"وحدها التضحيات تحقق الانتصارات، بمقاومة واعية، وشعب مضحي"
أن تأخذ حقك بقوة الإرادة والسلاح، وتسترد أرضا سليبة رغم انف العالم وجبروته ورغم طغيان الطغاة، لا شك أن ذلك لن يكون أمرا عادياً، ولا يمكن له أن يكون كذلك، كيف والمهزوم هي إسرائيل ربيبة الغرب المستكبر كله، لذلك لا يمكن ليوم الأربعاء 9 يوليو 2014 أن يكون تاريخاً عابراً، ليس لأنه تاريخ تحرير وانتصار، بل لأنه تاريخ بداية الانتصارات وأفول زمن الهزائم.
هو أول انتصار واضح على إسرائيل يرغمها على الجلوس مع وفد فلسطيني موحد يضم كافة أطياف الشعب الفلسطيني لوقف إطلاق النيران والاستجابة لمطالب مقاومة الشعب الفلسطيني، فوقف إطلاق النار لم يكن، وما كان له أن يكون، فانسحاباً إسرائيليا هادئاً، بل كان، وهكذا ينبغي له، انسحاباً صاخباً انكفأ فيه العدو من منطقة تلو الأخرى تحت ضربات المقاومة تارة، وزحف أشرف الناس تارة أخرى، فاختلطت فيه دموع الفرح مع زغاريد أعراس النصر ودماء الشهداء.
وبقدر ما كانت هذه الانتصارات عميقة في وجدان الفلسطينيين خاصة، والعرب والمسلمين عامة، بقدر ما كانت الهزيمة عميقة في وجدان وذاكرة الصهاينة وحلفائهم؛ لأنه هشّم أسطورة عُمل على بنائها منذ تأسيس الكيان الغاصب، وما دامت الهزيمة راسخة في نفس العدو ووجدانه وذاكرته، فإن فعل المقاومة قد حقق هدفه وغايته.
إن غزة بحق هي مدينة المواجهة والتصدي لأعتى وأحقد جيوش العالم الذي لا يقبل إلا بالسيطرة والتغير هذا ما قاله سبحانه وتعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم )، وبقت غزة وحيدة فريدة تدير رأسها يمنةً ويسرة وتستصرخ كل الإنسانية من أجل نصرتها ولكن الجميع في ذل قاتل والعرب من بينهم واضعي رؤوسهم في وحل الخيانة والهزيمة ويتصارخون بالإعلام فقط من أجل غزة ولكنهم معطين ظهورهم لها ومغلقين كل باب تعطي لهم رغيف خبز أو طلقة بندقية، فلم يلبي هذا الاستصراخ إلا من شرب رفض الذل والاستسلام مع حليب إمه من كل مكان يشحذ الهمم ويمد اليد والعون لشعب وشباب غزة من أجل الصمود والتصدي لأقوى الجيوش بعد أن كانوا يقاتلون بالحجارة وقنابل المولوتوف ويقدمون مئات الشهداء، فيقصفون مدن إسرائيل بالصواريخ والقنابل ويهددون أبعد منطقة فيها حتى أصبحت حكومة إسرائيل تتخوف من أي عدوان على غزة لأن الرد يكون سريعاً وقاتلاً وهذا كله بفضل مقاومي ومجاهدي غزة، الذين تحدوا العالم ونصروا أهلهم في غزة.
وبالرغم من هذا كله فبقيت غزة لحدها بالميدان تدافع عن شرف الأمة العربية والإسلامية بعد أن تركها جميع إخوتها من العرب تذبح من الوريد إلى الوريد، بسكين اليهود وقف أهل غزة يدافعون عن عزتهم وكرامتهم واستقلالهم وضفتهم وغزتهم بالبندقية وبالصاروخ المصنوع محليا بأيدي أبنائها، تقاتل بيد وتحمل بيد أخرى علم دولتها الأبية فلسطين الحرة.
إن أحداث غزة الأخيرة قد وضعت النقاط على الحروف وأظهرت حقائق الأفكار والمواقف، من عشرات السنين والنظام العربي يرفض المواجهة ويطبل للسلام واسترجاع الأرض من خلال المفاوضات، بل أصبح النظام العربي من ألد أعداء الشعب الفلسطيني ومقاومته ويرفضهما جملةً وتفصيلا بل وصل به الأمر إلى محاصرة غزة.
إن قيمة انتصارات غزة وإفشال المؤامرة على الأمة العربية وأوطانها، انه هزم عقلية الضعف والوهن التي زرعت في وجدان الأمة منذ عقود، وعندما هزمت عقلية الضعف هذه كان حقاً أن يقال، ولى زمن الهزائم وبدأ زمن الانتصارات.