الصمود الذي أبدته فصائل المقاومة والشعب الفلسطيني في قطاع غزة ضد العدوان الهمجي، كان بمثابة الصدمة ليس فقط على رؤوس قادة الكيان، وإنما على رؤوس العديد من القيادات العربية وبعض حتى لا نقول كثير من الفلسطينية.
وكان لافتا حجم التآمر الدولي كما والعربي على تلك المقاومة، كما ومحاولة منح الشرعية لدولة العصابات فيما أطلق عليه "حق الدفاع عن النفس" الذي تبناه الأمين العام للأمم المتحدة بشكل لا علاقة له بدور هذه المؤسسة أو حياديتها، كما وكان لافتا ان لا أحد يأتي على سيرة الاحتلال وكأنه أصبح من الممنوع استخدام هذه المفردة.
وما ان أُعلن عن وقف إطلاق النار الأول لمدة 72 ساعة، وبدأت "دوامة" المفاوضات، حتى تكشف ما حذرت منه المقاومة، وان المفاوضات إذا ما بدأت فإنها قد لا تنتهي، وقد تستمر لسنوات، بحيث يتم "تبهيت" الصمود الأسطوري للمقاومة والشعب في القطاع، كما وانها "المفاوضات" سوف لن تهدف "حسب الفهم الصهيوني لها" إلا إلى "تجميل" وجه الاحتلال الذي انكشفت فاشيته خلال العدوان.
المطالب التي رفعتها المقاومة " أصبحت معروفة للجميع" والتي يمكن ان تقود إلى موافقتها على وقف إطلاق النار، هي في المجمل ليست شروطا مسبقة، فهي حقوق أصيلة للشعوب، وبعضها منصوص عليه في اتفاق أوسلو سيء الصيت.
هذه المطالب الشرعية والواقعية القابلة للتحقيق، صارت بالنسبة لدولة العدوان، رمزا للهزيمة،"إن تحققت"، كما هي بالنسبة للمقاومة رمزا للانتصار "إن تحققت"، ومن هنا فإن عدم تحققها، لا يعني بالضرورة ان المقاومة فشلت في تحقيق ما تريد، حيث من غير المتوقع، ان يسارع العدو بعنجهيته المعروفة، إلى الموافقة عليها بمجرد الجلوس على الطاولة، في ظل دور عربي متآمر بدلا من مساند، بغض النظر عما يقوله الوفد الفلسطيني الذي لا يمكنه ان يقول إلا ما يقول عن مواقف العرب.
من أجل الخروج من دوامة المماطلة الصهيونية، لا بد من التعامل بواقعية مع بعض المطالب، وعدم رفع سقف التوقعات كثيرا، وبث آمال قد لا يمكن تحقيقها "في المدى القصير"، برغم انها سوف تتحقق في المدى المتوسط "سنوات محدودة" والطويل.
دولة العدوان التي برغم الدعم الغربي والعربي الرسمي، في ورطة فيما يتعلق بسمعتها، بسبب بشاعة الجرائم التي ارتكبتها، وهي في ورطة فيما يتعلق "بأمن" المستوطنات في غلاف القطاع، وهي أيضا في مأزق اقتصادي نسبي "أمريكا جاهزة للتعويض وبعض العرب كذلك"، ستوافق على "تسهيلات واسعة" فيما يتعلق بالمواد والأدوية والغذاء... الخ.
وهي لا بد أن توافق على موضوع الأسرى وكذلك الرواتب، بالإضافة إلى وجود حرس الرئيس على المعابر، علما بأنها تتعامل مع موضوع الحرس على أساس ان ذلك يأتي نكاية بحركة حماس في محاولة خبيثة لنبش موضوع الانقسام، وهو موضوع تم حسمه من خلال حكومة التوافق وان الانقسام صار وراء ظهورنا.
أما الميناء والمطار، وكذلك الممر بين الضفة والقطاع، فبرغم انها كانت موجودة، فان من المشكوك فيه ان توافق عليها حاليا، ذلك أن هذه القضايا بالذات، هي عنوان الانتصار الفلسطيني، وعلى ذلك، فإنها قد توافق على تفعيلها لكن في مرحلة قادمة قد تمتد إلى سنوات، عدا عن ان الميناء والمطار أصلا بحاجة إلى سنوات من اجل إعادة الأِعمار "للمطار" والبناء بالنسبة للميناء.
التعامل بواقعية مع بعض المطالب، من اجل تخفيف المعاناة لن يكون مؤشرا على ضعف أو تخاذل، لكن هذا "التعامل الواقعي" يجب ان يكون مبنيا على ضمانات بأن الميناء والمطار سوف يتم تشغيلهما خلال فترة يتم تحديدها والتوقيع عليها.
كما يمكن في المرحلة القصيرة القادمة، العمل من خلال المقترح الأوروبي الذي يدعو إلى اعتماد قبرص كمحطة، وهذا في اعتقادنا قد يكون مخرجا للابتعاد عن الضغط والابتزاز الصهيوني، وذلك على الأقل من خلال بناء مرفأ صغير للأفراد فقط من اجل حرية الحركة بدون ضغوط أو ابتزاز أو إذلال من أي جهات أخرى، وهو مرفأ لن يكون مكلفا ويمكن بناؤه في فترة زمنية قصيرة.
العدو لا يريد ان يرى انجازات ذات قيمة مهما كانت وقد تحققت، وعلى الجانب الفلسطيني ألا يتهاون في العديد من القضايا، وألا يوافق على نقاشها أو التطرق إليها، مثل موضوع السلاح، الذي ليس من حق احد نقاشه طالما بقي الاحتلال.
المحاولات الصهيونية ترمي إلى بث روح من الإحباط "والهزيمة" من خلال المفاوضات، الأمر الذي لم يتحقق في الميدان، وهذا ما لا يجب أن يتحقق مهما حاولت دولة الكيان ومن يقف معها سرا أو بالعلن، علما ان على الوفد الفلسطيني ان يعمل في كل لحظة على تحميل العدوان وقادته مسؤولية ما حدث، وان يتحرك في كل العالم من اجل ان يدفع قادة الكيان ثمن عدوانهم وفي المقدمة إعادة أعمار القطاع عدا عن كل المسؤوليات الأخرى القانونية والأخلاقية وسواها.