قطاع غزة جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة ،تبلغ مساحته 360 كيلومتر مربع ،يسكنه حوالي 1,8 مليون نسمة ،كان ولا يزال عبر تاريخه الوجودي ،منبعا للحركة الوطنية الفلسطينية بكل اطيافها السياسية والمجتمعية من الشيوعيين والإخوان المسلمين الى القوميين والبعثيين والفتحاويين والمستقلين ،خاضوا معارك كفاحية شرسة ضد الظلم القومي والطبقي ،اختلفوا في أوقات الهدوء النسبي ،وتوحدوا في أوقات مواجهة العدوان والاحتلال الاسرائيلي ،وكانت بوصلته دائما نحو القدس وحق العودة ،وتحول القطاع لمركز لانتفاضات شعبية ما قبل 1948 وما بعدها ،ضد مشاريع توطين اللاجئين خارج وطنهم في سيناء ،وكافة مشاريع الالحاق والضم ،وتعرض للمجازر الوحشية والإبادات الجماعية ،وطرد جزء كبير من مواطنيه بعد حرب حزيران ( يونيه ) 1967،وبقي صامدا ومقاوما ،متمسكا بأهداف شعبه في الحرية والاستقلال والعودة ،مما أفزع المحتلين الاسرائيليين ،فبدءوا بالتخطيط والتنفيذ من أجل فصله عن الضفة الغربية والقدس ،فكانت خطة شارون الانسحاب الاحادي الجانب من غزة ،لتحقيق هذا الهدف .
مارس المحتلون الاسرائيليون ،حقدهم على شعبنا الفلسطيني في كل مكان في الضفة الغربية وأهلنا في 48،وتركز على القطاع ،فحاصروه ،وشنوا على مواطنيه خلال 7 سنوات من الحصار ،ثلاثة حروب عدوانيه متتالية ،بدءا من عدوان 2008/2009 ،مرورا بعدوان 2012 ،ثم عدوانهم 2014 وليس بالطبع الأخير ،لم يعرف شعبنا الفلسطيني في غزة الاستقرار ولم يذق طعم الهدوء ،كأن شعبنا يعيش في بلاد الزلازل والبراكين والعواصف . وفي العدوان الأخير الذي شنته حكومة نتينياهو وجنرالاته العسكريين استمر 51 يوما ،دمرت آلته العسكرية قطاع غزة كليا وجزئيا ،وألحقت ببنيته التحتية ،والفوقية خرابا ،ومسحا من الوجود في بعض احيائه ،لا يمكن أن يتصورها حتى مجرم ،وفقد المواطنون في قطاع غزة ضرورات الحياة والمعيشة من الامان والغذاء واللباس والمسكن والصحة ،وتعطلت الحياة بمعناها الآدمي ،مع فقدان المواطن أبسط مقومات الوجود وشرايين الحياة ،من المياه النقية ،والكهرباء والمأوى . لقد تم تدمير الحياة الاجتماعية مع غزارة صواريخ طائرات الاستطلاع وf15 ،وقذائف المدفعية العشوائية على رؤوس الآمنين الذين هربوا من بيوتهم لحماية ابنائهم التي تعرضت للتدمير الوحشي ،وطال قصفهم ،الابراج السكنية والمنشات والمؤسسات والمصانع والمساجد ،ومدارس الاونروا المحصنة دوليا ،والطرق والأراضي الزراعية والخالية ،وتم تحويل المناطق الحدودية الشمالية والشرقية الى أرض محروقة ،وتطهير عراقي ،وعقاب جماعي ،بلغ عدد الشهداء الذين سقطوا أكثر من 2100 شهيدا اكثر من ثلثهم من الاطفال والنساء والمسنين ،وعدد الجرحى أكثر من 10300 جريحا ..... الخ
ومع العدوان تآكلت البنية الاجتماعية الفلسطينية ،وأصيب العنصر البشري الشبابي الفلسطيني في قطاع غزة ،القوة الصدامية الأولى ،والمحرك الاساس للتصدي للاحتلال والعدوان ،بحالة من العجز في عدم مشاركته الفعلية في الدفاع عن النفس ،وعلى الرغم من صموده الطوعي والقسري ،يحتاج الى اعادة صقله على أسس وطنية وفكرية وسياسية وتنظيمية ،تعزز انتماؤه الوطني ،ومشاركته في العطاء دون مقابل ،ولن يقنعه التصفيق والحديث عن الانتصار ،ما لم يتأكد عمليا من رفع الحصار كليا عن قطاع غزة ،وضمان حرية التنقل وتدفق المساعدات الانسانية والاعمار بشكل اساس ،وتحقيق وحدة الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس وعودة قطاع غزة الى الحضن الفلسطيني ،ومشاهدة السياسيين والعسكريين الاسرائيليين في قفص الاتهام كمجرمي حرب ضد شعبنا الفلسطيني والشعوب العربية ،والموقف من رفض مشاركة اسرائيل وشركاتها في خطة اعمار غزة ..
