حرب بالوكالة

بقلم: د.كمال الشاعر

الحرب بالوكالة هي حرب تنشأ عندما تستخدم القوى المتحاربة أطرافا أخرى للقتال بدلاً عنها بشكل مباشر. رغم أن القوى استخدمت حكومات أخرى كوكلاء للحرب، حيث تأمل القوى المتصارعة أن تتمكن هذه الأطراف من ضرب أطراف أخرى دون الإنجرار إلى حرب شاملة.

ففي العقدين الأخيرين اضحت الساحة العربية ساحة تجاذبات سياسية بين المشرق والمغرب وقوى إقليمية وعالمية، فمنذ انهيار الاتحاد السوفييتي في ديسمبر عام 1991م، و وتحول الولايات المتحدة الأمريكية إلى قوة وحيدة في العالم وأصبح ما يعرف بالعالم أحادي القطبية؛ انقسم العالم إلى قسمين الأول مع ما يعرف بالراديكالية العربية الاقتصادية الغربية والثاني التحول الاقتصادي تجاه المشرق، فمن الطبيعي بلاد أسيا باستثناء سوريا تتوجه للانفتاح مع أوروبا والولايات المتحدة، ومن ناحية أخرى بلاد أفريقيا الشمالية باستثناء مصر منفتحة مع شرق أسيا(الصين وروسيا).

ففي خضم تلك التجاذبات حصلت حرب بالوكالة في تموز عام 2006م، بين حزب الله وإسرائيل والتي كان المحركون لها السعودية والغرب وقوى الاعتدال من جهة وإيران وقوى الممانعة في المنطقة من جهة أخرى، وتشكل على اثرها محورين جديدين هما محورا الاعتدال الذي يؤيد السلام مع اسرائيل على أساس التعاون الاقتصادي والثاني محور الممانعة الذي ينادي بتحرير فلسطين والتخلص من الهيمنة الاقتصادية الغربية.

ويتراجع محور الاعتدال امام صمود المقاومة في لبنان ويلي ذلك مرور العالم بأزمات سياسية واقتصادية بداية من سيطرة حزب العدالة والتنمية للحكم بالكامل في تركيا بعد انتخابات 2001م، ووصول المحافظين للحكم في إيران، ونهاية الأزمة الاقتصادية التي عصفت في العالم.

فكان لابد من فتح سوق للسلاح في الشرق الأوسط يكون وقودها الشعوب العربية من أجل الخروج من الأزمة المالية والسياسية التي تهدد العالم، وهذه الأحداث المالية والسياسية هي نفسها التي كانت سائدة قبل الحرب العالمية الثانية.

ففي حرب 2014م، الأخيرة على قطاع غزة سمعنا كثيرا بأنها حرب بالوكالة بين تيارين جديدين أو محورين جديدين هما محور الممانعة(تركيا- قطر- حماس) ومحور الاعتدال(السعودية- مصر-السلطة الفلسطينية)، وهذا التحليل ناتج من مواقف كلا الطرفان، ولكن المعادلة هنا تختلف ففي الحروب السابقة كانت الحرب تنتهي بمجرد سقوط أخر قذيفة أو صاروخ وتحدث التهدئة وتنتهي الحرب، ولكن هذه المرة الكل يجمع على الوصول إلى حل دائم وشامل لمعاناة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة ووقف المزيد من مصادرة الاراضي واعتداءات قطعان المستوطنين على السكان الفلسطينيين في القدس الشرقية والتي كان أخرها حرق الفتى الشهيد/محمد أبو خضير بعد تعذيبة. والمطالبة كذلك بأبسط مقومات الحياة من مأكل وملبس ومسكن ورفعا للحصار المفروض على القطاع منذ عام 2006م، عقابا على الخيار الديمقراطي الذي أفرز حركة حماس على سدة الحكم.

من كل ما سبق هل تعتبر حرب تموز 2014م، حربا بالوكالة مثل حرب تموز 2006م، مع حزب الله في لبنان. الجواب هو لا لأن الأهداف في كلا الحربين تختلفان عن بعضهما البعض، ففي الأولى هي استعراض للقوى من قبل أولمرت وحسن نصر الله الأول يريد أن يثبت نفسه بأنه قادر على ردع برنامج إيران النووي عن طريق ضرب الجناح العسكري لإيران والثاني يريد أن يوقف جموع الغرب والولايات المتحدة وبعض قوى الاعتدال في المنطقة عن طريق ردع إسرائيل.

أما العدوان الأخير على قطاع غزة فله مايبرره من طرف قوى الاعتدال وهو استكمال مشوار القضاء على الجناح المسلح للحركة الإسلامية في فلسطين من أجل قيام الشرق الأوسط الجديد عن طريق التعاون الاقتصادي بين إسرائيل ودول الشرق الاوسط للخروج من الأزمة المالية العالمية الحالية.

رفح في 07/08/2014م