سنوات "أوسلو" وساعات المقاومة

بقلم: محمد القيق

دخل المفاوض الفتحاوي مرحلة الترويض التي استمرت لأكثر من 21 عاما بعد أن تخلى عن وصايا أبو إياد حينما قال " مين الحمار اللي بفاوض راميا سلاحه؟!"؛ فكانت النتيجة أن غرقت الضفة الغربية بالمستوطنات والسجون بالأسرى والأقصى والقدس بالبصمات الأخيرة من التهويد؛ وإن تدخلت الفصائل المقاومة قالوا إنها تريد انقلابا على "الشرعية" وحتى حينما فازت حركة حماس في الانتخابات قالوا "الشعب لا يعرف مصلحته"، فكانت وكأنها الكتاب المقدس تلك الاتفاقية الهزيلة التي جعلت المواطن الفلسطيني ينتظر ليس يوما أو ساعة أو شهرا أو سنة بل 21 عاما من الذل والمجازر سجل فيها استشهاد وإصابة واعتقال عشرات الآلاف من المواطنين ومصادرة الأراضي وهدم وحرق المنازل والمساجد وكل هذا باسم "عملية السلام" التي طبل لها المطبلون وحماها المنسقون الأمنيون.

هي سنوات عجاف عاشها الشعب الفلسطيني حتى من تمرد على ظلمها من قيادة فتح تم إعدامه واغتياله على يد الاحتلال بوجود الأصوات التي خرجت من داخل السلطة وأذيالها تقول "تسلم الأيادي" إلى أن وصلنا إلى هذه الحالة المشلولة؛ فالضفة الغربية غرقت في سبات عميق بعد أن فجرت انتفاضة الأقصى بالمقاومة والاستشهاديين وذلك ضمن خطة الجنرال" دايتون"، وغزة تعرضت للحصار والحروب في محاولة فاشلة لمنع أي أمل للشعب الفلسطيني في ساسة طبقوا وصية أبو إياد حينما أرادوا أن يقولوا له " لا نفاوض إلا وصاروخ القسام يدك تل أبيب"، حينها اجتمعت الدنيا كلها على محاولة دفن الشرف ليحيا العار.

هي سنوت أوسلو التي لم نحصد منها إلا الدماء والذل فلا أسرى تحرروا ولا دولة أقيمت؛ حتى الدولة التي قال البعض إنها انتصار تفاجأنا مرة أخرى أنها مشلولة ومصابة " بالخرس والعمى" فلا تستطيع أن تصل إلى أبواب محكمة الجنايات الدولية؛ " الخاسرون في كل معركة ويبشرون بأعظم النصر".

وأما ساعات المقاومة فشتان شتان بين كرامة وذل وبين قوة وضعف وبين حاضنة شعبية وعصا أمنية؛ هي المقاومة التي توحد الجماهير ويدفع فيها الكل فاتورة الحرية فلا فنادق ولا امتيازات ولا كواليس في المفاوضات، هي الجلسات التي يعلم بها الطفل قبل الرجل والمرأة في فلسطين وحتى أدق تفاصيل ما يطرح، نعم سنوات اوسلو لم نر منها إلا تطبيق الشق الخاص بأمن الاحتلال وأما ساعات المقاومة فهي رعب أدخل الصهاينة كل يوم في دوامة جديدة، كيف لا وما زالت صواريخ الرنتيسي والمقادمة موجهة للقدس وحيفا و"تل ابيب"، ساعات المقاومة التي يخرج لها آلاف المواطنين إسنادا للوفد المقاوم المفاوض في الشوارع في المقابل جعلت آلاف الصهاينة بمن فيهم الجنود يخرجون في مسيرات في "تل أبيب" تطالب بوقف الحرب بروح الخاسرين.

تغيرت المعادلة وعرف الناس أن المفاوضات ليست سيئة وإنما المفاوض وأوراقه هي التي تتحكم، ليعرف الناس أن من يحمل السلاح في الميدان هو الأجدر أن يفاوض من فوهة البندقية، ولعل هذه الساعات تكون درسا لمن حاول ويحاول الاستفراد بالقضية الفلسطينية على أساس أنه الوحيد الذي هو ليس "الفتى الذي لم يبلغ الحلم"، لعلها درس لمن أقصى حماس والمقاومة من المشهد؛ لعلها درس لمن لا يحب الشراكة؛ لعلها درس لمن أغرق الشعب بلعنات "أوسلو" منزوعة الكرامة، هي ساعات بتوقيت وأجندة ومضمون؛ إنها ليست عبثية رغم أن أمريكا وأذنابها لا يعترفون بشرعية أبطالها الذين لا يملكون مكاتب وسفارات وامتيازات قال البعض إنها مهمة في استرجاع الحق.