إنها بيعة الدم .. إسنادا ووفاء

بقلم: إبراهيم عمر المصري

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله القادر المنتقم الجبار: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً)
ومع مضي عشرين يوما من العدوان الغاشم على قطاع غزة، وحصيلة الشهداء (بإذن الله) حتى اللحظة قد أقفلت الـ1000 والجرحى ستة أضعاف ذلك ومثلهم من المنازل والمنشآت المهدمة، وفي ظل ازدياد شراسة المعركة سياسيا وعسكريا، وانقطاع أحبال الصلة والرجاء المأمول مع غالبية أنظمة الدول الإسلامية والعربية وعلمائها ورموزها وشعوبها، وأملا من الاستفادة في التغير الإيجابي النسبي لوتيرة الخطاب الرسمي لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وقطاع عريض من قيادات حركة فتح، وتقدما إلى دائرة الفعل في خطوة للأمام بدلا من الانتظار ورد الفعل.. فإننا بحاجة اليوم إلى وقفة صريحة وجادة مع أنفسنا اتجاه الأفق والمسارات التي يجب أن تتخذها قيادة المقاومة، إذ ينبغي –برأيي- أن يكون التالي:
أولا، حقائق ومعطيات:
1. لا يوجد خلاف أنه ليس لدينا ما سنخسره فلسطينيا على مستوى الحياة الحرة والكريمة حاليا أو لمستقبل الأجيال القادمة سواء في غزة (حيث الدعم والغطاء الدولي الرسمي لممارسات الاحتلال، قتل واستهداف وتدمير وعدوان، حصار سياسي واقتصادي ومالي وتجاري ومائي وعلى حركة وتنقل الأشخاص والبضائع، تلوث مياه، انقطاع كهرباء، لا غذاء ومواد تموينية، لا مستلزمات بنية تحتية، لا وقود، لا وفود، لا أدوية ومستهلكات صحية...الخ) أو حتى في الضفة (حيث التهويد والاستيطان، اعتقالات وملاحقات أمنية، حواجز ونقاط تفتيش وإعاقة التنقل والحركة، حملات تفتيش وإذلال، عربدة صهيونية...الخ). ويضاف إلى ذلك التهديد المحدق والخطير بالثوابت الوطنية الفلسطينية المجملة في: الإنسان والأرض والمعتقد والمقدسات.
2. المصالحة الفلسطينية إنجاز وطني كبير يجب الحفاظ عليه والاعتبار من ويلات الانقسام البغيض، حيث إن الجهد الفلسطيني الموحد باختلاف أشكاله على قاعدة التمسك بالثوابث هو الطريق الأنجع والأسرع لدحر الاحتلال.
3. الإسناد الشعبي العلني والصريح والواضح لقيادة المقاومة في هذه الأوقات -ومن الشعب الغزّي الأبي الصامد تحديدا- يعزز من صلابة موقفها السياسي وخياراتها في استرداد الحقوق وليس (تحقيق المطالب!).
4. من ثوابت التاريخ الإنساني وتجارب حركات التحرر في العالم:
- ما يؤخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة (وعلى رأسها المقاومة والكفاح المسلح).
- لا عدالة عند ما يسمى بالعالم الحر؛ فالمصالح والقوة فقط هي التي لها اعتبار. (إيران، مصر، سوريا، ليبيا، أوكرانيا)
- لم يكن هناك مطلقا أي توازن في القوة المادية بين شعب ومحتل، وللتحرر والانعتاق ضريبة لا بد من دفعها هي بالضرورة أكبر من ضريبة القبول بالاحتلال. (فرنسا والجزائر، أمريكا وفيتنام)
ثانيا، مقترح برنامج عمل:
1. تثبيت أن قيادة المقاومة هي صاحبة القول الفصل في كل ما تفضي إليه دهاليز السياسة، وينبني على ذلك توقيع المقاومة على أي اتفاق إلا إذا أعلنت المنظمة والرئاسة تأييدها الصريح للعمل العسكري المقاوم كأحد الخيارات الأصيلة لدفع العدوان واسترداد الحقوق؛ وفي ذلك مرونة سياسية لكل الأطراف.
2. الإعلان عن تاريخ محدد وقريب لقبول العدو الصهيوني المحتل بالحقوق العادلة للشعب الفلسطيني في المرحلة الحالية والتي سبق وأعلنتها قيادة المقاومة –والتي هي أصلا بحدها الأدنى من الحقوق الإنسانية المشروعة والمتعارف عليها دوليا-، وذلك باتفاق جميع التنظيمات الفلسطينية. ويرافق ذلك الإعلان التلويح الجاد بخيارات تبعية صعبة وخطيرة سيندم عليها العدو –دحرا وهزيمة- وكل حلفائه –خزيا وعارا-.
3. في حال رفض العدو الصهيوني المحتل ذلك، يتم الإعلان الرسمي من ممثلي التنظيمات الفلسطينية عن انتفاضة فلسطينية شعبية عارمة ثالثة تشمل بالتوازي مع قطاع غزة كافة أماكن التواجد داخل الأرض الفلسطينية (القدس، الضفة، الـ48).
4. وقد تتدحرج الأمور تصاعديا إلى حد توسيع دائرة الاستهداف المباشر لكل الصهاينة المحتلين (ما يدّعون أنهم مدنيون) على كل أرض فلسطين؛ فلا طمأنينة وأمان لأحد طالما أن أطفالنا ونساءنا وكبار السن يقتلوا بدم بارد.
5. تقوم كافة الأطراف –أي التنظيمات الفلسطينية- بتسخير إمكانياتها للحشد الشعبي الإسلامي والعربي إسنادا للموقف الفلسطيني ضد العدو الصهيوني المحتل، وبالتوازي مع حراك دبلوماسي رسمي وشعبي وتفعيل سفاراتنا الفلسطينية والجاليات للاضطلاع بدورها بالخصوص.
6. تبادر رئاسة السلطة الفلسطينية بإخراج كافة المعتقلين في سجونها على خلفية سياسية (أنصار الفصائل المقاومة)، في خطوة تدعم الحراك الثوري الشعبي.
7. هذا كله يستدعي موقفا رسميا برفع سقف حقوقنا المشروعة وفق الممكن مرحليا في ظل اختلال موازين القوى وعدم استقرار المنطقة والأهم من ذلك مؤامرة أنظمة دول إسلامية وعربية كشفت حبالها أجهزة مخابرات العدو -إثر توريطها وتفاجئها بقدرة وإمكانات المقاومة- فيما لم يقابَل ذلك بموقف رسمي ينفيه. هذا ويترك الباب مشرعا للأجيال القادمة وقيادات المقاومة المتعاقبة أن يرى منهم عدوهم ما لا يخطر لهم ببال أو يمكن أن يتخيلوه.
8. إن الخطوات السابقة للقيادة الفلسطينية بما فيها قيادة المقاومة يلزمها بالضرورة إسنادا شعبيا سريعا يعزز موقفها السياسي والتفاوضي في خطوة رمزية وهامة جدا، وذلك من خلال البدء بحملة شعبية تعبوية واسعة –في قطاع غزة ومراكز الإيواء فيها تحديدا- بالتوقيع على وثيقة إقرار بدعم وإسناد الانتفاضة الشعبية حتى استرداد حقوقنا المشروعة –وبدلا من المسيرات؛ لخطورة الوضع الأمني بغزة-. باعتقادي، وفي ظل الحركة الدولية المحمومة الآن لإخراج العدو الصهيوني المحتل من ورطته في قطاع غزة وبدء تصاعد الغضب الفلسطيني وتشعب أماكن المواجهة، فإن هذا الأمر –أي الاستفتاء الشعبي- لازم وضروري على كل الأحوال.
9. يلزم هذا الحراك أيضا واجبا على المجتمع المدني ومؤسسات العمل الخيري والإغاثي. ففعاليات ومؤسسات المجتمع المدني ومراكز حقوق الإنسان يوكل إليها فضح أركان وشخوص المؤامرة الخسيسة على دولة فلسطين ومن يحالفها في كل المنابر الإعلامية وبكل قوة واتساع. وأما مؤسسات العمل الخيري والإغاثي فتقدم خطة إنقاذ سريعة وشاملة وفاعلة للأسر والعائلات المتضررة من هذا العدوان.

