معادلة حق الدفاع عن النفس !

بقلم: محمد السودي


منذ بدء جولة العدوان الأخيرعلى الشعب الفلسطيني في الضفة الفلسطينية إثر انهيار عملية المفاوضات التي رعتها الإدارة الأمريكية وأفشلتها اسرائيل عن سابق إصرار حين تنكـّرت لإطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى ماقبل اتفاق أوسلو ثم اعقبها خطوات فلسطينية تمثـّلت بالتوجـّه لانضمام فلسطين لعدد من المؤسسات والهيئات والمعاهدات والإتفاقيات الدولية المنبثقة عن هيئة الأمم المتحدة التي من شأنها تجسيد وتعزيز مكانة فلسطين باعتبارها دولة واقعة تحت الإحتلال وتشكيل حكومة الوفاق الوطني التي وجهّت ضربةً قاصمة للسياسات الإستراتيجية الإسرائيلية القائمة على ابقاء حالة الإنقسام وعزل قطاع غزة عن محيطه الفلسطيني الأمر الذي أفقدها صوابها واعتبرته خطـّاً أحمراً لايمكن القبول به ، كان من الواضح أن حكومة الإحتلال ستلجأ إلى أساليبها القديمة الجديدة للتهرّب من الإلتزامات المترتبة عليها باللجوء إلى سياسة خلط الأوراق ، بغض النظر عن الأسباب التي ستكون شرارة اشتعال العدوان وهي خطط معدّة مسبقاً تحتفظ بها هيئة أركان جيش الإحتلال كلما وجد المستوى السياسي نفسه أمام مأزق داخلي أو ضغوط دولية تـُضيّق عليه الخيارات وأفصح عنها بوضوح رئيس حكومة التطرف بقوله "أن اسرائيل مقبلة على استراتيجية جديدة" لذلك جنّدت كل طاقاتها للتحريض على القيادة الفلسطينية واتهامها بالتحالف مع "الإرهاب" وهذا ماوجد تجاوباً واسعاً على مستوى الجبهة الداخلية للمجتمع الصهيوني الذي تجتاحه موجة التطرف والعنصرية والكراهية للعرب نتيجة التحريض والشحن العنصري من قبل الإئتلاف الحكومي اليميني ، في حين فشلت بترويج اكاذيبها على المستوى الدولي مايؤكد النوايا المُسبقة للعدوان على الشعب الفلسطيني .
أما قصة اختطاف ومقتل المستوطنين الثلاث في المناطق الخاضعة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية التي لم يتبنّاها أحد من فصائل العمل الوطني الفلسطيني فلم يتبيّن لها رأس سوى فرضية الإحتلال أي رواية من طرف واحد يحوم حولها الشكوك والغموض بالنظر إلى السلوك الإجرامي المُعتاد في مثل هذه الحالات المعهودة عبر تاريخ الصراع مع حكومات التطرف العنصري ، حيث ستبقى الأسئلة تراوح مكانها بلا أجوبة مقنعة ، مايعني أن مصلحة الإحتلال خلق ذرائع لإشباع رغباته الجامحة باللجوء للعدوان الوحشي على الشعب الفلسطيني الذي تجلى بأبشع صوره في محافظات الضفة الفلسطينية بفرض العقوبات الجماعية على السكان وعمليات الإعتقال والحصار وهدم البيوت بما في ذلك إعادة اعتقال الأسرى المحررين بصفقة الجندي الذي كان أسيراً لدى فصائل المقاومة "جلعادشاليط" فضلا عن اعتقال نواب المجلس التشريعي وعمليات القتل الممنهج وانفلات عقال إرهاب عصابات المستوطنين المدعومين من أجهزة الإحتلال الذين أقدموا على جريمة فاشية يندى لها جبين الإنسانية بحرق الفتى المقدسي محمد أبو خضير حياً ، الأمر الذي دفع حكومة الإرهاب والتطرف بتحويل الأنظار عن هذه الجريمة النكراء باتجاه التصعيد العدواني على قطاع غزة تحت مبرارات توفير الأمن للمستوطنين من صواريخ المقاومة .
