ، في ايذان بتحول جذري في السياسة اللمصرية لقيادة المنظومة العربية بعد طول غياب وانعكاف على النفس ، الامر الذي يهدد بصراحة المصالح الامريكية وخططها في المنطقة . .

ثاني هذه الاهداف اجهاض المقاومة الفلسطينية او على الاقل تقليم اظافرها ،بمحاولة نزع اسلحتها . ودفعها للعمل السياسي فقط .

وثالث هذه الاهداف اطالة امد الانقسام الفلسطيني واستمرار بل ربما تعمل على تغيير الخريطة السياسية الفلسطينية في محاولة سلخ جزء "قطاع غزة"من الوطن الفلسطيني عن باقي الوطن ، لذلك نرى ان الولايات المتحدة الامريكي جن جنونها وإسرائيل مجرد الاعلان عن اتفاق المصالحة ألفلسطينية وبدأتا في اطلاق التهديدات للسلطة الفلسطينية مطالبة اياها بالتراجع عن اتفاق المصالحة .

من هذه المعطيات بدأت هذه الدول في محاولة تعطيل المبادرة المصرية بدلا من التعاطي معها بالمناقشة او ربما التعديل للوصول الى صيغة اتفاق .

وهكذا يبقى قطاع غزة رهن الارادات الاقليمية الدولية لتحقيق اهدافها الواضحة في الوقت الذي تستمر عمليات القتل والتدمير الاسرائيلي لقطاع غزة وسكانه ، لكن الحقيقة في اعتقادي ان الكلمة الاولى والأخيرة سوف تبقى بيد الفلسطينيين وأهدافهم ومشروعهم ، لذلك فان الموقف الفلسطيني قد تعزز الان بصموده ومقاومته ،وأصبح من القوة لدرجة ان اصبح فيها قادرا على فرض شروطة ومطالبه والمطلوب الان ترجمة هذا الصمود والمقاومة بالوحدة والثبات وعدم التفريط بالأهداف الفلسطينية ، كما ان لمصر دورا هاما في القضية لا يمكن لأي اطرف باي حال تجاهلها ولن يتم تجاهلها فهي الدولة الاقرب لفلسطين ولديها الخبرة الكافية في كل جزيئات القضية وتفاصيلها .

قلنا منذ البداية ان هذه الحرب ستكون مفصلية في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي ، وسوف يكون لها الاثر في تحديد مسار هذا الصراع لذلك على قياداتنا السياسية والمقاومة الانتباه لما يجري ، حتى لا يضيع دماء ابنائنا هدرا في ظل الصراعات الاقليمية والدولية .