أيها الأحباب، ربما يكون هذا في بعضه وليس كله –من وجهة نظر البعض- أوهاما وتخيلات لا تمتلك بذور تحقيقها. لكن الأمل ثقةً بالله أولا، وفي بقية باقية من يقظة ضمير، يجعلنا نحاول ونحاول ونحاول حتى يأتي أمر الله بالنصر والتمكين. وكما قيل: (ما لا يدرك كله لا يترك جله).
يبقى أن نقول، إن نصرة الضفة والقدس والداخل (أراضي الـ48) لنفسها أولا والوقوف بجانب قطاع غزة بالضرورة في وجه غطرسة العدو الصهيوني المحتل واسترداد الحقوق المشروعة لا تحتاج أصلا إلى كل ذلك الترتيب؛ لأنه (وبدون مجاملات أو قصد الإساءة) صدق الله تعالى في سورة التوبة: (...لَا يَسْتَـئذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْآخِرِ أَن يُجَـٰهِدُوا بِأَمْوَ‌الِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ...).
إن هذا الحراك المبارك الآن يجب أن تتصاعد وتيرته.. وتتشعب أماكنه.. وتتنوع طرقه ووسائله.. من الحجارة والسكين وحتى يتألم هذا العدو في صميم قلبه (يا باكورة المهندسين).

وأخيرا.. المرة، وفي كل مرة، رسالتنا بيعة وإسنادا ووفاء:
يا قيادة المقاومة لقد آمنَّا بنهجكم وصدَّقناكم، وشهِدْنا أن ما جئتم به هو الحق، وأعطيناكم على ذلك عهودنا ومواثيقنا على الدعم والمناصرة، فامضوا يا قيادة المقاومة لما أردتم فنحن معكم، فوالذي بعثكم بالحق لو استعرضتم بنا البحر فخضتموه لخضناه معكم ما تخلّف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقوْا بنا عدونا غدا، فإنا صُبُرٌ في الحرب صُدُقٌ عند اللقاء، فصِلَوا حبال من شئتم، واقطعوا حبال من شئتم، وعادوا من شئتم، وسالموا من شئتم، وخذوا من أموالنا ما شئتم، وأعطونا ما شئتم، وما أخذتم منا كان أحب إلينا مما تركتموه، فلعل الله يريكم منا ما تقر به أعينكم.
يا قيادة المقاومة: خائن من فرط بعهدة الشهداء.. خائن من فرط بسنيّ الأسرى.. خائن من فرط بالأرض والمسرى..

للكاتب / إبراهيم عمر المصري – قطاع غزة - 27/7/2014م