هزمت إسرائيل عسكرياً وسياسياً على أرض غزة، هزمت إسرائيل وانهارت مؤسساتها الأمنية التي نزفت قوة ردعها على أرض غزة؛ رغم مئات جثث الفلسطينيين المكدسة في الشوارع، ورغم قطع اللحم الفلسطيني المتناثر على الفضائيات، والمعلق على أسلاك الكهرباء.
ولما كانت الحروب لا تقاس بعدد الضحايا، وإنما تقاس بعدد الضربات القاتلة التي تقصم ظهر العدو، فإن ما حققته المقاومة الفلسطينية من نصر تمثل في قصف الثقة الإسرائيلية المطلقة بقدرة الجيش الإسرائيلي على فعل أي شيء في أي مكان على وجه الأرض، دون أن تتأثر الجبهة الداخلية بما يجري على جبهات القتال.
لقد هزمت إسرائيل، هذه حقيقة كشفت عنها الاتهامات العلنية غير المتبادلة بين المستوى العسكري في إسرائيل والمستوى السياسي، ففي الوقت الذي اتهم فيه بعض القادة العسكريين قادتهم السياسيين بعدم الحزم في القرار، وعدم القدرة على الحسم، لم يجرؤ قائد سياسي واحد على التشكيك بالجيش الإسرائيلي، واتهامه بالضعف أو الخوف أو العجز أو الفشل.
إن عدم تشكيك السياسيين بقدرة الجيش الإسرائيلي ترجع إلى أصل قيام الدولة الصهيونية، حين أوحت بأن جيشها جاهز للدفاع عن وجود اليهود داخل أرض إسرائيل وخارجها، لذلك انتقد القادة العسكريون الإسرائيليون قيادتهم السياسية علانية، وحملوها مسئولية الفشل، من منطلق الحفاظ على المصلحة العليا للدولة، التي تفضل التضحية بكل السياسيين ولا تسمح بالمس بهيبة الجيش؛ الذي يجب أن يظل بعيداً عن شبهة القصور والضعف.
إن تجرؤ المستوى العسكري في إسرائيل على اتهام المستوى السياسي بالعجز، لا يهدف إلى تعزيز صورة الجيش القوي القادر في أذهان الإسرائيليين فحسب، وإنما يهدف إلى طمأنة المجتمع على جيشه الذي يمتلك المعجزات والإمكانيات والوسائل الكفيلة بتحقيق النصر السريع، وللتأكيد على ذلك، فقد أعلن المستوى العسكري أن عينه لم تغفل عن أي صغيرة وكبيرة تجري على الأرض، وقد سبق له وأن أخطر المستوى السياسي بالتطورات الميدانية الخطيرة التي تجري على أرض غزة، قبل تسعة أشهر من الآن، ولكن المستوى السياسي أغمض عينه، ولم يقرر في حينه، وعليه فهو الذي يتحمل مسئولية هزيمة الجيش على أرض غزة.