التهدئة

بقلم: أكرم أبو عمرو

اكتب هذه الكلمات في وقت لم يتبق من ساعات التهدئة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي سوى ثلاث ساعات تقريبا ، ولا يوجد هناك أي مؤشر لاستمرار تمديدها لفترة اخرى ، وعلى الرغم من الاهمية الكبرى لهذه التهدئة للمواطن الفلسطيني في قطاع غزة ، لأنه بات في حاجة ملحة الى التقاط انفاسة ، فهو في حاجة الى اراحة اعصابه سمعه وبصره ، وفي حاجة الى تفقد المواطنين انفسهم وأملاكهم ومنازلهم ،،تعطيهم فرصة للتفكير في المرحلة القادمة ، إلا ان مثل هذه التهدئة ، تبدو مجرد مخدر ما ،من الذي يعطى للمرضى الذي تجرى لهم عمليات جراحية ليصحو بعدها المريض ويجد نفسه في مواجهة الالم . 72 ساعة مرت ساد فيها الهدوء بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، والآن ونحن ننتظر نهايتها الرسمية يبدو امامنا تساؤل ، وماذا بعد ؟ . لكي نقترب من الاجابة المتوقعة ، لابد من ذكر بعض الحقائق وهي :

أولا ان اتفاق الهدنة بين الجانبين المتقاتلين الفلسطيني والإسرائيلي ، هو اعتراف رسمي بندية الطرف الفلسطيني للطرف الاسرائيلي الذي يصنف جيشه بأنه رابع اقوى جيش في العالم و تعود دائما على الاستقواء والغطرسة مستخدما قوته المفرطة ضد شعبنا الاعزل ، ولم تأت هذه الندية إلا بصمود وبسالة المقاومة والفلسطينية، التي وقفت امام هذا الجيش الذي يتبجح دائما بأنه الجيش الذي لا يقهر ، علما بان نظرية القوة هذه قد تحطمت منذ زمن ،

ثانيا : ان هذه الهدنة وما دار خلالها من مفاوضات للخروج بقرارات لتثبيت دائم لوقف اطلاق النار ومعالجة بعض امور الخلاف المتمثلة في الحقوق المشروعة لشعبنا في حياة حرة وكريمة على ارضة ـ تثبت وبدون ادنى شك عبثية التفاوض مع عدونا الذي نجح حتى الان الى جر القيادة الفلسطينية الى مربع التفاوض المستمر بدون أي نتائج ، في مقابل استمرار الممارسات الاسرائيلية العدوانية كالاستيطان ونهب الاراضي والموارد والحصار .

ثالثا هذه التهدئة منحت الفلسطينيين ولأول مرة منذ سنوات الفرصة للعمل تحت قيادة واحدة بهدف واحد وهو انقاذ شعبنا، وتأجيل الخلافات الداخلية ريثما تضع الحرب اوزارها ، وهذا مؤشر جيد لعودة العمل الفلسطيني المشترك الموحد على مختلف الاصعدة .

رابعا : هذه التهدئة فرصة للتعرف على حقيقة المواقف العربية الرسمية والشعبية من القضية الفلسطينية التي احتلت مركز الصدارة على سلم الاولويات العربية فترة من الزمن قبل ان تتراجع كثيرا ، بفعل العلاقات الفلسطينية الداخلية اولا ، وبفعل المتغيرات العربية بعد ما يعرف بثورات الربيع العربي وتداعياتها الاقليمية والدولية .

خامسا : هذه التهدئة كانت فرصة لشعبنا في الداخل والخارج ومعه شعوب العالم وقياداته للتعرف على الحقيقة المرة ، وهي حجم الدمار الهائل الذي لحق بقطاع غزة ، ففي تقديري وأنا ابن القطاع اعرف قطاع غزة جيدا ان هناك ما يقارب ال 20% من مساحة القطاع قد دمرت كليا بفعل الحرب الهمجية الاسرائيلية وهي ما تعادل نحو 70 كيلو متر مربع المحاذية للحدود مع اسرائيل ، وهذه المنطقة كما هو معروف ليست خالية من السكان بل يسكنها عشرات الالاف من الاسر ، التي اصبحت الان بلا مأوى ، في مؤشر خطير ببروز مشكلة اجتماعية خطيرة سنقف امامها جميعا فور انتهاء الحرب نهائيا ، طبعا ليست هذه المساحة فقط التي تعرضت للتدمير بل هناك منازل كثيرة جدا قد تم تدميرها داخل المدن وأحيائها في رفح وخانيونس والوسطى وغزة وجباليا ، حيث مئات المنازل والمنشآت والمرافق الحيوية التي دمرت .

سادسا ، في النهاية ان هذه التهدئة ربما كانت كالمرآة لرؤية الكثير من الحقائق ، التي لا يمكن بأي حال من الاحوال تجاهلها ، على الاقل بعد احصاء عدد الشهداء والجرحى والمعاقين وحجم الدمار الهائل الذي لحق بقطاع غزة ، ومهما تم من وصف فالأمر اكبر مما يوصف ، اذا ان قطاع غزة سيحتاج الى جهود كبيرة وأموال كثيرة وسنين طويلة لإعادة الاعمار الامر الذي سيكون حتما اكثر كثيرا من قدرات امكانات الشعب الفلسطيني ما يلق على كاهل المجتمع الدولي تحمل مسئولياته وذلك بتضافر الجهود الدولية للاعتمار .

اتمنى ان تكون وهي بالتأكيد كذلك امام قياداتنا الفلسطينية واقصد بمصطلح قيادات ليست الرئاسة فقط بل قيادات كل الفصائل كبيرها وصغيرها ، وقيادات المجتمع المدني ، والقيادات النخبوية ، لكي تأخذ على عاتقها ومسئوليتها لململة الجراح اولا للحفاظ على ما تبقى من امكانات والحفاظ على الذات الفلسطينية وإعادة بنائها ماديا وفكريا ، ثانيا واستمرار النضال من اجل المضي في تحقيق مشروعنا الوطني الذي بذلت من اجله كل هذه التضحيات فلا مناص امامنا إلا المضي قدما بشرط تفهم جيد لطبيعة المتغيرات الدولية وكيفية التعاطي معها

اعتقد ان بهذه الحرب تكون رسالتنا وصلت الى عدونا اولا ، وأصدقائنا ثانيا ، وإخواننا اذا كان لنا اخوة ثالثا ، بأننا شعب لا يلين ، ومهما طال الزمن لن ننسى حقوقنا في ارضنا ، في الوقت الذي لا نطمع فيه بأرض الغير وبحقوقه

قد يختلف معي البعض ولكن لا بد من القول بان التصلب والتشدد الكبير ربما يجعلنا غير قادرين على الصمود كثيرا اما الرياح القوية، فمهما يكن فان امكاناتنا وقدراتنا لا تقارن بقدرات اعدائنا التي تفتح لهم كل ابواب العالم وموارده ، وبالتأكيد ان جزءا من هذه الحرب لا استبعد انها ممولة بأموال عربية حرمنا منها ، تمت بطرق وأساليب مختلفة ، لذلك على قياداتنا التي تأخذ بزمام الامور الان وهي تقرر مصير شعبنا ان تدرك ذلك عند اتخاذها أي قرار او موقف ، وهنا اللباقة والحصافة والحكمة ضرورية جدا ، وهنا لا نجد اكثر من الدعاء لشعبنا بالثبات والنصر والعزة والكرامة.