يتضح يوماً بعد يوم ضخامة المخطط الصهيوني والاستعماري والرجعي الذي يكتسح المنطقة العربية خطوة خطوة، ويظهر علينا بصورة فتن طائفية، وأحقاد مذهبية، واحتلالات متعددة، وفوضى عارمة، وتمزيق الخرائط القائمة، ورسم خرائط جغرافية جديدة، ودماء تسيل، وجرائم بشعة لا تصدق، ودجل ديني مفضوح.
وتترافق هذه الهجمة مع استمرار العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والتي هي ليست كأي حرب بين دولة وأخرى، فهي حرب لها امتدادات وتداعيات سياسية تتجاوز الحدود الجغرافية الصغيرة لغزة، هي حرب هدفها الاساسي كسر اردة شعبنا من خلال ضغوط إقليمية ودولية، بعد الانتصار التي حققته المقاومة وقوة وصمود شعب فلسطين ، وفي إطار هذا السياق تكمن المعادلة الصعبة، على المسار السياسي للوصول الى تهدئة ، فعلى الجانب الفلسطيني فان الوحدة التي تتجلى بابهى صورها، تأكد ثبات الموقف الفلسطيني، ومصداقيته، من خلال ما يحمله الوفد الفلسطيني الموحد الذي يناقش المبادرة المصرية، واقتراحات تطويرها، لتشمل متطلبات فك الحصار الجائر، والخلاص من تبعات الاحتلال غير المباشر، ومنع تكرار العدوان ، وفتح المعابر وتواصل قطاع غزة مع الضفة وفتح معبر رفح كاملاً، واعتباره معبراً مصرياً فلسطينياً تشرف عليه السلطة الوطنية ، واطلاق سراح الاسرى والتمسك بخيار المقاومة حتى زوال الاحتلال عن الارض الفلسطينية هذا السيناريو على المستوى الفلسطيني قوي وإحتمالاته كبيرة، ومن خلال ذلك السيناريو يتم تطبيق اتفاق المصالحة، وخصوصاً أن هذه الحرب قد كشفت هشاشة النظام العربي، ولقد أدى إدراك الدول العربية أن استمرار هذه الحرب أو تحولها إلى حرب استنزاف قد تؤدي إلى خلخلة الوضع العربي وانكشافه، ما يفسر لنا هذا الحراك العربي السري لاحتواء الحرب ، حيث أدركت الولايات المتحدة أن الرياح تسير بعكس ما تشتهي سفنها، وأن قبضتها القوية على العالم بدأت بالتراجع، امام التظاهرات العالمية والصوت المرتفع لدول امريكا اللاتينية التي دانت فيه الاجرام الصهيوني والحرب على الشعب الفلسطيني والمجازر الارهابية التي ترتكبها قوات الاحتلال والتي يندى لها جبين الانسانية ، لجأت إلى تحريك عصاباتها الارهابية من خلال إحداث حالة عامة من الفوضى في البلدان العربية، التي قامت باعمال ارهابية في الموصل في العراق وعرسال في لبنان ، لان ما يهمها الوصول الى تفتيت المنطقة الى كانتونات طائفية ومذهبية ، والتغطية على العدوان الاسرائيلي التي يتعرض له الشعب الفلسطيني.
وامام هذه المخاطر نرى اهمية تحصين الوضع الفلسطيني ، بعد ان كتبت فلسطين ملحمة الصمود والتصدي بكل مدنها وقراها وزيتونها وبرتقالها وبحرها، فاصبحت فلسطين الشهداء،والأسرى، والمقاومة تسطر مرة جديدة حكاية شعب موحد يقاوم الاحتلال الصهيوني على امتداد فلسطين بدءاً من تظاهرات الفلسطينيين الحاشدة في أراضي الـ،1948 إلى الهبة الشعبية المستمرة في الضفة الفلسطينية، مروراً بالتضامن العالمي الواسع، والردود الرسمية المنددة بالعدوان في الكثير من الدول، مقابل فشل سياسة العدوان في تحقيق أهدافها ، حيث أسقط هذا الصمود البطولي القناع، مرة جديدة ، عن الأنظمة الرسمية بكل لغاتها، وفي مواجهة القوى الإرهابية التي تعيث قتلاً وتدميراً وتهجيراً أينما حلّت، تلك القوى التي امتد إرهابها من سوريا الى الموصل وصولا الى عرسال ، مؤكدة ان فلسطين لن تكون الا مشروع مقاوم في مواجهة الاحتلال الصهيوني ومن يقف خلفه .