ان دعوة الجهات المانحة ،لعقد مؤتمرها في القاهرة في نهاية شهر سبتمبر 2014 ،لتمويل عملية اعمار قطاع غزة ،والحديث عن الأموال التي سيتم جمعها ستوضع تحت تصرف رئيس السلطة الوطنية ،تحتاج لتدقيق ومتابعة ورقابة ،ففي حين اخذت شركات المقاولات والإنشاءات الاسرائيلية ،تستعد بطواقمها الهندسية والإدارية المختلفة ،وربما بشكل مباشر او تحت غطاء مسميات اوربية او امريكية للمشاركة في أعمار غزة المدمرة ،بهدف الاستحواذ على نصيب الاسد في اعمار غزة ،هذه الشركات التي شاركت في تدعيم الحكومات الاسرائيلية المختلفة في بناء المستوطنات والوحدات السكنية في الاراضي الفلسطينية المحتلة ،ونفذت جرافاتها وآلاتها الهندسية ،مخططات الاحتلال الاسرائيلي ،فان بعض الدول الاوربية والأمريكية ستزكيها في السر ،وربما بعض دول الاقليم للضغط من أجل حصول الشركات الاسرائيلية على نصيب من العطاءات والمناقصات تحت حجج ومبررات ،كقدرتها على الاعمار وامتلاكها المعدات الهندسية ،وتجاهل دور القطاع الخاص الفلسطيني ،وشركات المقاولات الفلسطينية وكوادرها الهندسية والتخطيطية وكفاءاتها المتوفرة ،بالإضافة الى توفر العديد من الشركات المصرية والعربية ،وإذا سمح للشركات الاسرائيلية بذلك فان هذه جريمة اخرى ،تضاف الى جرائم الحرب على شعبنا في قطاع غزة . لقد تبين من التجربة ،ان جزءا كبيرا من أموال الاعمار التي تخصص لتنفيذ المشاريع التحتية تستنزف في المصاريف الادارية والتشغيلية ،وهي وسيلة للنهب والاستحواذ على أكبر نصيب من أموال الاعمار . ان الاصرار على رفض مساهمة الجانب الاسرائيلي ،لإعادة البناء والاعمار في قطاع غزة هي قضية وطنية وأخلاقية وإنسانية وأمنية ،ورفض كل محاولات اخضاع ذلك للمراقبة الاسرائيلية ،أو وضع شروطا على المواد التي بحاجة القطاع اليها ،ان المسؤولية الكاملة عن اعمار قطاع غزة ،تقع على منظمة التحرير الفلسطينية ،وحكومة التوافق الوطني ،والقوى الوطنية ،ومكونات المجتمع المدني الفلسطيني .
ان محاولات نفي وجود كوادر ،وخبرات وقدرات يمتلكها القطاع الخاص الفلسطيني ،في الضفة الغربية وقطاع غزة ،ما هي إلا خدعة لولوج الشركات الاسرائيلية والأجنبية التي لا يهمها سوى الارباح ،وهذا يتطلب من السلطة الوطنية عدم الانخداع لما تروجه بعض تلك الاصوات ،تستدعي عاجلا التنسيق مع كل الجهود العربية والدولية ذات المصداقية ،وضمان الشفافية ،مع التأكيد ان اعادة اعمار غزة تشمل كل الحقول المختلفة بدءا من الاعمار والإسكان مرورا بالتعليم والصحة والمستشفيات ،والكهرباء والمياه والوقود ،والأراضي والبيئة والصرف الصحي ومعالجة الحالة النفسية للأطفال الذين تعرضوا للانتهاكات .... الخ وكلها تحتاج لتكاتف الجهود الفلسطينية والمصرية والعربية والدولية ،وتشكيل لجنة وطنية خاصة بالاعمار ،تستند الى رقابة شعبية لضمان سير العمل بطريقة سليمة .
وتتحمل جمهورية مصر العربية كشريك تاريخي في حماية شعبنا الفلسطيني ،والدفاع عن قضيته الوطنية ،والإسراع في فتح معبر رفح الحدودي على مدار 24 ساعة ،بإشراف الجانبين المصري والفلسطيني ،واتخاذ قرار مسئول بتسهيل عمله للأشخاص والبضائع ،والسماح بمرور كافة مستلزمات الاعمار من مصر والدول العربية والصديقة ،باعتبار معبر رفح الحدودي الشريان الرئيس الذي يضخ الحياة في غزة ،والرابط القوي للتواصل مع مصر والعالم العربي والخارجي ،والسعي من أجل توفير كل الاجهزة والمعدات الثقيلة والآلات الهندسية الضخمة ،واستقدام الخبراء ووصولهم الى قطاع غزة . ان منع اسرائيل وشركاتها الاستيطانية ،للمساهمة في اعمار غزة هي مسؤولية وطنية ،وكفاحية لا يجب التساهل فيها .
طلعت الصفدي - غزة فلسطين
الخميس 4/9/2014