ماذا ينتظر سيادة الرئيس؟

بقلم: غازي السعدي

في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس "محمود عباس"، عن خطته لتحريك العملية السياسية التي تقود إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، هذه الخطة التي وضعت -حسب المصادر الفلسطينية بالتنسيق مع حركة حماس- تقوم على إعطاء الأميركيين فترة زمنية قد تمتد لأربعة أشهر من أجل ترسيم حدود الدولة الفلسطينية، وجلب الاعتراف الإسرائيلي بها- ونحن نستبعد مثل هذا الاعتراف الإسرائيلي- لتبدأ مفاوضات فورية محكومة بسقف زمني محدد، ومطالبة إسرائيل بعرض خريطة حدودها حسب الخطة المذكورة، في هذا الوقت فاجأ الجيش الإسرائيلي-معتمداً على تعليمات من القيادة السياسية الإسرائيلية- بقرار يعتبر نحو أربعة آلاف دونم من الأراضي الفلسطينية، في منطقة بيت لحم، بأنها أراضي دولة، وأن قرار المصادرة هذا يعطي الأطراف المعنية (45) يوماً للاستئناف على قرار المصادرة غير المسبوق في حجمه منذ سنوات الثمانينات من القرن الماضي، سبقه مصادرة ألف دونم في نفس المنطقة لتوسيع الاستيطان، وليس للبحث عن السلام المخسوف، وهذه الأراضي تعود لخمس قرى فلسطينية، وحتى إن كانت هذه الأراضي أو بعضها أراضي دولة، فإنها تعود للدولة الفلسطينية، وليس لخلق تواصل جغرافي استيطاني يحول دون أية تسوية سياسية، فقد طلبت الولايات المتحدة والدول الأوروبية من إسرائيل التراجع عن هذه المصادرة، لكن مثل هذا الاعتراض والتنديد أصبح روتينياً أثناء كل عملية مصادرة، دون أي تراجع إسرائيلي، والتي لا تهتم بهذه الاحتجاجات، وتستمر إسرائيل بهذا الأسلوب للمرة ..... من المصادرات، لكن ما يميز هذه المرة عن سابقاتها، أنها جاءت فور وقف إطلاق نار العدوان على قطاع غزة، لتغطية فشل "نتنياهو" في تحقيق أهداف هذا العدوان، ولإبعاد الأنظار عن هذا الفشل، ولإرضاء اليمين الإسرائيلي المتطرف لإنقاذ نفسه وحزبه من فقدان الحكم مستقبلاً.

إن هذا القرار الإسرائيلي، يعتبر رسالة أيضاً للرئيس الفلسطيني، لإحباط خطته لتحريك العملية السياسية، فقد أثار قرار المصادرة انتقاداً عالمياً واسعاً ليس من قبل الأميركيين فحسب، بل من قبل الدول الأوروبية وسفرائها في إسرائيل، الذين قالوا بأنهم سئموا التصرفات الإسرائيلية، وأعلنوا غضبهم على مثل هذه المصادرات، حتى أن منظمة "جي ستريت" اليهودية الأميركية المعروفة بمواقفها المعتدلة طالبت الإدارة الأميركية بتغيير تعريفها للاستيطان، هذه الإدارة التي تغض النظر عنه وتعتبره غير شرعي، لتغيير هذا التعريف بغير القانوني، واتخاذ الإجراءات القانونية ضد إسرائيل خاصة في أعقاب هذه المصادرة الكبيرة، فإن المطلوب من الفلسطينيين، وبغطاء عربي، رفع هذا الموضوع إلى مجلس الأمن، لامتحان الولايات المتحدة والدول الأوروبية، في مواقفها من هذا الموضوع، من جهة أخرى اعتبرت حركة السلام الآن، أن قرار المصادرة طعنة في ظهر الرئيس الفلسطيني، وظهر المعتدلين الفلسطينيين، ودليل على عدم وجود أي أفق سياسي لدى "نتنياهو"، حسب بيان حركة السلام الإسرائيلية.

في استطلاع للرأي العام الفلسطيني "2-9-2014" الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية في رام الله أظهر ارتفاع شعبية حماس على حساب حركة فتح، وهذا التحول لا أعتقد أنه ناجم عن العدوان الإسرائيلي وصواريخ حماس، بل بسبب إفشال إسرائيل لمشروع المفاوضات والتسوية، الذي تقوده حركة فتح، وعدم تجاوب إسرائيل مع الحل السياسي، بل أنها مستمرة بمصادرة الأراضي والاستيطان، والممارسات المعروفة ضد الشعب الفلسطيني، بل إفشالها "أبو مازن" بعدم تقديم أية تنازلات، بل وبإفشالها للمرحلة الأخيرة من إطلاق سراح الأسرى، وأنه لم يعد سراً، بل أصبح مكشوفاً، ما يعلنه قادة إسرائيل، بأن الضفة الغربية جزء من أرض إسرائيل التوراتية، ويعملون على ابتلاعها، وسيتم ضمها إلى السيادة الإسرائيلية تدريجياً، وحسب "معاريف 3-9-2014"، فإن حكام إسرائيل، وبخاصة "نتنياهو" و"يعالون" و"ليبرمان" و"بينت"، لا يؤمنون أصلاً بالسلام، حتى أنهم لا يتحدثون عن المفاوضات والسلام مع الفلسطينيين، بل أنهم يحاربون كل مبادرة للسلام، ومن ضمن أساليب "الخداع" التي يشتهر بها "نتنياهو"، فإنه يرفض أية مفاوضات حول أية تسوية قبل معرفة كيف سيدير "عباس" قطاع غزة، وهذا يندرج في المماطلة وكسب الوقت، وفرض الوقائع الجديدة، ولا يوجد مشروع سياسي للحل لدى القيادة الإسرائيلية، بل عاد "نتنياهو" يكرر تخيير "أبو مازن" ما بين السلام مع إسرائيل، وبين المصالحة مع حماس، فماذا يعني هذا التخيير، وكأن هناك أوراق سلام لدى "نتنياهو"، بينما طالبت جريدة "هآرتس 29-8-2014"، من الحكومة الإسرائيلية، العودة إلى مبادرة السلام العربية، لإخراج إسرائيل من أزمتها في علاقاتها الدولية، ومن التباطؤ الاقتصادي في إسرائيل، ولتجنب "نتنياهو" الدخول في صراعات دبلوماسية وقضائية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