بطبيعة الحال، ان الضغط السياسي والدبلوماسي والمناورات، من نمط الضغوط العربية والإقليمية على الطرف الفلسطيني ، تتطلب إعادة تصويب البوصلة باتجاه الصراع العربي- الإسرائيلي والقضية الفلسطينية ، في معركة المفاوضات في القاهرة حيال الهدنة وشروطها مقدمة فعلية وواقعية على طريق إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني وفق قواعد جديدة قابلة للحياة ، وتجديد الشرعية الوطنية الموحدة في مواجهة المشاريع الامريكية الصهيونية، والتصدي لعمليات التهميش السياسي والدبلوماسي، او محاولة زج الفلسطينيين في أتون الصراعات الإقليمية. ويبدو أن الأبرز في المعطيات التي تدفع القيادة الفلسطينية إلى الصمود الجدي هو الوحدة الوطنية في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وارتفاع منسوب ضغط المجتمع الفلسطيني لاتخاذ خطوات تتناسب مع حجم المجازر و الدمار والتحدي، والخشية من تداعيات لعبة وصراع اقليمي على مستقبل غزة والقضية الفلسطينية عموماً.
ومن هنا نرى وبعيداً عن الفخ الإعلامي الذي سلَط ضوءا ساطعا على حركة "حماس"، يتيح الصعود الميداني الواضح لحركة "الجهاد الإسلامي في فلسطين " وكافة الفصائل والقوى الأخرى، ومشاركتها الأساسية في التصدي للعدوان، إنهاء حقبة احتكار الحكم في غزة، والتوجه نحو حالة جبهوية فلسطينية موحدة من أول واجباتها إعادة رسم خريطة التحالفات الفلسطينية، وفق الوحدة والتمسك بخيار المقاومة والحقوق الفلسطينية، وتصويب وجهة العلاقة مع مصر الدولة والنظام السياسي، وإبعاد الفلسطينيين عن صراعات المحاور الإقليمية.
وامام كل ذلك يجب ان نستنهض كل طاقاتنا لدعم الوفد الفلسطيني الموحد في القاهرة التي ذهب بمعنويات عالية، على خلفية الصمود البطولي الذي اجترحته غزة في مواجهة العدوان الصهيوني الغاشم ، وهو هذه المرة يحمل موقف موحدّ وصلب ومحكوم أخلاقياً بحرارة دم الأطفال والشيوخ والنساء الذي سال بغزارة في غزة، فلا يُنتظر منه التراخي أو التراجع، ولاسيما عن المطالب الأساسية المحقة التي تضمنتها الورقة الفلسطينية.
ومن منطلق اخلاقي وانساني نطالب الدول العربية بتقديم شكوى عاجلة الى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة جنرالات الحرب الصهاينة والمسؤولين عن جريمة الابادة الجماعية لشعب اعزل ، بما في ذلك تدمير موارد رزقه واماكن عبادته وعمله ، اضافة الى المستشفيات والمدارس والمساجد وغيرها من المرافق العامه ، ونقول لهم ان فلسطين العظيمة بشعبها ومقاومتها رفعت رأس كل عربى وحر في العالم ، ونحن نذكر بكلام الرئيس الراحل " جمال عبد الناصر” بان معيار الحكم على أى فرد أو حزب او قوى هو موقفهم من الشعب الفلسطينى ودعم نضاله لان القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للامة العربية .
وامام انتصار ارادة الشعب الفلسطيني وصموده لا بد ان نتوجه بتحية للبنان الشقيق الرسمي والشعبي وللرئيس نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني وللمجلس النيابي الذي عقد جلسة خاصة من اجل فلسطين وغزة وللاحزاب والقوى الوطنية والاسلامية اللبنانية وللحزب الشيوعي اللبناني والقوى اليسارالذين عبروا بكافة الاشكال عن التضامن مع الشعب الفلسطيني، ولسماحة السيد حسن نصرالله الامين العام لحزب الله ،ولا ينكر احد موقف حزب الله الداعمه للقضية الفسطينية ولقطاع غزة ومساندتهم لشعب فلسطين وغزة، وكذلك لايران وسوريا الذين كانوا لهم دور عظيم في مساندة الشعب الفلسطيني ومقاومته .
فالشعب الفلسطيني بمقاومته وصموده ووحدته ودماء شهدائه الأبرار في غزة والضفة الفلسطينية والقدس وجه رسالة إلى العالم كله باستحالة التخلي عن شبر واحد من أرضه مهما تكالبت الضغوط السياسية واستخدم العدو أدوات الإرهاب الاحرامية .
ختاما لا بد من القول : المرحلة خطيرة وتتطلب وعيا وتضامنا ووحدة كل القوى الوطنية المخلصة من احزاب سياسية تقدمية وقومية ويسارية والمنظمات المدنية للقضاء على الإرهاب بكل أشكاله، والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في معركته العادلة من أجل التحرر ووقف العدوان ورفع الحصار الجائر على الشعب الفلسطيني في غزة، ومساعي الشرفاء في العالم والأصدقاء لحل عادل للقضية الفلسطينية حسب قرارات الشرعية الدولية وخاصة القرار الاممي 194 الذي يضمن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم ، واقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة بعاصمتها القدس.
كاتب سياسي