في دراسة سابقة بعنوان غزة إلى اين قمت بإعدادها ونشرها بمناسبة الذكرى السنوية الأولى للحرب على غزة عام 2008/2009 ، وتوصلت فيها إلى نتيجة أن أحوال غزة لم تتغير في ظل الأوضاع الحالية ، طالما ظلت بعيدة عن الوحدة الوطنية والتلاحم بين شقي الوطن ، اليوم وفي أعقاب الحرب الأخيرة والتي تعتبر ربما من أطول واعنف الحروب التي تعرضت لها غزة في تاريخها الطويل ، حرب تجسدت فيها مظاهر الوحدة والتلاحم بين أبناء الشعب الفلسطيني في كل مكان وليس في قطاع غزة فحسب ، وحدة مقاومة ووحدة شعب تصدي للاحتلال حين كان الصمود ومجابهة المحتل وعدوانه الهمجي الوسيلة الأولى والأقوى في محاولة تحجيم هذا العدوان وإيقافه بل كان هذا الصمود والتصدي الأسطوري لشعبنا ومقاومته الباسلة داعما قويا وغطاء لنشاط القيادة الفلسطينية والوفد الفلسطيني المفاوض في القاهرة حينها .
اليوم وقد توقفت الحرب وإقرار معظم الجهات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بان قطاع غزة أصبح منطقة منكوبة ، وان حجم الكارثة التي لحقت بغزة لم يسبق لها مثيل في تاريخها ، والجهود مستمرة لتثبيت وقف إطلاق النار ، ودعوات الإعمار لقطاع غزة قائمة وعلى كل لسان في كل اتجاه وصوب ، بينما بعيش الفلسطينيون في القطاع هاجسا بين الخوف والرجاء ، خوف من المستقبل الغامض الذي ينتظر أهل القطاع بعد أن شعروا أياما أثناء الحرب كلها أمل في مستقبل مشرق بالأمن والاستقرار رغم ألاف الصواريخ والقنابل التي كانت تنهمر في كل ساعة ودقيقة وعلى كل شبر من ارض القطاع ، أسلحة لم تترك كبيرا وصغيرا ولم تترك شجرة أو حجرا إلا استهدفته ، ومن لم تصل إليه الصورة الحقيقية فليذهب إلى مناطق مثل حي الشجاعية وبيت حانون وخانيونس ورفح ويرى بأم عينه ماذا فعلت الدبابات والطائرات الإسرائيلية ، ناهيك عن ألاف الشهداء والجرحى ـ رغم كل ذلك كان الأمل يحدونا بانبثاق فجرؤ جديد من العمل الوحدوي من اجل المضي قدما في تحقيق أهدافنا في تحرير بلادنا ، لأننا بهذه المعركة أثبتنا للقاصي والداني أننا شعب لن يلين أبدا .
في ظل هذه الظروف بدأنا نرى ما كنا نتخوف منه ونتحسب ، ألا وهو عودة الانشقاق والبعد عن التلاحم والوحدة ، وبدلا من العمل على تعزيز صمود شعبنا بالعمل الحقيقي القائم على الشراكة ووحدة الهدف ، فإذا بنا نرى عكس ذلك وهو عودة التراشق الإعلامي بين بعض الفصائل والاتهامات المتبادلة ، واختزال قضية التوحد والتلاحم في قضايا فرعية لا ينبغي أن تكون على سلم القضايا ، صحيح إن مثل هذه القضايا واقصد قضية الرواتب بالتحديد قضية هامة جدا ، لذا لا يجوز حرمان قطاعات كبيرة من المواطنين من مصادر دخلهم ، ومن الضروري جدا العمل على إيجاد السبل الكفيلة لتوفير دخل لهم ولأسرهم ، إلا أن هذه القضية ليست هي قضيتنا الأساسية فهذه قضية يمكن علاجها بهدوء وعبر لجان تعمل بسرعة وليس عبر شاشات الفضائيات ووسائل الإعلام ، قضيتنا الأساسية ه استمرار العمل في اتجاه ترك مربع الانقسام والعمل المشترك