إسرائيل لا تبالي بتهديدات الرئيس الفلسطيني، حين يقول أن لدى السلطة الفلسطينية بدائل عديدة، وخاصة التوجه لمحكمة جرائم الحرب، أو الذهاب إلى محكمة "لاهاي"، أو وقف التنسيق الأمني، وحتى الإشارة إلى تسليم المفاتيح، أو حتى حل السلطة الفلسطينية، والانضمام إلى (522) ميثاقاً دولياً بما فيها ميثاق روما، ويبدو أنها تعلم بأن جميع هذه التهديدات لن يلجأ إليها الرئيس الفلسطيني، لكننا لا نعلم ماذا ينتظر سيادة الرئيس في ظل مواقف إسرائيل الواضحة، فإسرائيل ترفض مجرد التفاوض، ولن تخيفها تهديدات الرئيس، حتى أن وزير الخارجية الأميركية "جون كيري"، ألغى زيارته المقررة للمنطقة، لعدم الرغبة لدى إسرائيل بالعودة للمفاوضات، فإسرائيل لا تخشى ولا تبالي بتهديدات الرئيس، وأن خطته ليست الرد على الصلف الإسرائيلي.

إن خطة الرئيس أبو مازن، والتي سيقدمها إلى جامعة الدول العربية، تطرح خارطة للدولة الفلسطينية المستقبلية كأساس للتفاوض، وانسحاب إسرائيل التدريجي من الضفة الغربية خلال ثلاث سنوات، وأنه إذا رفضت إسرائيل الخطة، فإن منظمة التحرير ستتوجه إلى مجلس الأمن الدولي لاتخاذ قرار يعترف بالدولة الفلسطينية في حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، ومع إدراك الفلسطينيين بأن الولايات المتحدة ستلجأ إلى "الفيتو" على خطة الرئيس الفلسطيني حيث أعلنت رفضها للخطة، إلا أن جريدة "معاريف 4-9-2014"، أفادت بأن هناك تخوفاً إسرائيلياً بأن واشنطن قد تسمح لمجلس الأمن بإقرار طلب الرئيس الفلسطيني، وأن واشنطن قد تمتنع عن التصويت، ولا تلجأ إلى "الفيتو"، مع أنني استبعد ذلك، وإذا حصل فيكون قد طرأ تغير أميركي جذري في مواقفها من القضية الفلسطينية.

الخطة الفلسطينية المتكاملة لترسيم الحدود، وانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية، تصطدم مع معارضة إسرائيلية قوية، إذ أن هذه الخطة لا تنسجم مع الأطماع الإسرائيلية، ومع برنامج حكومة "نتنياهو" اليمينية، وإن كان داخلها بعض الأصوات التي ما زالت تنادي بحل الدولتين، فالأحزاب الإسرائيلية تتصارع لتمرير برامجها السياسية، بعد أن تحول العدوان على غزة، ووقف إطلاق النار، إلى أرضية خصبة لصراع بين الأحزاب الإسرائيلية، والتنافس والمزايدات فيما بينها، على حساب الحقوق الفلسطينية التي تتنكر لها، وأجمع مختصون ومحللون إسرائيليون أن تضارب المواقف والتصريحات يعكس الحياة السياسية الإسرائيلية التي تمر بأزمة صعبة، هذه الأزمة لا تخدم العملية السياسية إن كان هناك أصلاً عملية سياسية، ويعتبر الخبراء بالشأن الإسرائيلي أن تصريحات وزير الخارجية "افيغدور ليبرمان" باتهامه لرئيس الوزراء "نتنياهو" بأنه فشل في حربه على غزة، يهدف هذا الاتهام لعزل "نتنياهو" وتحقيق طموحه السياسي، بأن يكون خلفاً له، فـ "ليبرمان" يركب موجة التطرف، إذ أن الشارع الإسرائيلي متطرف وحسب استطلاعات الرأي العام تعطي لأحزاب اليمين الإسرائيلي (82) مقعداً في الكنيست إذا جرت الانتخابات حالياً، يريد أن يُظهر "نتنياهو" بالضعيف، يجب استبداله، أما بالنسبة للرئيس الفلسطيني الذي أعطى الأولية لخطته الجديدة، وهو يعلم أنها عصية على التحقيق، فهناك من يقول أن طرحه لخطته في هذا الوقت، للتهرب من الانضمام إلى وثيقة روما، وبالتالي إلى محكمة الجنايات الدولية.