من غرائب زمن العولمة المتوحش أو الفوضى الهدّامة النموذج الذي عممته الإدارة الأمريكية ومن يدور في فلكها على منطقة الشرق الأوسط بغية جلب الديمقراطية للشعوب كما تزعم ، أن يـُمنح القاتل رخصة القتل المجاني ضد الضحية إذ تنقلب المفاهيم رأساً على عقب حين يتعلق الشأن بالكيان الإسرائيلي المارق وتصبح الجريمة المبيتـّة والإحتلال الذي يُعتبر بحد ذاته جريمة حرب كبرى وفق القوانين والمبادىء الإنسانية التي قامت من أجلها مؤسسات الأمم المتحدة حق مشروع للدفاع عن النفس ، معادلة مستهجنة لم يتبنّاها سوى قطاع الطرق وعصابات المافيا الذين لايأبهون للقانون الدولي والإنساني ويجعلون من شريعة الغاب والقوة الغاشمة قانونهم الخاص ، والغريب أيضا أن من بادر إلى تبنّي مقولة حق اسرائيل بالدفاع عن نفسها وحماية مواطنيها بعد الشريك المتواطىء والحليف الأستراتيجي الأمريكي الذي انصاع لقوىالضغط والنفوذ الصهيوني في أمريكا وقرّر تزويد جيش الإحتلال بالعتاد والسلاح والقنابل التدميرية ذات وزن السبعة أطنان كان قد استخدمها في جبال تورو بورو بأفغانستان ضد القاعدة وملجأ العامرية في بغداد ، الرئيس الفرنسي الإشتراكي " فرانسوا هولاند " تبعه في ذلك المستشارة الألمانية "انجيلا ميركل" المصابة بعقدة الذنب تجاه المحرقة النازية بحق اليهود ، واستبدالها بمحرقة فلسطينية يرتاح لها ضميرٍها إن وجد ، كما هو حال صاحبة الماضي الإستعماري العريق المملكة المتحدة الضليعة بأكبر مظلمة تاريخية لحقوق الشعب الفلسطيني ، وكذا الإتحاد الأوروبي الذي لم يخرج عن مظلة البيت الأبيض في كل الأحوال .
لقد أدرك العدوالصهيوني أن هذا العدوان الغادر على قطاع غزة ليس مجرد نزهة يستطيع جيش الإحتلال من خلاله كسر إرادة المقاومة ورفع الراية البيضاء وفرض شروطه المُذلـّة ، إنما خلق عنصر المفاجأة التي أذهلته كما غيره من المتواطئين أسياد النفاق الدولي بمدى قدرة الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة على الصمود والتصدي وتدفيعه الثمن غالياً بعد أن تلقـّى ضرباتٍ موجعةٍ لجيشه المهزوم وباتت كل أوكاره في مرمى نيران المقاومة وبالتالي انكشف أمر بنك الأهداف الذي أعلن عنه وشاهده العالم عبر وسائل الإعلام مباشرة مجازر ، مذابح جماعية أقل مايمكن وصفها بالهمجية قتل الأطفال والنساء والشيوخ وتدمير البيوت فوق رؤوس ساكنيها الأمنين وإبادة عوائل بكاملها من الوجود ، فضلا عن تدمير المستشفيات والبنى التحتية الضرورية لإدامة حياة الإنسان يقابله صمت العار العربي والدولي الذي يرتقِِِ إلى مستوى الشراكة بالقتل والعدوان ، من خلال إمداد جيش الإحتلال بالأسلحة الأمريكية الفتـّاكة انطلاقا من قواعدها المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة وبعض أراضي الدول العربية الواقعة تحت الحماية الأمريكية ولها وظائف محددة بما يجري في المنطقة بأسرها .
إذا ارادت اسرائيل ومن يقف خلفها كيِّ الوعي الفلسطيني بارتكابها حماقة العدوان والمجازر لتركيع الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة كما يعتقد مجرم الحرب الصهيوني "بوجي يعلون " وأسياده في البيت الأبيض وتابعيهم عليه أن ينعش ذاكرته المريضة بأن الشعب الفلسطيني مثلما نهض وحمل سيف الحرية من بين ركام النكبة ومجازر دير ياسين والنكسة وصبرا وشاتيلا سينهض أقوى وأشدّ عزيمة وإصراراً على نيل حريته واستقلاله الناجز ، وعليه أن ينتظر كيف سيُقلب السحر على الساحر ، وبدلاً من نجاح أهداف عدوانهم بإعادة الإنقسام كيف وحّد دم الشعب الفلسطيني النازف كل قواه الوطنية والإسلامية ومؤسساته اينما تواجد تاركا كل التباينات خلف ظهره من أجل وحدته الوطنية السلاح الأمضى في تحقيق اهدافه السامية بإقامة الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس وعودة لاجئيه إلى أرضهم وديارهم التي شردوا منها وزوال الإحتلال ، أمامصير هؤلاء المجرمون سيكون نفس مصير الفاشيون أمام محاكم جرائم الحرب طال الزمن أم قصر فلا عودة إلى الوراء مهما كانت التضحيات ..... النصر صبر ساعة ...