على أساس الشراكة الفاعلة ، وكل يؤدي دورة المنوط به بدون أي معيقات ، وهنا بيت القصيد ، حيث سمعنا تصريحات تفيد بان حكومة التوافق الوطني غير قادرة على العمل في قطاع غزة بسبب عدم استجابة كبار الموظفين في الوزارات والمؤسسات المختلفة لتعليمات الوزراء في حكومة التوافق ، لا نريد القول هنا هذا صحيح أو خطا ، لكن ما يهمنا هنا القول بأن وضع قطاع غزة لم يتغير منذ تشكيل حكومة التوافق ، المشاكل كما هي ، مشكلة الكهرباء والمعابر والحياة الاقتصادية ، ربما يقول البعض بان الحرب الاخير لم تمهل حكومة التوافق للقيام بأعمالها لكن المؤشرات تشير إلى استمرار هذا العجز وعدم القدرة على العمل في قطاع غزة ، إذن هناك مشكلة لا بد من وضع اليد عليها لحلها ومن ثم الانطلاق إلى العمل ، ومن بين هذه المشاكل والقضايا ولنشير إليها بصراحة وهذا دورنا هو عدم سيطرة حكومة التوافق على قوات الشرطة والأمن في قطاع غزة ، هذا أولا ، وثانيا عدم اندماج إذا جاز لي التعبير بين المؤسسات الرسمية في قطاع والوزراء المعنيين فباستنثنا الوزراء المقيمين في قطاع غزة لم يقم باقي الوزراء بزيارة قطاع غزة والاتصال المباشر مع الموظفين باختلاف مستوياتهم ، والاطلاع عن كثب على احتياجات السكان خاصة في الفترة التي أعقبت الحرب، كنا نأمل بان تسارع الحكومة بكل مكوناتها لمباشرة أعمالها من قطاع غزة ولو لفترة محدودة ، ليشعر المواطنين بمدى اهتمام حكومتهم وارتباطها بهم وبقضاياهم ، الأمر الثالث هو تصاعد وتيرة المناكفات الإعلامية والتصريحات والتصريحات المضادة بين الفصائل الفلسطينية وتوجيه الاتهامات المختلفة للحكومة بتقصيرها في أداء واجباتها في قطاع غزة بل ذهب البعض إلى حد التشكيك في شرعية الحكومة ، وهي تصريحات تأتي على خلفية اختلاف المواقف والرؤى حول نتائج الحرب التي تعرض لها قطاع غزة .
في ظل هذه الظروف يعيش الشعب الفلسطيني حائرا مترقبا ظروف اجتماعية باتت أكثر قساوة بعد الحرب حيث عشرات الآلاف بل ربما مئات الآلاف أصبحوا بعيشون بلا مأوى أو في بيوت آيلة للسقوط ى ولا ننس أن فصل الشتاء على الأبواب ، وهناك عشرات الآلاف من الشباب التي قصمت البطالة ظهورهم لا آمال والأفاق مسدودة ، ولعل الأحاديث الدائرة الآن حول هجرة الشباب وتهريبهم إلى خارج البلاد لهو مؤشر خطير إلى الدرجة التي وصلت بهم الحال ، تضحيات جسيمة بذلها شعبنا وعلى الرغم من ذلك بدا الإحباط واليأس بتسلل إلى نفوسهم بعدم تحقيق أي شيء مما كنا نصبو إليه من هذه الحرب
بعد كل هذا نعود إلى السؤال ثم ماذا بعد ؟ غزة إلي أين ؟ إلا من نهاية لهذه المآسي التي تتعرض لها إن تنتهي ، اعتقد انه بالإمكان انتهائها ولكن بصدق النوايا ، وقوة الإرادة ، لابد من العمل والعمل الجاد ، لا بد من ممارسة الحكومة لأعمالها وصلاحياتها في كل شبر من ارض الوطن ، ولا بد من بسط سيادتها على كل المؤسسات الصغيرة والكبيرة ، اتركوا لها فرصة للعمل ، واتركوا لنا فرصة للحباة ،
أكرم أبو عمرو
12/9/2014
غزة - فلسطين