ما إن توقفت الحرب القذرة التي شنتها اسرائيل على شعبنا الفلسطيني في غزة, وما إن بدأ الفلسطينيين لملمة اشلائهم وخياطة جراحهم ودفن شهدائهم ,وما إن عادوا ليتفقدوا ما دمرته الة الحرب الاسرائيلية وما تبقي لهم تحت الركام ,وما إن أخذوا ينصبوا خيامهم فوق هذا الركام الى حين اعادة بناء تلك البيوت, وما أن بدأ التحرك السياسي الفلسطيني بتبني البحث عن خطة سلام كبيرة هدفها إنهاء الصراع وانهاء الاحتلال على أساس حل الدولتين وقرارات الامم المتحدة ومجلس الامن حتي ظهرت الخلافات على سطح المشهد السياسي الفلسطيني بين الفصيلين الكبيرين فتح وحماس , وعطلت وتعطلت مع هذه الخلافات كافة البرامج والاتفاقات التي تم التوصل اليها بين الطرفين لإعادة رص الصفوف وتقوية الجبهة الداخلية , وأولها اتفاق تشكيل حكومة الوفاق الوطني وتوليها في غزة , فلم تتمكن حكومة التوافق التي تم تشكيلها بموجب اتفاق الشاطئ بين فتح وحماس من العمل في غزة ولم تنجز أي من برامجها ومهماتها التي وجدت من أجلها , قد يكون السبب ايضا ناتج عن عجز هذه الحكومة أخذ زمام المبادرة و الانتظار بأن تسمح لها حماس بذلك , أو بسبب طريقة تشكيلها وبقاء حقيبة وزير الداخلية في يد رئيس الوزراء رامي الحمد الله دون قدرة على ادارة هذه الوزارة وإعادة هيكلة الاجهزة الامنية على مبدأ الشراكة الوطنية وغياب وجود مساعدين من كبار رجال الشرطة في غزة له, لعل ما يعطل تولى أي حكومة فلسطينية الحكم في غزة هو خلاف وصراع برامج , فهذا البرنامج يطمح في الكل لوحدة ويستثمر كل شيء متاح من أجل التوسع وتولى الحكم بديلا عن م ت ف باعتبارها قد هرمت و شاخت وأنها لا تتبني استراتيجية تحرير مقبولة فلسطينيا وذلك البرنامج يتبني التحرير الشامل وإقامة الدولة الفلسطينية عن طريق النضال الشعبي متعدد الاشكال بالطرق السلمية مع بعض أشكال الكفاح المسلح إن سمح وتطلب الامر ذلك .
الاسبوع الماضي سلم الفلسطينيين عبر وفد رسمي من القيادة الفلسطينية وزير الخارجية الأمريكي خطة الفلسطينيين لإنهاء الصراع وقدموا شرح لكافة الامور المتعلقة بالخطة و الخطط التابعة إن لم تقبل الخطة وتتبناها الولايات المتحدة الامريكية باعتبارها دولة مركزية قادرة على فعل ايجابي بعملية السلام إن نوت ذلك , لكن قد لا تقبل الخطة بأحرفها وبنودها كاملة وقد تعقد جولات نقاش مستقبلية بين القيادة والامريكان حتي لا يتوجه الفلسطينيين الى مجلس الامن تحت المظلة العربية التي تكونت خلال الحرب الاخيرة على غزة وتطر الولايات المتحدة لإحباط هذا القرار , في المقابل ينعقد هذا الاسبوع مجلس الامن الدولي لمناقشة سبل تثبيت وقف اطلاق النار في غزة على اساس الاتفاق الاخير الذي جري في القاهرة ,وهناك سعي اسرائيلي امريكي لاستصدار قرار يتم من خلاله نزع هادئ للسلاح في غزة , وهذا القرار قد يتم تنفيذه عبر عملية إعادة ادارة الحصار على غزة والتضيق بشكل قانوني على اهلها وتجفيف كل منابع الدعم لها لفصائل المقاومة.
لعل الصراع الحالي بين فتح وحماس والذي نشب من جديد بعد الحرب على غزة اسبابه اصبحت اكثر وضوحا للمراقبين لكننا نقول إن مخاطر هذا الانقسام الجديد خطيرة جدا وخاصة إن قطاع غزة بالكامل يخيط جراحة وينتظر مؤتمر الاعمار ليعود الناس الى بيوتهم , وهناك الالاف الموظفين الذين تم اقصائهم ينتظروا العودة الى وظائفهم والالاف اخرين ينتظروا ان تصرف لهم رواتبهم ليعيشوا بالتساوي مع باقي موظفي الدولة ,لكن مهما اختلفت البرامج وذهبت الخلافات الى أبعد مستوي من التنافر فإن الخيار الوحيد امام هؤلاء المختلفين العودة للبيت الواحد والصف الواحد والراية الواحدة والشراكة الحقيقية لان أي من البرامج لن يجد سبيلا للتحقيق دون الاخر وخاصة أن هناك رؤي لدي حماس لإنهاء الصراع مقاربة لرؤية فتح وهي تبني الحل على اساس حل الدولتين واقامة الدولة الفلسطينية على حدود العام 1967 , ولعل المستقبل السياسي الفلسطيني بالكامل سيبقي مهددا في ظل استمرار هذا الاختلاف الذي ينذر استمراره ضياع أي جهد دبلوماسي لحشد الدعم الدولي لحل مقبول للصراع ينهي الاحتلال ويحقق الثوابت الفلسطينية وينذر ايضا بضياع أي جهد استراتيجي للمقاومة يدعم هذا الحشد .
في ظل هذا الاختلاف والصراع الكبير اصبح امام الفلسطينيين خيارا وحيدا وهو توحيد جميع البرامج السياسية والمقاومة والتي من خلالها يصبح محرما ان ينظر أحد الى ذاته الضيقة وهذا يحتم علي الفلسطينيين أن يراعوا المصلحة العامة للوطن التي تنتهي معها كل المصالح الخاصة للأحزاب السياسية والفصائل , والاهم اصبح ضروريا على الفلسطينيين أن يحيدوا المقاومة الفلسطينية عن المناكفات السياسية لتبقى بعيدة عن التدخل في الشأن السياسي الداخلي تحت أي ظرف كان وما عليها الا العمل تحت الارض وحفظ هذا السلاح فلسطينيا موحدا طاهرا ينتظر ساعة الصفر أن اقدم الاحتلال على هذه الساعة , وأصبح واجبا على المستوي السياسي العمل بكل الوانه المختلفة المضي قدما في استراتيجيته السياسية ضمن اطار سياسي واحد وجبهة سياسية واحدة وهي اطار منظمة التحرير الفلسطينية التي هي وحدها القادرة على اعتماد استراتيجية تحرير واحدة وقوية تكون قادرة على وقف مشاريع اسرائيل الاستيطانية والتوسعية والحفاظ على ما تبقي من ارض وانتزاع قرار دولي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي , وتبقي الحكومة الفلسطينية هي حكومة الكل الفلسطيني وتبقي مهام الحكومة الوطنية الحفاظ على الانسان الفلسطيني ورعاية شؤونه المدنية السياسية على اساس الديموقراطية والعدل والمساواة وعدم التميز ضمن عمل مؤسساتي متطور يشارك فيه الكل الفلسطيني يهيئ لدولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة.