لم يعد موقف المقاومة في فلسطين من عدم استهداف المستجلبين اليهود من كل أنحاء العالم الذين يعيشون في مدن فلسطيننا المحتلة عام 1948 في أمن واطمئنان طوال أيام العدوان؛ لم يعد مقبولاً لا أخلاقياً ولا سياسياً كأحد المراجعات من قِبل القادة السياسيين لبعض الفصائل الذين يريدون من خلاله توصيل رسائل إلى أمريكا وغيرها أنهم لم يعودوا يعتبروا كل المستجلبين إلى فلسطيننا عسكريين، وأنهم أصبحوا يميزون ما بين الجندي العسكري وما بين المواطن المدني على أمل الحصول على أي مكسب سياسي، ذلك لم يعد مقبولاً لا سياسياً ولا أخلاقياً وعلى الباحثين عن الشرعية السياسية أن يدركوا بعد عقود الصراع وما فيها من تجارب أن الشرعية الوحيدة المقبولة فلسطينياً وعربياً وإسلامياً هي شرعية المقاومة، وأنه لا شرعية سياسية لغير شرعية المقاومة، وأن الذي أضاع فلسطيننا قبل النكبة عام 1948 هم الذين سعوا إلى الحصول على الشرعية السياسية وحل القضية عبر الدول الغربية ومؤسسات ما يسمى الشرعية الدولية وهم يعلمون أن تلك الشرعية هي التي منحت العصابات الصهيونية الحق في وطننا! والذي أضاع تضحيات الشعب الفلسطيني والأمة بعد النكبة وما قدمته الثورة الفلسطينية المعاصرة والانتفاضة الأولى من نماذج رائعة في المقاومة وضربه أهلنا في كل مكان من أمثلة عالية في الصمود والتضحية وأجهض كل طموحاتنا في التحرير هو السعي لكسب الرأي العام الدولي والسعي لتثبيت الشرعية السياسية لهذا أو ذاك، والذي أضاع تضحيات انتفاضة الأقصى وما قدمته الأمة فيها من البذل والعطاء وما ضربه الشعب الفلسطيني من نماذج الصمود والتضحية منذ تفاهمات القاهرة في آذار/مارس 2005 وأضاع تضحيات ثلاثة أو أربعة حروب إبادة صهيونية ضد أهلنا في غزة بعد خروجه منها هو البحث عن الشرعية السياسية ومحاولة الجمع بين السلطة والمقاومة على الرغم من اعترافهم بخطأ ذلك!
لذلك وجب تذكير أولئك الساعين للحصول على مكاسب سياسية وليس التحرير والتحرر من القيود والرهانات التي تفرضها على المقاومة والشعب الطموحات السياسية والسعي لكسب الشرعية السياسية عربياً أو دولياً؛ أن الشرعية السياسية لا تمنحها أنظمة عربية فقدت نخوتها ومروءتها وأصالتها العربية والإسلامية، ولا دول الاستكبار العالمي التي صنعت كيان العدو الصهيوني ومازالت توفر له الغطاء والحماية الدولية وتبرر كل جرائمه ضد أهلنا في فلسطين وجوارها ليفلت من المحاسبة والعقاب الدولي، الباحث عن تلك الشرعيات يرهن القضية بإرادته لأجنداتهم السياسية ويضع نفسه تحت ضغوطهم المختلفة وإرغامه على مزيد من التفريط بحقوقنا الوطنية دون الحصول على شيء والتاريخ والواقع أصدق شاهد على ذلك!
ذلك الموقف كنت أود الكتابة عنه منذ الأسبوع الثاني للعدوان بعد أن توقفت المقاومة عن قصف أولئك المستجلبين في مدن فلسطيننا المحتلة ومغتصبات غلاف غزة بكثافة كما كان الوضع في الأيام الأولى للعدوان، وخاصة بعد مجازرهم في الشجاعية وبعدها تلتها مجازر شمال قطاع غزة والمنطقة الشرقية في خانيونس والمناطق الوسطى ولكن كنت أؤجل عساي أكون مخطئاً. وقبل ثلاثة أيام طفح الكيل ولم أعد أرى أنه موقف أخلاقي من المقاومة وإن كان كذلك فهو موقف خطأ، سألت ابن عم لي صحفي أثق برأيه: إن كان أهلنا في غزة يتساءلون لماذا لا تقصف المقاومة المستجلبين في مدن فلسطيننا المحتلة ومغتصبات غلاف غزة أم أن الأمر ليس حاضراً لديهم؟! ولكن يبدو انفطع التيار الكهربائي عنده ولم يجيبني لأني كنت عازم أن أكتب عن هذا الأمر الذي أصبح مستغرباً ومثيراً للدهشة والتساؤل!
ولكن اليوم بعد أن خرق العدو الصهيوني (التهدئة الإنسانية) وما هي بإنسانية وقتل عشرة أشخاص وهنا أذكر الباحثين عن الشرعية السياسية وكسب الرأي العام الدولي: بأنه (العدو الصهيوني) قد يكون معتبراً نفسه لم يخرقها استناداً إلى تصريح جون كيري بأنه يحق للعدو الصهيوني أن يبحث عن الأنفاق أثناء التهدئة وأن يقصف أي منطقة أثنائها! هذه هي أمريكا التي تريدون لها أن تكون راعية وضامنة لأي اتفاق تهدئة! يؤسفني القول: أنهم سيبقوا طوال عمرهم لا يتعلموا وقاصري نظر لأن همهم الاعتراف بهم سياسياً أنه شركاء في التمثيل الفلسطيني، وليس همهم التحرير وكسر تلك المعادلة الدولية والإقليمية الظالمة لشعبنا وحقوقنا! لأن أي سياسي يثق بالغرب بعد هذا التاريخ الطويل من الصراع أو يظن أن عدائه يقل لنا عن عداء العدو الصهيوني، أو أنه ليس شريكاً للعدو الصهيوني في كل جرائمه سياسي أخرق ولا يفهم شيء في أي شيء!
اليوم بعد اختراق العدو الصهيوني للتهدئة وقتله عشرة أشخاص وأعقبها بمجازر رفح ومسح المنطقة الشرقية منها عن وجه الأرض إن كانت المقاومة ولا أخص بها أجنحتها السياسية لأني لا أرجو منها خيراً؛ إن كانت المقاومة تظن أن العالم سيقدر لها ذلك الموقف الأخلاقي بحسب اعتقادها فهي مخطئة، وإن قدر فإن الأخلاق في هذه الحالة تكون على حساب دماء شعبنا ومعاناته لا قيمة لها ولن تفيدنا في شيء! ويفترض بنا الرد على العدو الصهيوني بنفس المنطق وليس العقلية الهمجية في قتل المدنيين، لأن همجيته نابعة من عقيدته العسكرية التي رباه عليها حاخامته الدينيين في الجيش وهم يتلون عليهم أسفار توراتهم وخاصة سفر يشوع الدامي، تلك الأسفار التي يأمر فيها الرب (يهوه) جنوده بقتل كل سكان فلسطين وإبادتهم إبادة جماعية، ويتوعدهم إن هم لم ينفذوا أوامره باستئصال سكان فلسطين فإنه سيستأصلهم عقاباً لهم، ويأمرهم أن لا تأخذهم رحمة ولا شفقة وهم يقتلوا كل امرأة وطفل وشيخ ورجل حتى الحيوانات يأمرهم بإبادتها مثلها مثل البشر ...
علينا الرد عليه بمنطق تبريره السياسي الوهمي الكاذب بأن هدفه من تلك المجازر الهمجيته الوحشية ضد أهلنا الأبرياء المدنيين في غزة الضغط على المقاومة لرفع الراية والاستسلام والقبول بشروطه للتهدئة ككل مرة، أو الضغط على أهلنا في غزة للتذمر والتمرد ورفع الصوت ضد المقاومة وإجبارها على القبول بشروطه وعودة الحال إلى ما كان عليه ويخرج هو منتصراً انتصاراً ساحقاً ويفلت من العقاب صهيونياً ودولياً، في هذه الحال كان يجب الرد عليه دون إبطاء من أسبوعين على الأقل بتكثيف القصف وتركيزه على مدن فلسطيننا المحتلة عام 1948، وسحق كل مغتصبات غلاف غزة وتشريد سكانها منها كما فعلوا بأهلنا ليعرف مَنْ هم الذين سيفقدون القدرة على التحمل والصبر وسيضغطون على حكومتهم لرفع راية الاستسلام والقبول بشروط الآخر؟ مستجلبيه أم أهلنا الذين يعلنون دعمهم واستعدادهم للصمود دعماً للمقاومة مهما ارتكب العدو الصهيوني من مجازر همجية ووحشية إلى أن يحققوا أهدافهم ويفرضوا شروطهم؟! وبذلك نرحم أهلنا من القتل والدمار والتشرد والعذابات التي هم عليها ونجبر ذلك العدو المتغطرس المستهين والمستهتر بالروح البشرية على أن يقبل بشروط المقاومة للتهدئة، لأنه في عقيدته لا يوجد على وجه الأرض بشر إلا اليهود وبقية البشر غير اليهود هم حيوانات خلقهم له الرب (يهوه) على هيئة البشر ليليقوا بخدمة سيد الكون اليهودي دون أن يتقزز من رؤيتهم أو يتأذى من مخالطتهم أثناء التعامل معهم!
من هنا نقول للباحثين عن الشرعية السياسية سواء دولياً أو عربياً: لو كان هناك إنسانية لاهتزت تلك الإنسانية من هول تلك الجرائم الصهيونية ولم تنم ليلة واحدة قبل أن توقف تلك المجازر. ولو كان هناك شرعية دولية لساقت ساسة وعسكري العدو الصهيوني إلى قاعات المحاكم الدولية بتهم ارتكاب حروب إبادة ضد الإنسانية وجرائم حرب وحشية تتنافى والأخلاق العسكرية! ولو كان لدى الأنظمة العربية بقية من مروءة أو نخوة عربية وإسلامية لَما تجرأ العدو الصهيوني على ارتكاب تلك المجازر وهو مطمئن، فما بالكم وهم شركاء معه في كل ما يفعل ويقدمون له الدعم المالي والسياسي والإعلامي وغيره ويضغطون عليه ألا ويقف عدوانه وحرب الإبادة ضد أهلنا في غزة إلا بعد أن ترضخ المقاومة لشروطه؟!
علينا أن نعلم أنه ليس لنا في هذه المرحلة من تاريخ الأمة التي استكانت وشغلتها أنظمتها بصراعات داخلية عن قضيتها المركزية إلا سواعد رجال المقاومة الذين أثخنوا في العدو الصهيوني ما لم تثخنه جيوش جرارة هزمت أمامه في ساعات لا أيام، وقدموا نماذج رائعة وفذة ونادرة في أساليب حرب العصابات أعادونا بها إلى أمجاد ثورات الأمة في الماضي والحاضر، ليس لنا إلا صمود وثبات أهلنا ومؤازرتهم لمقاومتنا رغم كل ما أصابهم من همجية العدو الصهيوني وانحطاط أخلاقه، لذلك لا تسلموا قراركم لأي سياسي ممكن أن يضيع هذا النموذج في المقاومة والتضحية والتلاحم بين الشعب ومقاومته على مذبح السياسة للحصول على مكسب سياسي هزيل لا يتناسب وحجم تضحياتكم، اصبروا وما النصر إلا صبر ساعة وتجردوا من الروح الفصائلية وأخلصوا النية لله ووحدوا موقفكم وتصريحاتكم وبياناتكم باسم المقاومة لا باسم فصائلكم أو كتائبكم وبإذن الله ستذهلون العالم بإنجازاتكم ...