وجع يجتاح القلب .. وألم يغزو المشاعر كلما طافت ذكراك مخيلتي .. بماذا أتتذكرك أيها الرفيق الحبيب؟ .. بابتسامتك الدائمة التي تعلو محياك فرحا بلقاء من تحب، أم بمداعباتك التي كانت تضفي على لقاءاتنا دفئا ومرحا يعطي للمكان رونقا خاصا، أو بمواقفك المخلصة للحزب الذي انتميت، وللشعب الذي ضحيت .. حتى وأنت في قمة غضبك من احدهم، كنت متسامحا رغم ما كنت تشعر به من مرارة بسبب موقفا ما او خلاف عابر ... شريط طويل يمر أمام ناظري، ابتسم للحظة، ليجتاحني ألما للحظات عندما أتذكر بأنه قد صار من المستحيل لقائك، وأن كل الأشياء والمواقف صارت ذكرى.. قطعها صاروخ غادر مزق لحمك وأنت تحاول المساعدة في إسعاف من قصفتهم طائرات الموت، حيث منزلك المدمر الذي ذهبت للاطمئنان عليه.. كنت أخر الراحلين عن قريتك التي أحببت، عندما هجرها أخر الراحلين، لم يبقى يومها إلا والدك الذي طحنته آلة الحرب المسعورة ليسبقك شهيدا، التحقت وأسرتك بمراكز الإيواء في مدارس وكالة الغوث، ورفضت أن تسكن بعيدا عن النازحين المعذبين من أبناء شعبك.. كنت دائما هكذا تعيش الم ومعاناة أبناء شعبك، لتقدم لهم كل ما تستطيعه للتخفيف عنهم وتعزيز صمودهم .. وداخل مركز الإيواء كنت تتحمل همهم إلى جانب إخوانك ورفاقك، وسعيت بكل ما في وسعك من اجل إعانتهم على ظروفهم الصعبة، يومها قدمت ما استطعت، ورحلت إلى مكانك الأخير، وساعتك الأخيرة.. لم تكن تعلم أن غربان الموت في انتظارك، ولم تكن تتخيل أن يصلوك بهذه السرعة وبهذه الطريقة ..عذرا رفيقي لقد أخطأت هذه المرة، فكان الخطأ الأخير، والعشق الأخير، والألم الأخير .
لم يصدق كل من عرفك انك رحلت، كانت الصدمة، لم اصدق حينها انك غادرتنا فجأة، فقد تعودت دائما أن تستأذن قبل الرحيل، وان تطمئن إلى أنني لا احتاج شيئا، هذه المرة رحلت خلسة، وكنت احتاج كل الأشياء منك، لم يعد مجالا للعتاب الآن، فقد أنهيت السطر الأخير الذي تسقط كل الكلمات بعد نهاياته .
آه يا رفيقي .. ما أصعب الرحيل بلا عودة .. وما أقسى أن تضعنا الحياة أمام حقيقتها القاسية، فكم يجتاحني حنين اللقاء بك لنعيد للأيام بسمتها، ولمسيرة دربنا رونقها ونصوعها .. كما اشتاق لجلساتك الهادئة المرحة التي كانت تذكرني بكل شيء، لتحدثني عن كل شيء .. كنت حريصا على حزبك الذي احتضنك منذ نعومة اضفارك .. ناضلت في صفوفه، كبرت وترعرعت فيه على حب الوطن، وعشق الإنسانية.. تعلمت كيف يُصنع الرجال الرجال الأوفياء لشعبهم، والمنحازين بكل عناد لناسه الطيبين، للفقراء والمعذبين .. لم تتوانى عن تلبية نداء الحزب والشعب في كل المواقف، فكنت فارسا في العمل الوطني، وبخاصة في ميادين الكفاح حيث المواجهة مع المحتلين، وكنت طليعيا باسلا في ميادين الكفاح الشبابي، والنضال من اجل وحدة شعبنا وإنهاء الانقسام، كنت، وكنت، وكنت، كثيرة هي الميادين التي عرفتك، والتي سطرت على مساحاتها حضورا بارزا ومميزا، وكثيرة هي مساحات الصداقة التي تمتعت بها بين أبناء شعبك، ليذكرك الجميع اليوم بما يؤنس القلب ويريح الوجدان .
أحببناك أيها الرفيق، ولم تستطع أي اجتهادات أن تحرف مسيرة الإخلاص التي بيننا، فكنت دائما الرفيق والصديق الوفي، وكنا نشتاق لغيابك عندما يطول اللقاء .. هم هكذا الناس الطيبون الأوفياء الذين يتركون في مسيرة الحياة علامة... هي علامتك المميزة يا رفيق التي لا يشبهها شيء .
عذرا رفيقي المقدام عماد عصفور .. لن أوفي ما وعدتك به لأنك رحلت دون استاذان .. لكنى سأبقى وكافة رفاقك أوفياء لمسيرتك ولسيرتك الطيبة إلى الأبد، وسنضع أولادك ورفيقة دربك في حدقات عيوننا، وسنحرص على أن نكون الأكثر إخلاصا لأسرتك المناضلة التي انتمت للحزب وعشقت راياته التي أعلوها خفاقة في كل المناسبات الوطنية.. حُملت على أكتاف رفاقك يزينك علم فلسطين الذي عشقته في حياتك ومماتك، وظللتك رايات الحزب الذي كنت تفخر بها دوما، فنم قرير العين إلى جانب والدك الرفيق الشهيد، الذي سبقك إلى مستقره الأخير قبل أيام من رحيلك، اغتيل بصواريخ غدرهم وهو صامد في قريتك رافضا الرحيل.. أنت الآن إلى جواره حيث أحرار العالم الأوفياء المدافعين عن حرية شعبهم وأمانيه في وطن حر وشعب سعيد .
سلام لك أيها الماجد، ولكل الذين يرسمون على طريق النصر علامة .